أحمد باشا

“تلبيسة شباب من ذهب”..

أحمد باشا – أورينت نت

ليس مهماً إن كانوا قد اطلعوا على بيان الدوغما أم لا، أو أنه قد مر الدنماركي “لارس فون ترير” أو أي سينمائي آخر من هذه المدينة الصغيرة، حتى وإن جاء هذا المرور عن طريق حبكة هوليوودية مطلقة بحيث لا يمكن إخضاعها لسلطة المنطق ولأي قانون أو شروط فنية معينة.

يبدو البحث عن تقاطعات بين ما يقدمه شباب مجهولي الهوية وبين نقاط بيان الدوغما ضرباً من ضروب العبث، لذلك ينبغي علينا أن نضع الأمور في سياقها الطبيعي، فكل تجربة هي أبنة شروطها المحيطة.

(مجموعة من الشبان أنشأوا منبراً خاصاً لهم: قناة على اليوتيوب بعنوان”تلبيسة شباب من دهب”، التقشف في المقاطع الفيلمية التي صنعوها كان في حدوده القصوى، لا مصادر للضوء أو الصوت، لا أزياء ولا مكياج، لا نجوم هنا ولا تيترات، ولا مخرج حتى أو مؤلف). إن الثابت الوحيد في هذه المقاطع هو مكان التصوير “تلبيسة”، مدينة سورية تعرضت للقصف المتواصل وباتت مدينة أشباح مفرغة من ساكنيها، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف المواد الفيلمية التي يبثونها عبر قناتهم.

من الصعب أن تجد كادراً واحداً يخلو من آثار القصف أو بقايا منزل مهدم. الفضاء الدرامي هو مدينة فارغة تماماً يقوم بعض من أبنائها بتصوير مقاطع فيلمية ساخرة، يواكبون ما يحدث من تغيرات على مسرح العنف السوري ضمن المشهد العام “الثورة السورية”.

وإن كان معظم ما يقدمونه مستقى من منتوجات استهلاكية أساساً كانت قد غصت بها التلفزيونات العربية من قبل “باب الحارة.. من سيربح المليون.. إلخ ” فهذا لا يقلل من قيمتها، فالجودة الفنية أو القيمة الفكرية لهذه المنتجات تنبع من الطرح أولاً و من تطويع الذاكرة الفنية الجمعية لهدف سياسي ساخر، ليكون هدفه بالدرجة الأولى زيادة حالة الفصام مع حال المدينة الكارثي، وتظل تلبيسة داخل الخارطة السياسية السورية، إنه أشبه ب “غروتسك” محلي يخضع فقط لدراماتورجيا الثورة السورية.

راح السوريون خلال ثورتهم يبحثون عن الأشكال التي تعبر عنهم، مدن مهمشة تعيد اكتشاف الفن وتبحث عن غايته، فالفن عبر تاريخه الطويل ينبع بالدرجة الأولى من حاجة الإنسان للتواصل والتأثير، فقواعده أو قوانينه إن وجدت فإنها عامل متغير متبدل، يرتبط ارتباطاً عضوياً براهنية الخطاب وطريقة معالجة الإشكالية المنبثقة أساساً من خيوط الآن وهنا من جهة، والبراعة أيضاً في صناعة تماه بين الشكل و المضمون، وذوبان كل منهما بالآخر من جهة ثانية.

تمثل هذه المحاولات على الرغم من بساطتها أداة رفض للتهميش المنظم الذي أتبعه نظام سياسي كان من ألد الأعداء للتنمية بالمعنى الثقافي أو الاجتماعي، فالثقافي هو انعكاس للسياسي، لذلك فإن الرغبة هي التي أعطت الأحقية للهواة في الحلم الدائم في غزو المتن “المؤدلج”، ليس لنفيه أبداً، بل للتأكيد على دور الفن كأداة سياسية، فالمجتمعات الأهلية المغلقة التي تعد عصب الثورة السورية أرادت من كل وسائل التعبير أو الأشكال الفنية التي اقترحتها أن تقول بأن عملية إغلاق البنية الدائرية هو فعل سلطوي يقمع الغريزة الفطرية عند أي شعب من الشعوب في الحاجة للانفتاح – التحرر من القيود- .

وللسبب السابق كان الصراع الأكبر الذي عاشته الثورة السورية ومازالت تعيشه مرتبطاً بمفهوم البطولة، ثورة على التكريس الممنهج في كافة مناح الحياة، ومن نتائج هذه الثورة كانت البطولة للمدن، كفرنبل بلافتاتها، وسراقب بجدرانها ودير الزور بكراتينها وعدسات الشبان في كل مكان.

المدن تسخر وتنتقد وتنتج وعياً سياسياً بأساليب فنية وجمالية، تعيد للفن اعتباره بالمعنى السياسي، بل يرجع إلى كونه أداة ثورية بالدرجة الأولى.

مايقدمه أبناء تلبيسة يستمد مشروعيته وأصالته من خلال فعل المجابهة، مما يتيح النظر إليها كنوع من البسيكودراما الذاتية، تساهم بالدرجة الأولى في تخفيف الكوارث النفيسة عند صناع المقاطع، الأمر الذي قد يكفل لهم نعمة البقاء ضمن بقايا مدينتهم.

16/6/2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى