صفحات سوريةميشيل كيلو

تمثيل شو؟/ ميشيل كيلو

 

 

لا يقلع قادة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية وممثلوه عن تأكيد واقعة صحيحة، هي اعتراف معظم دول العالم به ممثلاً شرعياً للشعب السوري. ولا يتوقف هؤلاء عند واقعة أشد أهمية وخطورة وصحة، هي أن الشعب السوري الذي يدّعي “الائتلاف” تمثيله لا يعترف به ممثلا له، ولا يقيم معه ذلك النوع من العلاقات الذي يجعله محل ثقته، وجهة تمون عليه.

هذه المفارقة جعلت الاعتراف الخارجي بالائتلاف نوعاً من خشبة خلاص، تحاول قيادته التمسك بها، لتفادي الغرف في بحر الرفض الداخلي بأمواجه الصاخبة، الذي حوله إلى جهة هامشية ومكروهة في نظر السوريين. والمشكلة أن الاعتراف الخارجي، الدولي، تراجع إلى حد التلاشي في العام الأخير، ولم يعد ما كان عليه حتى الأمس القريب، حين بدا وكأن “الائتلاف” يمثل السوريين حقا، قبل أن تنعكس ممارسات قياداته الهزيلة، وطرقها المتخلفة في الاستجابة، للتطورات بصور سلبية عليه، وأكلت بسرعة صفته التمثيلية وقدراته التواصلية مع الذين خرجوا يهتفون في تظاهراتهم: “الائتلاف يمثلني”، لكنهم سرعان ما انفكوا عنه لمليون سبب، أهمها إطلاقا أنه لم يمثلهم فعلاً، أو يتفاعل بأية طريقة إيجابية مع مآسيهم، أو يهتم بشؤونهم، أو يأخذ في اعتباره همومهم ومشكلاتهم، بل تعامل معهم كما يتعامل النظام الأسدي: بالتجاهل والازدراء والتعالي، ولحق دوماً الأحداث، ولم يفكر يوماً بانتهاج سياسات استباقية تجاه أي موضوع يتصل بثورتهم، في حين فشل فشلاً ذريعا في تسوية انقساماته وصراعاته الداخلية التافهة والصغيرة أو إدارتها، وهي التي أفقدته بدورها القليل الذي كان باقيا له من احترام العالم، وفرضت عليه عزلة مزدوجة: دولية ووطنية تحولت إلى قطيعة ثم حصار، أمعنت في إبعاده عن الشعب وممثليه الحقيقيين من المناضلين والمقاومين، فتلاشى تواصله مع الخارج، ولم يعد مقبولا في الداخل، وبينما أقلعت الدول عن التواصل معه، أو الاستجابة لطلباته بزيارتها، لم يعد أي مسؤول فيه يجد في نفسه الجرأة على الدخول إلى أية منطقة سورية يتم تحريرها، خشية اعتقاله من المقاتلين وتقديمه للمحاكمة، وقد بلغ السيل الزبى بعد تحرير إدلب، حين تلقى تهديدات صريحة باعتقال ممثليه، في حال اجتازوا حدود تركية مع محافظة إدلب، في حين رفضت قطاعات الجيش الحر في حوران والجولان استقبال رئيسه، عندما زار الأردن، فما كان منه إلا أن غطى الفضيحة بلقاء شخصين لم يسمع بهما أحد من قبل، ادعى أنهما من وجهاء حمص.

على الرغم من تراجع علاقاته الخارجية وتلاشيها، وانعدام علاقاته الداخلية التام، لم تفكر قيادة “الائتلاف” بمعالجة المشكلة، بل لجأت إلى ما تمليه السذاجة، وأخذت تبالغ في الإلحاح على كونه الجهة السورية الوحيدة التي تحظى باعتراف دولي، كأن الإلحاح على ما لم يعد صحيحاً، يستطيع إعادة ما كان للاعتراف من طابع عملي، بما في ذلك إرجاعه إلى موقعه ضمن نسيج العلاقات الدولية المعنية بسورية، وإمداده بالمعونات الضرورية لشعب سورية، واستعادة مكانته لدى الدول والشعوب ممثلاً لشعب مظلوم، وإحياء التنسيق بينه وبين “أصدقاء سورية” الذين صاروا يعقدون اجتماعات خاصة بالشؤون السورية، لا يدعونه إليها، رفع الحظر عن زياراته البلدان العربية التي تقدم بطلب إلى واحدة منها، تتعلق برغبته في زيارتها، لتقديم واجب التعزية بملكها الراحل، فلم يتلق أي رد.

يمثل “الائتلاف” حال فراغ عرفتها ثورة قتل النظام والإرهاب ممثليها. إذا ما عاد هؤلاء إلى مكانهم في الثورة، اختفى، وعادت الأمور إلى مسارها الصحيح.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى