عمر كوش

تمديد خطة أنان ليس حلا للأزمة السورية


                                            عمر كوش

التشدد الروسي

التردد الغربي

تمديد الفشل

بالرغم من هول وفداحة ما يحدث في سوريا، من أعمال قتل يومي ومجازر تهزّ الضمير الإنساني وتقشعر لها الأبدان، فإن القوى الدولية الكبرى ما زالت تصرّ على تمديد فترة عمل بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، ومنح خطة المبعوث المشترك، الدولي والعربي، كوفي أنان، وقتاً إضافياً، وتسعى إلى تمديدها، من خلال طرح مشروعين على مجلس الأمن الدولي، يتقاطعان على مبدأ التمديد، ويختلفان في التفاصيل.

حيث تصّر موسكو ومن يقف معها على التمديد دون أي تهديد أو تلويح بالعقوبات، فيما تسعى الدول الغربية إلى إصدار مشروع قرار، يهدد باتخاذ عقوبات تحت الفصل السابع، وبالتحديد المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، مع وضع فترة زمنية محددة لوقف أعمال العنف، ويتضمن ذلك تنفيذ النقاط الست في الخطة.

ويبدو أن فصلاً جديداً من المماحكات الدولية حول الأزمة السورية قد بدأ، في لعبة عبثية، يتكرر مشهدها كلما اشتدت مفاعيل الأزمة وإرهاصاتها. وقد شهدنا بعض فصولها منذ أن نقلت الجامعة العربية الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي، والتي ما زال أمينها العام، نبيل العربي، يراهن على إمكانيات كوفي أنان لتحقيق إنجاز ما، لم يعلن عنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمناسبة مرور عام على تسلّمه الأمانة العامة للجامعة العربية، والذي لم يحقق خلاله أي إنجاز يذكر، بالرغم من عقد أكثر من ثلاثين اجتماعاً حول الوضع السوري، تمخضت عن مبادرة ميتة وتدويل الملف السوري، وانتظار ما يقرره المجتمع الدولي المنقسم حيال الأزمة، وتكرار مقولة رفض التدخل العسكري الأجنبي.

وبالتالي، لم يجد العربي سوى المطالبة بمنح أنان فرصة جديدة، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن مدى فاعلية الدور العربي في الأزمة السورية، وعن طبيعة الأدوار التي يقوم بها المحوران الدوليان في إدارة الأزمة: محور روسيا الاتحادية والصين وإيران، والمحور الأميركي البريطاني الفرنسي.

التشدد الروسي

يتعامل ساسة روسيا الاتحادية مع الوضع في سوريا، بوصفه صراعاً دولياً على سوريا، يجب أن يكون لهم دور فاعل فيه، لحسابات مناكفة الغرب وابتزازه، والحفاظ على المصالح والامتيازات الروسية، خاصة العسكرية والإستراتيجية، مع علمهم تماماً أن الصراع أساسه داخلي، وفي صلبه مطالب غالبية شعب، يريد الحرية والكرامة، وإشادة دولة مدنية تعددية ديمقراطية.

ومن منطلق تأكيد، وتقوية الدور الروسي، في منطقة الشرق الأوسط، يتشدد المسؤولون الروس حيال أي حلّ لا يتضمن التمسك ببقاء الرئيس السوري، والتمسك بتفسيرهم لاتفاق جنيف، ورفض التأويل الغربي له، إضافة إلى رفض أي مشروع قرار دولي يدين النظام السوري، ويهدد بالعقوبات تحت الفصل السابع. بالتوازي مع ذلك، يسعون للتمديد لفريق المراقبين الدوليين، وتمديد الوقت لخطة أنان، وينظرون إلى المجلس الوطني السوري، وبعض أطياف المعارضة السورية الأخرى، بوصفها أداوت ضغط للمحور الغربي على النظامين السوري والروسي.

وتثير المواقف الروسية حيال الأزمة السورية العديد من التساؤلات والنقاشات، كونها تبدو معادية للحراك الشعبي، وتدعم النظام بكافة الوسائل. وهي غير مفهومة ومستهجنة من طرف معظم قوى المعارضة، وليست مبنية على أسس منهجية أو وفق ضوابط معينة، وإن كانت محدداتها تتمحور حول مصالح الشركات الروسية أكثر من ارتباطها بمصالح روسيا الوطنية البعيدة المدى، إضافة إلى أنها في واقع الأمر تعكس طبيعة النظام الروسي، وهواجسه المعادية والمتوجسة حيال أي حراك شعبي داخلي في الاتحاد الروسي ومحيطه الحيوي، لذلك ينظر الساسة الروس بريبة وتشكك إلى أي حراك مجتمعي في بلدان الأنظمة المتحالفة معهم، ويعتبرونه مجرد أداوت تنفذ مؤامرات أطلسية غربية.

وتدرك موسكو أن تمديد مهمة المراقبين الدوليين لا يتعدى كونه مماطلة تمكنها من الاستمرار بالتمسك بما تسميه الحلّ السوري، وكسب مزيد من الوقت للمبعوث الدولي والعربي كي يمارس دوره كمراقب ومرسال، لا يرى شيئاً، ويدور في حلقة مفرغة، يتنقل فيها بين العواصم ليسوق كلاماً فحواه أن أوراق الحل تتطلب دعماً دولياً وإقليمياً، بما يعني إشراك الجانب الإيراني، الحليف للنظامين السوري والروسي، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة الأميركية بشدة، لأمور تتعلق بدور إيران في المنطقة، وبالجدل حول ملفها النووي.

التردد الغربي

يرى العديد من المتابعين للموقف الغربي أن تردد الولايات المتحدة الأميركية، وعدم رغبتها الدخول بقوة على خط البحث عن حل للأزمة السورية، شجع الروس على اتخاذ مواقفهم المتشددة، بل يظهر أن الغربيين مرتاحون لدور الإعاقة والممانعة الروسية، والسبب هو أن حسابات الدول الغربية، تأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير أي أزمة على أوضاعهم الداخلية، وخاصة حسابات الانتخابات واستطلاعات الرأي وسواها، وتحسب حكوماتها ألف حساب لأمن ومصالح إسرائيل، قبل كل شيء، في منطقة الشرق الأوسط.

إضافة إلى أن مصالح الدول الغربية غير مهددة بفعل تأزم الوضع السوري، فلا بترول في سوريا، والضاغط الأخلاقي لا يدفع وحده الساسة الأوروبيين إلى اتخاذ مواقف حازمة وحاسمة، كما فعلوا حيال العراق وأفغانستان ويوغسلافيا السابقة، لذلك يركزون على الحلّ السياسي، غير المتاح فعلياً، ويعتبرون خطة أنان الفرصة الوحيدة لمعالجة الأزمة السورية، ولا يهمهم كثيراً حجم وهول ما أصاب المحتجين السوريين، وما يقدمونه من شهداء وجرحى ومعتقلين، ولا يكترثون لدمار مناطق سكناهم وتهجيرهم وتشريدهم، داخل سوريا وخارجها، ويعرفون تماماً أن من مصلحة إسرائيل أن تدخل سوريا في نفق مظلم لا نهاية له، وأن تتدمر وتتفكك الدولة، وتصل إلى مرحلة شديد من الاهتراء والتفكك والتعفن.

غير أن الأهم هو أن الساسة الأوروبيين، الذين لم يحسموا أمرهم بعد، ربما في انتظار شيء ما، أعجبتهم لعبة الرهان على إحراج المحور المقابل، وإمكانية الضغط عليه أخلاقياً، من أجل ليّ ذراع أصحابه، وإرغامهم على تغيير مواقفهم، ولا يكترثون كثيراً للوقت الذي تستغرقه الأزمة.

وهم يعلمون جيداً، أن القادة الروس يؤيدون التمديد لخطة أنان، لكن دون أن يكون لها أسنان، أي دون أي إلزام للنظام السوري بها، بما يعني أنهم لن يسمحوا بإصدار قرار دولي تحت الفصل السابع. وبدورهم لن يسمح الأوروبيون للمشروع الروسي في مجلس الأمن بالمرور، ومثل كل مرّة، سيدخل ممثلو المحورين في مفاوضات ماراثونية ومساومات، ويطلقون تصريحات هنا وهناك، ثم يخرج قرار وسط، لن يفيد في حل الأزمة السورية، وفي إنهاء معاناة الشعب السوري.

تمديد الفشل

لا شك في أن المبعوث المشترك، الدولي والعربي، كوفي أنان، يعلم جيداً طبيعة الموقف الغربي، ونقاط قوته وضعفه، لذلك فهو يمارس لعبة الأصم أحياناً، والأعمى أحياناً أخرى، مع تصريحات الساسة الغربيين ومواقفهم المعلنة، لذلك لم يتردد في زيارة إيران، حاملاً خطة جديدة لم يفوضه أحد بها، تتحدث عن إنهاء العنف بشكل تدريجي، انطلاقاً من بؤره الكبرى.

وراح يسّوق، في العاصمتين الإيرانية والعراقية، كلاماً عن أهمية الدور الإيراني في إيجاد حل حواري مستحيل بين المعارضة والنظام، لذلك اعتبرت المعارضة أنه مستعد للتعايش مع استمرار العنف، بالرغم من سقوط عشرات القتلى يومياً في سوريا، ويحاول، في الوقت نفسه، إطلاق عملية سياسية في ظل استمرار القصف وجريان أنهر الدماء.

والمشكلة في المماحكات الدولية بين المحورين، الغربي والروسي، هي أنها لم تسفر سوى عن تعطيل إمكانية التفاهم الدولي والتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة. ومنذ إقرار خطة أنان بدا جيداً أنها لن تقدم حلاً، وتمديدها هو تمديد للفشل، ولن يفضي إلى أي حلّ سياسي للأزمة السورية.

والجميع يعلم أن خطة أنان لم ينفذ أي بند منها، بسبب إصرار النظام السوري على الحل الأمني، ومحاولة حسم الأمور عسكرياً. وهي تستند في الأساس على تنفيذ بنودها الستة دون مراوغة أو تأخير أو شروط مسبقة، الأمر الذي يتطلب إقرار النظام السوري بأن ليس هنالك حل أمني أو عسكري للأزمة الوطنية العامة في سوريا، وأن تتوفر لديه الإرادة السياسية اللازمة لتجنيب البلاد مخاطر الاقتتال والدمار والمصير الكارثي، إضافة إلى توفر ضغط دولي لتجنب مخاطر كارثة سورية، قد تسبب حرباً إقليمية تهدد استقرار المنطقة، وتعود بالكارثة على شعوبها، التي من حقها العيش بكرامة وحرية، في ظل أنظمة ديمقراطية تعددية ومدنية.

وبرهنت الأشهر الثلاثة الماضية من تواجد وعمل بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، أنهم لم يراقبوا سوى أعداد القتلى والمجازر، وقد عبّر سوريون عن ذلك بلافتة تقول: “إن أفضل ما قدمته خطة أنان للسوريين هو الانتقال السلمي من عدّ القتلى إلى عدّ المجازر”، الأمر الذي يكشف حجم السخرية المرّة التي يشعر بها معظم السوريين من عبثية خطة أنان، لأنهم يرون أن كل المؤشرات على الأرض، تشير إلى فشل أنان ومراقبيه، إذ ما زالت أعمال القتل والعنف مستمرة، وما زال قصف الأحياء والبلدات السورية مستمر، وإطلاق النار على التظاهرات، والاعتقالات التعسفية والملاحقات لم تتوقف.

وبصرف النظر عن طبيعة وفحوى قرار مجلس الأمن الدولي، فإن التمديد لبعثة المراقبين الدوليين في سوريا، وإتاحة مزيد من الوقت أمام كوفي أنان، لن يسهم في إنهاء معاناة السوريين، ولا في تلبية مطالبهم وطموحاتهم في إشادة دولة مدنية تعددية ديمقراطية، لذلك لا يعول الناشطون كثيراً على الأرض على المواقف الدولية والعربية. وهم يعلمون أن ثمن الحرية كبير، وأن الخلاص من الاستبداد المستحكم منذ أربعة عقود ليس سهلاً، ويتطلب تضحيات كبيرة وملاحم بطولية بدؤوا يسطرونها منذ أكثر من 16 شهراً.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى