صفحات الناسوليد بركسية

تمهيداً للمجزرة.. النظام يتباكى على محرومي ديرالزور/ وليد بركسية

 

 

لولا رغبة النظام السوري في التمهيد لمعركته القادمة في ديرالزور، بعد انتهاء معركته السريعة المشبوهة في مدينة تدمر الأثرية، لما بثت قناة “الإخبارية السورية” الرسمية، الثلاثاء، تقريراً تباكت فيه على أطفال ديرالزور والمحرومين والمهمشين فيها، من الفقراء الذين زادت الحرب بلاءهم، كما الحصار المزدوج الذي يفرضه النظام “و”داعش” على المدينة.

وخلال التقرير تجول مراسل القناة “الحربي”، ربيع ديبة، في البادية السورية على أطراف ديرالزور أو مكان ما في ريفها، حيث تلقى مساعدات إغاثية وغذائية بالمظلات للمدنيين المحاصرين هناك. لا تحدد القناة هوية الجهات التي تلقي المساعدات إن كانت طائرات تابعة للنظام أو طائرات روسية أو طائرات تابعة للأمم المتحدة، فالمهم في هذا السياق الدعائي بطبيعة الحال، ليس المعلومات، بل إثارة العواطف وشحنها باتجاه يجعل أي عملية عسكرية كبيرة في ديرالزور مبررة وضرورية بسبب “أهدافها الإنسانية البحتة”، مهما كانت الخسائر البشرية في صفوف المدنيين والعسكريين في جيش النظام.

للوهلة الأولى، يبدو التقرير إنسانياً ومهنياً، لكنه مع تقدم الثواني، يمتلئ تدريجياً بالبروباغندا، ليس بالصور فحسب، بل أيضاً بالكلمات المكتوبة والموسيقى العاطفية، والطريقة التوثيقية التي يصور بها ديبة التقرير وكأنه مشهد في فيلم من أفلام “دوغما” الواقعية، مع عبارات جانبية تدعي الحيادية والواقعية بالادعاء أن المقطع القصير لم تمسه أدوات المونتاج على الإطلاق! وتأتي النهاية الاستغلالية الكبرى في السطور الأخيرة التي يقدمها التقرير بالقول أن هؤلاء الأطفال يريدون أن يصبحوا جميعاً جنوداً في جيش النظام، مختصراً أحلام جيل كامل وحياة منطقة شاسعة كاملة، برغبته في التهام المزيد من الأفراد وتحويلهم إلى مشاريع عساكر، بالإكراه على الأغلب.

وبطبيعة الحال، لا يبالي النظام بحياة من ظهروا في التقرير من البسطاء الذين يجمعون بقايا المساعدات الإغاثية والكرتون والمظلات من أجل استخدامها وقوداً للتدفئة، لأنهم لا يمتلكون ثمن كمية قليلة من الحطب، وهو 200 ليرة سورية (أقل من دولار أميركي واحد). مهمة أولئك المساكين تنتهي، بنظر النظام ومعدي التقرير، مع ابتعادهم السريع عن الكاميرا التي اقتحمت خصوصيتهم واستغلت فقرهم وحياتهم البائسة بشكل بشع، من دون أن يعرفوا ربما أنه تم استغلالهم.

على أن الضخ الدعائي الذي تقدمه “الإخبارية” في تقريرها ليس الوحيد من نوعه، فمنذ بداية معركة تدمر بدأ إعلام النظام وحلفاؤه (تشرين، الميادين، ..) ضخاً موازياً بالاتجاه ذاته عبر الربط بين ديرالزور وتدمر من أجل “تحرير البادية السورية”. ويشكل تقرير “الإخبارية” الاستغلالي في هذه المعادلة أهم العناصر الدعائية، وأكثرها اكتمالاً، لكونه يلقي بالاتهامات المسبقة على الأمم المتحدة والتحالف الدولي حول المسؤولية الإنسانية والكارثة البشرية في ديرالزور وما وصلت إليه حالها بعد الثورة في البلاد وتحديداً منذ استيلاء “داعش” على أجزاء واسعة منها العام 2014.

وهكذا، يبرر النظام ما سيقوم به في المدينة أمام جمهوره المحلي الذي ضاق ذرعاً بالخسائر البشرية المتزايدة في صفوف جيش النظام القائم على التجنيد الإجباري غير المحدد بفترة زمنية محددة. ويرتبط ذلك بطول وشراسة المعركة في ديرالزور إن حصلت وما سيترتب عليها من خسائر بشرية إضافية في جيش النظام، ويعني ذلك نقمة إضافية لدى العائلات في مناطق النظام الأخرى. ويتعزز ذلك مع احتمال حدوت انهيارات سريعة لـ “داعش” في الموصل في الفترة القادمة، ما يعني انسحاب كافة مقاتليه لا نحو عاصمته في الرقة، التي بدأت فيها عمليات معقدة لتحريرها بقيادة قوات التحالف والولايات المتحدة، بل نحو دير الزور الأقرب للحدود مع العراق والتي مازالت بعيدة عن الأنظار إلى حد ما.

في السياق، يبرر النظام سلفاً أي مجازر سيرتبكها حتماً في المدينة، تجاه أولئك المدنيين الذين يدعي حمايتهم في مناطق سيطرته وأولئك الذين يعيشون تحت الحكم الظلامي لتنظيم “داعش” على حد سواء، من منطلق أن تلك التضحيات يجب أن تدفع من أجل النصر، وهو ما يظهر بوضوح في الثواني الأخيرة من التقرير. وتتشابه ذرائع النظام هنا مع ذرائعه قبيل معركة حلب التي استخدم في أحيائها الشرقية سياسة الأرض المحروقة.

وتجب الإشارة أن ادعاءات النظام بأنه ينحاز للفقراء والمهمشين أو يهتم بهم، هي كذبة لا يمكن تصديقها حتى من قبل الموالين أنفسهم الذين يتهمون حكومة النظام باتباع سياسات اقتصادية اجتماعية قائمة على الاستغلال والتمييز. لكن هذه السياسة والنظرة الدونية تجاه ديرالزور وأهلها ليست جديدة أو طارئة، بل هي سياسة بعمر النظام نفسه الذي اتبع منذ السبعينيات سياسة تهميشية تجاه ديرالزور، المدينة المنسية حتى بعد ثورتها المبكرة على النظام العام 2011. تلك السياسة رسمت سكان المدينة في إعلام النظام والدراما السورية، على أنهم بشر غير متمدنين وأناس بعيدون عن الحضارة السورية – الدمشقية، بحياتهم العشائرية وقلة تعليمهم والخدمات القليلة التي تقدم لهم من قبل الدولة، وكانت المدينة في الخيال الشعبي، نتيجة لتلك السياسة، أقرب لمنفى بعيد موحش في نهاية العالم.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى