حسان عباسصفحات مميزة

تمهيداً للمحاصصة: حسان عباس

حسان عباس

 المحاصصة هي اقتسام شيء أو أمر، بين فرقاء، حسب شروط تم الاتفاق عليها مسبقاً وثُبّتت في قانون أو عرف. وهي قد تكون عادلة كما في نظام اقتسام مياه الريّ الجارية حسب مساحات الأراضي المروية، وهو ما يسمّى في الريف بنظام “العدّان” (في القاموس: العدّان بفتح العين أو كسرها هو زمان الشيء)، وقد تفتقر إلى العدالة إذا كان الأمر المقتسم لا يقبل الاقتسام أصلا كالحقوق مثلاً. فحق الحياة أو حق التعبير أو حق الحماية الصحية… الخ، هي حقوق للأفراد، ولا يمكن أن تعطى مجموعة منهم حقاً في الحياة أكبر مما يعطى من هذا الحق لمجموعة أصغر. وأياً كان عدد أفراد المجموعات وأياً كان حجمها، يبقى لكل فرد نفس الحق لأن الحق لا يقتسم. وهذا هو جوهر المساواة في عُرف المواطنة.

في عالم السياسة تكون المحاصصة في الدولة أو بعض سلطاتها. حيث تُقتسم الرئاسات الثلاث، كما تقتسم المناصب أو عدد المقاعد البرلمانية، تبعاً لتكتيكات سلطةٍ استبدادية تتحكّم بكل آليات القيادة ومفاصلها، أو تبعاً لحجوم المكوّنات المجتمعية الطبيعية/ التحت وطنية، وليس تبعاً لمدى اقتناع المواطنين بصلاحية برنامج سياسي لحكم الدولة، وإدارة مؤسساتها. ولهذا الأمر عواقبه السيئة على نجاح الدولة في مهماتها، وعلى تمتع المواطنين بحقوقهم وخصوصاً حقهم في المشاركة في صياغة القوانين، وحقهم في اختيار شكل الحكم الذي يرغبون فيه.

وقد مورست المحاصصة السياسية في سوريا، خلال العقود الماضية، في شكل علني ومقونَن تارة، ومستتر واعتباطي تارة أخرى. ففي الشكل العلني نجد تلك المحاصصة في دستور الجبهة الوطنية التقدمية، وفي اقتسام مقاعد مجلس الشعب مثلا، بينما نجد المحاصصة المستترة في الآليات المتّبعة، وغير المعلنة، لاختيار الوزراء وأصحاب المناصب الرفيعة. لم يخف يوما على المواطنين أن هناك (كوتا) لكل مكوّن طائفي ولكل مكوّن قومي في توزيع المناصب ومواقع المسؤولية. بل حتى أن المكوّن الجنسي صارت له كوتا حيث يقرر سلفا كم عدد النساء اللواتي يجب أن يدخلن إلى مجلس الشعب أو إلى الوزارة.

واليوم، وفي خضم التخبطات التي تغرق فيها قوى المعارضات السياسية، هناك بعض القوى التي تؤسس لوضع سياسي يعتمد على المحاصصة في اقتسام كعكة السلطة في مرحلة ما بعد سقوط النظام. وهي، وإن كانت لا تعلن صراحة عن خيارها لمبدأ الاقتسام تبعاً لحجم المكونات الاجتماعية في شكل يؤدي مباشرة إلى سيادة مكون الأكثرية المجتمعية، فإنها تضع اليوم الخلفية النظرية التي ستؤول عملياً إلى الاقتسام المسبق، أي المحاصصة. وتتلخص هذه الخلفية في مقاربة المجتمع على أساس أنه تجمع لمكوّنات وليس تجمعاً لمواطنين. هذا ما نجده مثلاً في مقدمة “عهد وميثاق جماعة الإخوان المسلمين في سوريا” التي تعتبرها الجماعة “أساساً لعقد اجتماعي جديد يؤسس لعلاقة وطنية معاصرة وآمنة، بين مكونات المجتمع السوري….”. وتقرر الوثيقة مبدأ التوافق بين المكونات في منطلق الدستور وغاياته: “… دستور مدني….قائم على توافقية وطنية… يضمن التمثيل العادل لكل مكونات المجتمع”. وهذا ما يتناقض جذريا مع مبدأ المواطنة التي تعتبره الجماعة في الوثيقة ذاتها، أساسا من أسس عقدها الاجتماعي.

ليس من أهداف المواطنة مراعاة نسبة تمثيل هذا المكوّن الاجتماعي أو ذاك، إذ ما دامت الدولة تضمن مبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة في القانون وأمامه، فحقوق المواطنين مصانة سواءٌ أكانوا من أكثرية عددية أو من أقلية.

إن من تعقيدات الوضع في سوريا أن مكوناته الاجتماعية هي، مكونات تحت وطنية (ما قبل الدولة) وعابرة للدولة في الآن نفسه، حيث كل مكوّن سوري يجد امتدادات له خارج البلاد، ما يعني أن المحاصصة تشرّع أبواب الدولة أمام تدخلات الخارج لحماية حصة طرفها السوري، وهو ما سيشكل انتهاكات لا تنقطع للسيادة الوطنية.

كما لا ننسى أن المواطن المعيّن في منصبه كرمى لانتمائه إلى أحد المكونات سيبذل جل جهده لخدمة هذا المكوّن أولا، وليس الوطن، ابتغاء لمرضاته، وأنه حين سيصل منصبه سيعمل على رد الجميل إلى مكونه وليس العمل من أجل الوطن.

المحاصصة مقتل المواطنة، وإن كانت جماعة الإخوان تمهّد الأرض المعرفية لها قبل المطالبة بتحقيقها فإن تيارات أخرى تجاهر من الآن بطلب حصتها من الكعكة.

المشكلة الآن، كما يقول الروائي ممدوح عزام “هي أن المحصول ما زال على البيدر والمحاصصون يريدون التهام البيدر ومن عليه”.‎

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى