صفحات العالم

تنظيم «الدولة» مهم للأسد

 

 

«اذا سقط الاسد، سيسقط ايضا حزب الله»، هكذا قال حسن نصر الله للصحيفة اللبنانية «السفير». وعاد ليهدئ «ولكن ليس هناك إمكانية بأن يسقط الأسد». ليس من الواضح على ماذا يعتمد نصر الله بنظرته التفاؤلية هذه، فحزب الله اعلن بنفسه هذا الاسبوع عن حالة الطوارئ، وزاد من منظومة التبرعات ودعا المزيد من المقاتلين للتجنيد في صفوف الحزب استعدادا لما اسماها «المعركة الحاسمة في جبال القلمون». هذه المعركة التي تنتظر قدوم الربيع وذوبان الثلوج من على هذه الجبال المرتفعة التي تسيطر على الممرات الحدودية وخطوط الامدادات بين لبنان وسوريا والتي تسيطر جبهة النصرة حاليا على اجزاء كبيرة منها، بالاضافة إلى مليشيات إسلامية اخرى.

هدف حزب الله ليس فقط وقف زحف قوات جبهة النصرة وداعش (الدولة الإسلامية) إلى داخل المنطقة اللبنانية، بل للحفاظ على محاور خطوط الامدادات الحيوية بين دمشق وحمص، ومنها إلى مدينة اللاذقية التي ما زالت تسيطر عليها قوات النظام. على الرغم من معارك القتال السابقة ـ والتي استخدم فيها النظام كامل قوته من اجل السيطرة على مدن ومعاقل احتلها المتمردون ـ الا ان بشار الاسد يجد نفسه حاليا في قتال عنيد على محاور التنقل الحيوية والتي بدونها سوف تصبح قواته محاصرة على ايدي قوات المتمردين، ويؤدي به الامر كذلك إلى فقدان المدن التي يسيطر عليها.

هذه هي التحديات التي تواجهه بها المليشيات، والتي من الممكن تصنيفها إلى اربعة اقسام: الجيش السوري الحر، جبهة النصرة المتفرعة عن القاعدة، داعش ومليشيات إسلامية يعمل قسم منها بالتعاون مع الجيش السوري الحر وجزء آخر مع جبهة النصرة. هذه المليشيات، التي تسيطر على اغلب المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، إلى العراق والاردن، جعلت من سوريا دولة منعزلة ماديا واقتصاديا.

حركة التجارة بين سوريا ولبنان تضاءلت بصورة درامية، وكميات النفط التي تنتجها سوريا انخفضت إلى 9 آلاف برميل في اليوم (مقابل 300 الف برميل قبل الحرب)، صادرات البضائع من سوريا إلى العراق ملزمة بدفع ضرائب لداعش وكذلك البضائع التي تصل من تركيا إلى سوريا ملزمة بدفع ضرائب إلى المليشيات التي تسيطر على المعابر الحدودية.

استراتيجية السيطرة على المعابر الحدودية، التي تطبقها المليشيات، الهدف منها استكمال السيطرة على المحاور داخل الدولة من اجل قطع خطوط الامدادات التي تعتمد عليها قوات الاسد. واذا كان يبدو قبل شهر انه من الصعب ان تنجح هذه المليشيات بتطبيق هذه الاستراتيجية، الا انه مع احتلالها لمدينة إدلب وجسر الشغور التي تقع على محور رئيسي بين مدينتي حلب واللاذقية، فقد احدثت هذه المليشيات انعطافة استراتيجية في ساحة القتال. انعطافة لا تؤثر فقط بشكل درامي على معنويات المليشيات القتالية هذه فحسب، بل من شأنها ايضا ان تحدث تغييرا في سياسة الدول الخليجية والولايات المتحدة تجاه قوات المعارضة.

لقد عانت السياسة التي اتبعتها الدول الخليجية تجاه الازمة في سوريا من عدم التنسيق، وكذلك من التعارض، الذي تسبب بالمواجهة السياسية بين قطر والسعودية. ففي الوقت الذي دعمت فيه السعودية المليشيات الإسلامية غير المرتبطة بالاخوان المسلمين، وكذلك الجيش السوري الحر، فقد منحت قطر الدعم العسكري والاقتصادي للمليشيات التابعة للاخوان المسلمين وكذلك فعلت تركيا. فقبل سنتين، دعمت هاتان الدولتان هذه المليشيات، عن طريق التسليح والتدريب، بصورة تقدر فيها على هزيمة جيش النظام. الا ان الخصومات السياسية والتكتيكية بين المليشيات، ودخول داعش كعنصر فاعل في المعركة وفشل المعارضة السياسية في خلق جبهة موحدة ضد الاسد، باعد ما بين هذه المليشيات وفرق بينها، إلى مناطق احتلال خاصة بكل واحدة منها».

فعلى سبيل المثال سيطرت جبهة النصرة على ممر القنيطرة، والجيش السوري الحر سيطر على مناطق في حلب، وداعش احتلت مدينة الرقة في الشمال، والمليشيات الكردية تحولوا إلى قوة مستقلة تدافع عن الاقليم الكردي في سوريا. يبدو حاليا، وعلى ضوء الانتصارات الاخيرة للمليشيات وعلى خلفية ضعف جيش النظام التي استنفذ قدرته على تجنيد جنود جدد من بين المدنيين، سنحت فرصة جديدة لتوحيد قوات المعارضة. هكذا مثلا تحاول قطر منذ ثلاثة اسابيع إقناع قيادة جبهة النصرة بالانفصال عن القاعدة والارتباط بالجيش السوري الحر، او على الاقل بالمليشيات الدينية، مثل جيش الإسلام او الجبهة الإسلامية (اللتان تعتبران معتدلتان نسبيا)، وبذلك تحظى بالشرعية من الولايات المتحدة.

ففي حال انفصلت النصرة عن القاعدة، يصبح بإمكان الولايات المتحدة ان ترفع اسم المنظمة من قوائم منظمات الإرهاب، ولاحقا تزويد مقاتليها وكذلك ضمهم للمقاتلين الذين يتلقون تدريبات في الاردن، السعودية وتركيا. وجبهة النصرة التي ادرات حتى شهر تشرين ثاني / نوفمبر حوارا مع داعش حول امكانية توحيد قواتهما، لا تستبعد فكرة الانفصال عن القاعدة، وفي حين ان النصرة تعتمد على مقاتلين سوريين، فإن القاعدة مثل داعش تعتمد على متطوعين اجانب. وعلاوة على ذلك، فإن النصرة نسقت نشاطاتها في العديد من المرات مع مليشيات اخرى، كما انها قاتلت ضد داعش.

الا ان الجبهة الداخلية في سوريا غير منفصلة عن الغلاف السياسي الذي يضم في عضويته دولا عربية وغربية، والتي لغاية الآن نجحت في صياغة آلية مشتركة لاهداف الحرب، ولطبيعة الحل المطلوب. وبعد ان عاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التأكيد على ان الاسد هو جزء من الحل ويجب التعاون مع نظامه ومعه في حوار سياسي، فقد اوضح بالامس الملك سلمان ملك العربية السعودية ان «لا مكان ولا دور للاسد في الحل المستقبلي». وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة، التي تتمسك بسياستها الدائمة تجاه الاسد بأنه فقد شرعيته، الا انها لن تعارض اي اقتراح سياسي مناسب حتى ولو جاء من طرف روسيا او إيران.

في هذه المرحلة، تركز الولايات المتحدة على محاربة داعش، وفي الادارة الاميركية يوجد هناك من يعتقد ان الاسد من الممكن ان يكون عنصرا ايجابيا في هذه المعركة.

حاليا فقد خففت الولايات المتحدة من معدلات دعمها لمليشيات المعارضة. الا انها تمول جزء كبير من التدريبات والارشادات العسكرية لقوات المعارضة، وما زالت تعارض إقامة مناطق حظر جوي في المناطق السورية. وفي هذا المجال تتجابه الولايات المتحدة بالسياسة التركية التي تطالب باعتبار طرد الاسد هدفا مفضلا وتضع ذلك كشرط لاستعدادها الاشتراك بشكل فاعل بالحرب ضد داعش. كما تطالب تركيا ايضا بإقامة مناطق حظر جوي في المناطق السورية من اجل وقف الهجمات الجوية التي يقوم بها سلاح الجو السوري ضد تجمعات المدنيين ومعاقل المتمردين.

امام هذه القوات المتنابذة، التي احبطت لغاية الآن احتمال التوصل إلى سياسة مشتركة، عربية وغربية، يبدو ان السعودية ستكون بمثابة الالة المحركة. ففي اللقاء الذي عقد يوم امس بين رؤساء الدول الخليجية، والذي شارك فيه الرئيس الفرنسي، تركز النقاش في جزء منه على الحرب ضد داعش، والوضع في اليمن وكذلك تم بحث مستقبل سوريا. السعودية التي ملكها السابق عبد الله اجرى الصلح مع قطر، بإمكانها ان تصحح من موقف السيسي، وتشجع بالكلام فقط تشكيل جبهة عسكرية موحدة في سوريا تهدف إلى طرد الاسد. البيان الختامي لهذا اللقاء اهتم بشكل خاص بالتصريح عن انشاء علاقات طبيعية مع إيران على قاعدة عدم التدخل ( دولة في شؤون الدول الاخرى). على الرغم من الطبيعة المقتضبة لهذا البيان، والذي يأتي قبل عشرة ايام فقط من اجتماع زعماء الدول الخليجية مع الرئيس الاميركي باراك اوباما، في كامب ديفيد، الا انه يلمح كثيرا إلى تسليم الدول الخليجية مع الاتفاق النووي المتوقع مع إيران. علاوة على ذلك، يبدو انه في نيتها ايصال رسالة إلى إيران حول الموضوع السوري، التي تقول، ان الدول الخليجية وبشكل خاص السعودية، على استعداد لفحص علاقاتها مع إيران مقابل حل الازمة السورية.

ما هو الحل المطلوب من وجهة نظر هذه الدول؟ على ذلك يجيب البيان ان « يتم عقد مؤتمر في السعودية للمعارضة السورية من اجل مناقشة طبيعة مرحلة ما بعد الاسد، ولكي يتم من خلاله التأكيد على الحل السياسي، الذي يعتمد على رغبة الشعب السوري». متى ينعقد المؤتمر، الذي كان من المقرر ان ينعقد في الرياض ولكنه تأجل بسبب الخلافات في اوساط المعارضة. وكيف ستكون «مرحلة ما بعد الاسد» ؟ هل يتم اسقاطه بالقوة او بالاتفاق السياسي الذي تلعب فيه إيران دورا حاسما؟ لم يجب البيان على كل هذه التساؤلات. يبد ان جميع الاطراف ينتظرون التوقيع على الاتفاق مع إيران في نهاية شهر حزيران / يونيو القادم، والذي بعده ستحظى إيران بمكانة الدولة الشرعية. والى ذلك الحين، سوف يستمرون في سوريا في احصاء القتلى، الجرحى، واللاجئين والمهجرين، الذين يعتمدون على الخزنة الفارغة لوكالات الاغاثة التابعة للامم المتحدة او المنظمات الانسانية.

تسفي بارئيل

هآرتس 7/5/2015

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى