أنور بدرصفحات الثقافة

تهافت المثقف: خديعة الأيديولوجيا وزيف الأصالة. فايز خضّور نموذجا


أنور بدر

أسئلة كثيرة طرحت في الأشهر الأخيرة عن دور الثقافة والمثقفين في سورية على ضوء موقفهم من الحراك الثوري المستمر منذ 14 شهرا ونيف، لكنّ بعض الأسماء تُعيدك إلى جذر السؤال المتعلق بهوية المثقف وهوية الفعل الثقافي، وعلاقتهما بالمجتمع وقضايا الشعب الرئيسية من جهة، وعلاقتهما أيضا بالأيديولوجيا وتزييف الوعي والواقع أيضاً.

هذه الأسئلة وغيرها راودتني وأنا أقرأ حواراً مطولاً مع الشاعر السوري الكبير فايز خضّور، حواراً نشر على يومين متتاليين بتاريخ 14و15 أيار/ ايار/مايو المنصرم، تطرق إلى الكثير من قضايا الشعر والثقافة والسياسة، وأعترف بأن الشاعر خضور فاجأ الكثيرين بهذا الحوار المطول، بعد أن صمت دهرا..ثم نطق كفرا، كما يقول المثل، وهو الذي يشكو تجاهل الإعلام السوري له كشاعر أومثقف، يشكو خطأ الصحافة في البلاد حدّ خيانة نفسها وفق تعبيره، ويسحب هذه الخيانة وغياب المصداقية على التلفزيون أيضا حين ‘يجرون حوارات ومقابلات فيبثون الكلام الذي يريدون، أما الذي أريده فـ’يمنتجونه’، لذلك فاجأنا حين رأيناه في أول بادرة من هذا الإعلام الخائن ينسى كل تلك المقدمات ويهرول بعيدا عن الشعر ليقول لنا ما تريده هذه الصحافة في رؤيتها للحراك في سورية. فهل يكون هذا الحوار هو الثمن المقابل لمنحه جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون التي استحدثت مؤخرا وقيمتها مليون ليرة سورية، وسلمت له قبيل الحوار بإسبوعين فقط؟.

كذلك فاجأنا بتشتته وتناقض أفكاره، فإذا كان التناقض الحياد بين وعي المثقف وسلوكه اليومي سمة أغلب مثقفينا، فإننا لن نتناول هذا الجانب في شخصية خضور مكتفين بالحوار مع أفكاره التي أوردها في حديثه للوطن، هو التناقض الحاد بين مقدماته ونتائجه أو غياب المنطق الذي يفترضه القارئ فيمن ينظّر للثقافة والسياسة. كما فاجأ البعض ممن لا يعرفونه ببذاءة الكثير من الألفاظ التي لا تليق بمقام الشعر أو بمقام الثقافة عموما، حتى أني تلكأت في الكتابة أو التعليق عليه، لكنني في النهاية وجدت ضرورة التوقف مع هذا الحوار لأهمية الشاعر فايز خضور أولاً، ولأهمية الأفكار التي استطاع محاوره الزميل علي حسن أن يقوده للإفصاح عنها، وأمنح نفسي حرية تنسيق هذه الأفكار مجدداً بحيث نبدأ بالشعر والثقافة لننتهي أخيراً إلى حقل السياسة. لكنني في كل الأحوال أستميح قارئ ‘القدس العربي’ عذرا على إيراد بعض المفردات البذيئة وهي مفهومة بالصيغة التي وردت بها، كعبارات: (الديموضراطية) أو (نأكل خـ..) أو (… أخت الأضواء)، فهذه الألفاظ السوقية تنتمي للغة الشاعر فايز خضور وثقافته كما وردت في الحوار.

هذا الشاعر الذي ولد وعاش ردحا من طفولته في مدينة القامشلي، قبل أن يعود لبلدته سلمية، ومنها إلى دمشق، يبدي الكثير من الحرص على ثقافة هذه المنطقة فيقول: ‘نعم، هذه الربابة ولدت معي ولحقتني إلى دمشق وهذا الناي’.. ويتابع ‘من الخابور إلى الفرات إلى السلمية البادية التي جئتها وإذ أهم ما في الغناء السلموني هو اللالا والعتابا والشروقي والربابة والناي، فأنت تستطيع أن تقول إنني لست مولوداً في بيئة سيمفونية كما يحب أن يلبس المتفرنجون جلابيب الرقي والمدنية الذين يسمعون لبيتهوفن وتشايكوفسكي وباخ’.

وربما يكون من الجميل أن يتمسك الشاعر بمفردات بيئته الثقافية والفنية، لكننا لا نفهم إصراره على وضع هذه المفردات بالنقيض من ثقافة الآخر، حتى أنه يفصح عن موقف عدائي ممن ‘يسمعون لبيتهوفن وتشايكوفسكي وباخ’.

هذه العدائية تجاه الآخر تنتقل مع الشاعر إلى زملاء المهنة، فعندما يسأله المحاور عن جيله من الشعراء يقول: ‘نحن مباشرة استلمنا الريادة من جيل الريادة وعلى عاتقنا تابع الرواد وجودهم’. ويفسر ذلك ‘لأننا استطعنا أن نستفيد من أخطائهم وتجاوزناها بنسب متفاوتة ما بين شاعر وآخر، لأننا نملك رؤية ليست كرؤيتهم وإنما مغايرة ومتطورة عن رؤيتهم’.

وحين تحدث عن بعض الأسماء أكد عدم محبته للبياتي، بينما يعتبر السياب ‘أنه أشعر واحد في حركة الحداثة وهذا الرأي لا يعجب الكثيرين ممن يعملون في سمسرة الصهيونية- العربية’. وأعتقد أن حقوق نحت مصطلح ‘الصهيونية- العربية’ تعود بشكل حصري لفايز خضور، لكنه كمصطلح أراد الشاعر به الغمز من قناة بعض زملائه الشعراء السوريين، خاصة وأنه يضيف: ‘في لبنان عندك خليل حاوي من جيل الرواد من الشعراء المهمين.. أدونيس لفترة قصيرة جداً عندما كان يهتم بالشعر وعندما بدأ يهتم بالفكر والتنظير لم يعد شاعراً… وأنا برأيي أن أدونيس منذ منتصف الستينيات ودّع الشعر ولجأ إلى شؤون ثقافية وفكرية..’ دون أن يشير الشاعر الكبير فايز خضور إلى أي شاعر من سورية غير أدونيس الذي ودّع الشعر برأيه. متجاهلاً حتى شعراء بلدته السلمية الذين حجز بعضهم لأنفسهم مساحة في خريطة الشعر السوري بل والعربي أيضا.

بعض ما يقوله الخضّور في تفسير ذلك يعود إلى موقفه الضدي من قصيدة النثر ‘ظهور ما يسمونه قصيدة النثر أنا أسميها ‘فوضى قصيدة النثر’ حيث استسهلها الكثيرون’. ويتابع ‘في البدء كان الغناء’ وكلمة شعر تعني الغناء وأنا أفهم الشعر العربي الذي أكتبه حالياً من تلك الكلمة الأولى وتطورت وأصبحت فناً وأصبح العرب مشهورين بأنهم أهل أهم فن في العالم، لم يكن هناك يونان ولا رومان ولم تكن هناك ‘أنغلوسكسون’ فكيف حدثت الأمور وانقلبت الآية؟!…

أنا ما علاقتي بالشعر الإنكليزي والفرنسي شعرهم لهم وشعرنا لنا، لهم تراثهم ولنا تراثنا فكيف آتي بمصطلح وأفرضه على مصطلح أنا كاتبه وأنا مستلق على نهر الفرات مثلاً ما علاقة نهر السين بنهر الفرات’.

فإذا كان الشاعر يفصح بجلاء عن موقفه الضدي من قصيدة النثر مؤكداً أن ‘ما يسمى قصيدة النثر هذه ليست عربية..’ فإن هذه الضدية تنسحب على كل ما هو آخر وبشكل عام على كل ما هو ليس عربيا، وتجاه كل ما هو ليس سوريا بشكل خاص، وبداية تتجلى بموقف مضمر وعدائي من أغلب الشعراء السوريين، وهذا يعود برأينا إلى وعي حزبي ضيق يفصح عنه الشاعر في أكثر من موضع داخل الحوار عبر حديثه عن الوعي السوري والعقل السوري، فهو إذ ينتمي إلى الحزب القومي الاجتماعي السوري، ولا ضير في ذلك، إلا أنه يضمر موقفا تجاه الآخر يفضي إلى إلغائه وهذا أقوى من الرفض، فكيف إذا كان هذا الآخر من المدرسة الحزبية ذاتها لكنه خرج من عباءتها وخرج على دعواها!؟ ألا يفسر هذا موقف الشاعر من أدونيس أو تجاهله المطلق لعلي الجندي أو لمحمد الماغوط مثلاً؟.

هذه الحزبية الضيقة نهضت على وعي أيديولوجي يرفض الآخر عموما، وهو وعي غير علمي يزيف الواقع ويشوه الحقائق، دعونا ندقق في هذا المقطع من كلام خضور: ‘أنا درست، كما ترى في المكتبة الفكر السياسي العالمي كله عندي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لم أجد أفضل وأكثر منطقية وموضوعية من فكرة أن هذا الوطن السوري هو اللبنة الأساسية وأنه النبع الأساسي لكل ما يدور حوله من فكر عربي أو تقدمي.. حتى من المكتشفات الحديثة والآثار تأكدنا أنه ليس في العالم أمة إلا من سورية.. عندما كانت سورية الدولة الأولى في الكون لم يكن هناك كون، كان هناك فقط وادي النيل لم يكن أصلاً وجود لكلمة مصر فهي اسم حديث.. وكان أيضاً وادي الرافدين.. دولة سورية من سومر وبابل وأكاد وآشور تغرب معها إلى فينيقيا في الساحل السوري حتى تكتمل معك استدارة الهلال الخصيب’.

فهذا الشاعر يؤكد أنه درس الفكر السياسي العالمي كله، بدليل أنه موجود في مكتبته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكنه لم يجد في كل هذا الفكر العالمي ‘أفضل وأكثر منطقية من فكرة أن هذا الوطن السوري هو اللبنة الأساسية، وأنه النبع الأساسي لكل ما يدور حوله من فكر عربي أو تقدمي’، وحتى يقنعنا الخضور بأفضلية فكرته يضيف ‘حتى من المكتشفات الحديثة والآثار تأكدنا أنه ليس في العالم أمة إلا من سورية.. عندما كانت سورية الدولة الأولى في الكون لم يكن هناك كون’ وأخشى أن الشاعر الذي أخذته الحمية في سوريته لم يدقق كثيرا بين لفظتي الكون والعالم، لكنه عموما تعبير أيديولوجي وفكر متعصب واستعلائي وغير علمي وغير جدير بالمناقشة.

وبكل أسف هو تفكير حزبي ضيق الأفق يُصرّ الشاعر عليه ‘جغرافياً وتاريخياً أنا أؤمن بهذا الفكر وهذا لا يعني عزلي عن محيطي العربي.. لا.. عاونوني على الهلال الخصيب أكمل معكم فكرة وطنكم العربي’. والأدهى من ذلك أن هذا الفكر الحزبي السوري يتناقض وأيديولوجية البعث القومي، لكن في هذه المرحلة يبدو أن هذه العصبوية الحزبية والأيديولوجية مفيدة للطرفين معا، ويمكن أن تبرر لهذا المثقف الكثير من هفواته، كما يبرر هو للسلطة الكثير من عسفها.

وليس أدل على ذلك من دفاع الشاعر فايز خضور عن اتحاد الكتاب العرب كمؤسسة رسمية احتضنته لسنوات، فهو يعتبر موضوعة ‘المؤسسة ‘الرسمية’ و’غير الرسمية’.. هذا لعب في السياسي، ما المؤسسة الرسمية؟ هي مجموعة ناس لهم مدير.. مجموعة كائنات لها راع، فسلوك هؤلاء الناس هو ما يحدد معطى هذه المؤسسة، فعندما أقول أنا في اتحاد الكتاب العرب فهذا لا يعني أنني أصبحت رجلاً عند السلطة.. أكون رجلاً عند السلطة عندما تراني أنفذ ما تريده السلطة فقط ولا أبادر من عندي أي مبادرة شخصية’.

وهنا يحق لنا أن نسأل الشاعر خضور عن تبعية هذه المؤسسة وقراراتها للسلطة السياسية والأمنية، ونسأله أيضا لماذا لم يبادر من عنده حين فصل اتحاد الكتاب العرب الشاعر أدونيس وسواه؟ لماذا لم يبادر حين حُرم سعد الله ونوس من تقاعده النقابي؟ وحين أعتقل بعض زملائه من أعضاء الاتحاد؟ أين كانت مواقفك أو مبادراتك الشخصية بعيدا عن إرادة السلطة، بل أنك تجد من الأفضل تبرير سلوك السلطة وقيادة الاتحاد باعتباره قناعة تامة تتمثلها؟!

نعم أنت قضيت أكثر من ثلاثين عاما في الاتحاد ولم تشعر بضيق، لأنك أودعت شعورك في مستودع الأمانات، وربما أنك نسيت ان تسترد أي شيء منه. الآن تتحدث يا شاعرنا الكبير عن دولة المؤسسات ‘ولسنا دولة مضافات’ هل تستطيع أن تقنع أيا من أعضاء الاتحاد كيف استمر السيد علي عقلة عرسان رئيسا لاتحادك طيلة ثلاثة عقود من وجودك في الاتحاد؟

أنت تتحدث عن (النظام.. الحرية.. الواجب) في فعل الرقابة التي مارستها أنت وسواك وتعتبرها رسالة، وتعترف أنت أن ‘هذه رسالة قام بها الاتحاد ولا يزال، ولكن بمواصفات متراجعة جداً ومتغيرة، لهذا أقولها صراحة إن مستوى ما ينشر من عشر سنين ولغاية اليوم هو متدن ويصعب أن تجد كتاباً أو اثنين، وهذا يشمل وزارة الثقافة أيضاً كمؤسسة رسمية.. مجلة الموقف الأدبي حالياً مجلة تحتضر علماً أننا تعبنا بها من أيار 1970 لحتى اليوم، ومرّ عليها خيرة أعلام البلاد’.

وحول معادلة ‘الثقافة والسياسة’ تعبر أن ‘السياسي ملحق بالمثقف ولكن الظروف التي مرت بها البلاد جعلت المثقف ملحقاً بالسياسي.. عندما قبل المثقف أن يكون ملحقاً بالسياسي سقط في هذا التوهان والمثقف قبل غيره سقط في التوهان فاستطاع السياسي أن يهيمن على المثقف ويجعله تابعاً له يأمره وينهاه.. يسترضيه حيناً وينفيه حيناً ويفعل فيه حيناً آخر ما يشاء… هذا الخلل هو تقصير من المثقف’. في هذه المقدمة الكثير من الصواب، لكن من يتحمل مسؤولية وصول الأمر إلى هذا الحد؟ يجيب فايز خضور بأنه المثقف،لأن ‘شخصية المثقف هي التي قبلت الخضوع للسياسي’. تناقض الشاعر في إجابته يغري المحاور على الاستيضاح أكثر: من يتحمل المسؤولية أكبر في انجرار بلد ما أو أمة ما إلى تراجع؟ هل هو السياسي أم المثقف؟

الجواب: ‘الذنب يقع على عاتق المثقف أولاً مدعوماً بالبطر السلطوي الذي أوصلنا إلى هذا الهلاك.. مع أن الشاعر يضيف: بعد نكسة حزيران باتت الناس تنظر إلينا على أننا سبب النكسة ونحن يومها لم يكن لنا ‘لا ناقة ولا جمل’ في ذلك.. فجأة وجدنا أنفسنا- آنذاك- تحت أحذية العسكر’.

أنت تقول الحقيقة تماما، لكنك تنسى أن العسكر يا صديقي مستمرون حتى تاريخه، ومع ذلك يدافع أمثالك عن البقاء تحت أحذيتهم، يستمرئون المذلة، ويهاجمون الشعب الذي بدأ تمرده، عفوا أنت ترفض مصطلحات الشعب أو الجماهير ‘أنا أعتبر الجماهير كما اعتبرها غيري كوارث وليست جماهير..’ لأن هذه الجماهير عشائر متخلفة، وحده الشاعر أو المثقف غير متخلف ولا ينتمي للعشيرة ‘العشائر لا تحل قضيتي.. العشائر نوع من التخلف أنا مسؤول عنه.. مسؤول عن تنويره وتحضيره’.

سلطة المثقف عندما يفقد السلطة، فينتقل لتبرير السلطة، سلطة الرقابة وسلطة المؤسسة وسلطة القمع، حتى أنك تفخر بوضعية مفتي السلطة أو من يقدم لها النصح ‘سبق أن قلت يوماً ما لأحد الرؤساء: ‘لا تعط الحرية للكلاب لأنهم إذا لم يعضوك فسينبحون عليك’ نعم، قلتها ووصلت وعمل بها’.

العبارة واضحة، ويستطيع أي قارئ أن يحدد الرئيس المعني بنصيحتك وزمن النصيحة والمعنيين بلفظ الكلاب، وكيف قبل الرئيس نصيحتك ورفض إعطاءهم الحرية كي لا يعضوه أو ينبحوا عليه، فقتل ‘الكلاب’. هنيئا ما صنعت أيها المثقف العلماني والمتنور كما تدعي، وهنيئا بما تصنعه نصيحتك مجددا إذ تُذكرنا بها، وتفخر أنك شريك بقتل الجماهير التي تعتبرها مجرد ‘كلاب’ ياسيد العشيرة، أليس في وعيك لدور الشعب أو الجماهير التي تسميها كائنات مقدار هائل من الفوقية والوصائية التي تسمح لك بتبرير قتلهم وضميرك مرتاح!؟

يقول خضور في حواره مع ‘الوطن’ بخصوص الحرية: ‘ليس لدينا حرية تعبير نعم لأننا عشنا أكثر من نصف قرن خرجنا من الاستعمار الفرنسي إلى الانقلابات.. من الانقلابات إلى رأي الحزب الواحد هذا يعني أن هناك فرامل كثيرة في عجلات الحرية’ ولكنه يفاجئنا بانتقاله من هذه المقدمة الصحيحة إلى استنتاج غبي يرفض الحرية قائلاً: ‘الحرية والديمقراطية مصطلحات مثيرة للسخرية!’ ويضيف في تعليل استنتاجه ‘انظر إلى الديمقراطية الجديدة التي من ورائها سوف (نأكل خـ..)… نحتاج إلى 20-25 سنة أقلها حتى يهدأ الناس ويفهموا ما معنى ديمقراطية.. وما معنى أن تقول رأيك’.

أي أن غياب الحرية والديمقراطية يبرر عدم المطالبة بهما، دون أن يحدد إذا كانت تحق لنا هذه المطالبة بعد20 25، وإذا كنا حينها لن (نأكل خـ..) من وراء هذه المطالبة.

ويعود الشاعر في موقع آخر من الحوار ليؤكد موقفه الرافض للحرية والديمقراطية ‘لهذا السبب حتى على الصعيد السياسي أنا أضحك وأنكت على هذا المصطلحات والمفردات التي لا معنى لوجودها في الواقع اليومي، مثلاً الحرية والديمقراطية (وأنا أسميها الديموضراطية) وكل هذه الألفاظ التي استوردناها ونريد أن نعيش خلالها.. المعروف أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون حرية ولا يريد فلسفة ولا تنظيراً’.

لنلاحظ هذا التناقض بين عبارة ‘.. المعروف أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون حرية ولا يريد فلسفة ولا تنظيراً’ وبين مجمل الفقرة التي سبقتها، ويفتخر شاعرنا فيها بأنه ينكت على ‘المصطلحات والمفردات التي لا معنى لوجودها في الواقع اليومي مثلاً الحرية والديمقراطية، التي يسميها (الديموضراطية)’.

ويتابع خضور ‘أنا لا أستطيع أن أعطيك الحرية بأن تحمل مسدساً وأنت لا تجيد التعامل مع هذا المسدس وأنت أيضاً لا تفهم لماذا هذا المسدس بيدك أو هذه السكين فأنت لا شك ستؤذي نفسك وتؤذي غيرك’. أليس هذا المثال استبطان لخطاب السلطة الأبوي تجاه رعية جاهلة وغير راشدة، وتنتظر من يقرر رشدها وصلاحيتها لتعيش بحرية؟ أليس هذا الخطاب استبطان لعلاقات العشيرة التي يرفضها الشاعر لكنه يتمثلها في الشهيق والزفير؟ أليس في هذا الخطاب الأبوي استبطان لكل مكونات التخلف والاستبداد والهمجية التي تبرر القتل؟! لذلك كله فإن الشاعر فايز خضور لا يرى في كل ما يجري في سورية إلا مجرد بلبلة و’الذي أوصلنا إلى هذه البلبلة عدم وضوح الرؤية منذ البدء..’.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى