صفحات العالم

تواضع سوري


ساطع نور الدين

إذا لم يكن ما يفعله المعارضون السوريون هذه الايام هو تنفيذ خطة مدروسة لتشتيت نظام الرئيس بشار الأسد وإرباك اجهزته الامنية وصرفها عن قمع الشبان والشابات المتظاهرين في شوارع المدن السورية، فإنهم بمؤتمراتهم التي حطمت اعدادها ارقاماً قياسية، وصراعاتهم «الفكرية» التي تفجرت دفعة واحدة، يقدمون نموذجاً عن أداء سياسي محير، بل مريب، في لحظة تحول جوهري في تاريخ سوريا.

يقال إنها ظاهرة طبيعية وصحية في مجتمع خرج للتو من العتمة والقهر والظلم الى نور الحرية النسبية والحياة السياسية العادية، يستعيد ماضيه التقليدي السابق لجثوم البعث على صدور ابنائه، ويستحضر ريادته العربية في إنتاج الافكار والاحزاب والتيارات، وفي تحويل كل مدينة وقرية الى مقر دائم لمنتدى سياسي مفتوح وحوار لا ينتهي، بين مواطنين كانوا سباقين على الدوام في اعتبار الجدل مهنة وفي اعتبار النقاش متعة.

يقال إن تلك المؤتمرات هي مجرد خيمة يجتمع تحتها عدد من المخضرمين الذين فاتهم القطار السياسي، وهم يريدون الانتقام من النظام الذي أذلهم اكثر من مرة في سجونه، فقط بالظهور علناً لتحدي آلته القمعية والتجرؤ عليها وتفنيد خطابه السياسي الداخلي والخارجي وتقديم مشروع بديل يحمل صفة الانتقام اكثر مما يحمل فكرة الانتقال الى حقبة جديدة.

تقدير صحيح الى حد بعيد. اكتشاف الحياة السياسية الطبيعية يحتمل هذا التعدد السياسي الهائل. لكن انعقاد ثلاثة مؤتمرات علنية معارضة في وقت واحد، في نهاية الاسبوع الماضي، عدا عن اللقاءات التي انعقدت في الخفاء سواء داخل سوريا او خارجها، امر غير مفهوم البتة: مؤتمر لهيئة التنسيق الوطني لأحزاب المعارضة الداخلية في ريف دمشق، ومؤتمر نواب وشخصيات وتنظيمات مقيمة على مسافة من النظام في دمشق نفسها، ومؤتمر للاحزاب والتيارات والشخصيات العلمانية في باريس، واكبه اجتماع مشابه في برلين، وتزامن معه لقاء منافس للاحزاب والقوى الاسلامية، وسبقه لقاء في اسطنبول، يتوقع ان يليه مؤتمر في لندن وآخر في بروكسل، (ما يوضح ان التيار الاسلامي هو الاكثر سرية والاقل تماسكاً)..هذا اذا جرى استثناء الاجتماعات التي يعقدها على مدار الساعة معارضون سوريون من مختلف الانتماءات في القاهرة، التي اختيرت للاتكاء على تجربة الثورة المصرية والاستفادة منها.

والأغرب ان جميع هذه المؤتمرات من دون استثناء تبدي قدراً غريبا من التواضع عندما تعلن بلغة واحدة وأحيانا بصيغة موحدة انها لم تفجر الثورة السورية وهي لا تقودها ولا تنوي مصادرتها، بل تساعد الشبان والشابات الذين حطموا حاجز الخوف من النظام وقدموا وما زالوا يقدمون تضحيات كبيرة من اجل اسقاطه.. من دون ان يكون هناك تنظيم يجمعهم او قائد يوجههم او مشروع سياسي يحفزهم للسلطة، عدا طلب الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

لا دليل سوى القمع على ان النظام يتشتت، ولا دليل سوى السلاح على ان الشارع يضيع، ولا دليل سوى المؤتمرات على ان المعارضة موجودة.. وأن خلاص سوريا ليس وشيكاً.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى