صفحات سورية

ثغرة في جدار “الاستبداد السوري”!

 


سليمان يوسف يوسف

خسر كل من راهن على قدرة سوريا ونظامها على الصمود في وجه موجة الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي اجتاحت وتجتاح دول المنطقة وأسقطت حتى الآن بعض حكامها وبعضها الآخر في طريقه الى السقوط، والرحيل.فقد تخطى الكثير من السوريين حاجز الخوف وتظاهروا لأول مرة ضد النظام الشمولي الذي يحكمهم منذ قرابة نصف قرن،مطالبين برفع قانون الطوارئ وانهاء احتكار حزب البعث للسلطة وبالحريات السياسية وبمكافحة الفساد في البلاد.رغم لجوء السلطات الأمنية الى القوة والعنف والرصاص الحي ضد المتظاهرين والمحتجين،ثمة مؤشرات كثيرة على أن تظاهرات واحتجاجات السوريين ستستمر وستتصاعد وتيرتها وستتسع رقعتها في الأيام او الأسابيع القادمة، بعد أن سالت دماء عشرات المحتجين والمتظاهرين في أكثر من مدينة وبلدة سورية،ما لم تسارع القيادة السورية الى الاستجابة لمطالب الشعب السوري.فالقضية لم تعد بالنسبة لكثير من السوريين قضية تحسين ظروف المعيشة فحسب وانما قضية حرية وكرامة وعدالة ومساواة. بغض النظر عن سقف وماهية التغييرات والتحولات السياسية والفكرية والاجتماعية وعن البيئة التشريعية والقانونية، التي ستفرزها احتجاجات وتظاهرات السوريين،أنها فتحت “ثغرة” مهمة في جدار “الاستبداد السوري” المزمن.ربما،من المبكر تحديد الملامح النهائية للمشهد السياسي السوري الذي بدأ يهتز، بعد عقود طويلة من الاستقرار القسري، ليعاد تركيبه من جديد وفق المعطيات السياسية والاجتماعية الجديدة التي ستفرزها الاحتجاجات.لكن بات من المؤكد بأن سوريا بعد يوم 25 آذار لن تكون كما كانت ما قبل هذا التاريخ، الذي تفجرت فيه الاحتجاجات الشعبية الدامية في مدينة درعا وبلدات أخرى في منطقة حوران.وما أعلنته مستشارة الرئيس السيدة بثينة شعبان من تنازلات سياسية واقتصادية وقانونية أبرزها ” دراسة إنهاء العمل بقانون الطوارئ”، ليس سوى مقدمة لتنازلات سياسية أخرى أكثر أهمية.وبالفعل، أكدت السيدة المستشارة يوم الأحد 27 آذار بأن الحكومة قررت تجميد العمل بـ”قانون الطوارئ”- المفروض على البلاد منذ الانقلاب البعثي في آذار 1963- من غير أن تحدد تاريخ دخوله حيز التنفيذ. وهناك حديث عن عزم الرئيس بشار الأسد الغاء “المادة الثامنة” من الدستور، التي تنص على أن “حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع”.

صحيح أن هذه التنازلات تأتي في اطار مسعى النظام لاحتواء غضب الشارع وللحد من اتساع رقعة الاحتجاجات وللالتفاف على المطالب الجوهرية للشعب. لكن الصحيح أيضاً تعتبر مؤشرا واضحا على بدء تراجع النظام عما كان يعتبره حتى الأمس القريب خطوط حمراء ممنوع الاقتراب منها. يذكر، أن قبل أسابيع قليلة من التفجرات الاجتماعية في البلاد رفض أعضاء مجلس الشعب مقترح تقدم به أحد الأعضاء يقضي بتشكيل لجنة برلمانية للنظر في امكانية رفع قانون الطوارئ ولو جزئياً. معلوم أن لا دور يذكر لمجلس الشعب في ظل هذا النظام سوى الاستجابة لرغبات الطبقة السياسية الحاكمة.

سقف التنازلات السياسية التي سيقدم عليها النظام يتوقف على فاعلية وديمومة الحراك الاحتجاجي الشعبي في الشارع، الذي مازال محدوداً ولم يرتق بعد الى مرحلة “الثورة”،ثم على امكانية أن تنضم الى هذا الحراك مناطق وشرائح سورية أخرى،مثل الأكراد والآشوريين(سريان/كلدان)، الممتنعون حتى الآن عن التظاهر، رغم وقوف جميع أحزابهم في صف المعارضة وشكواهم الدائمة من أن الأكراد والآشوريين هم أكثر فئات المجتمع السوري معاناة واضطهاداً جراء السياسات الشيوفينية والعنصرية للنظام البعثي القائم.

البعض يفسر صمت الأكراد بما أشيع عن املاءات خارجية عليهم، تحديداً من زعامات كردية عراقية،وبالارتياح النسبي لدى الأكراد للاهتمام الإعلامي الذي أبدته السلطات السورية باحتفالات عيد نوروز هذا العام ومغازلة النظام لهم من خلال تهنئتهم بهذا العيد، على غير عادته بصرف النظر عن صحة ودقة هذه القراءات،أعتقد بأن ثمة أسباب وظروف موضوعية تبرر للقيادات الكردية تريثها في دعوة أنصارها للتظاهر في مدن وبلدات الجزيرة،حيث التجمعات الكردية،من دون مشاركة العرب والآشوريين والأرمن.فهم (الأكراد) سينعتون بالانفصاليين وسيتهمون بالخيانة والتآمر على البلاد، اذا ما تظاهروا منفردين.

وهناك خشية حقيقة من أن يصطدم الأكراد المنتفضون بمجموعات عربية متحسسة لا بل متشنجة كثيراً من طروحاتهم وشعاراتهم السياسية، فضلاً عن أن تظاهر الأكراد منفردين سيعطون الذريعة لبطش السلطة بهم مثلما فعلت يوم انتفضوا في آذار 2004.من غير أن ننفي مفاعيل هذه الأسباب والظروف الموضوعية على الموقف الكردي العام،أرى أن عدم استجابة الشارع الكردي حتى الآن لدعوات التظاهر والاحتجاج،خيار تبنته وآثرته الجماهير الكردية، أكثر من كونه قراراً سياسياً لقيادات وزعامات سياسية كردية تقليدية فقدت أصلاً معظم رصيدها الشعبي في المجتمع الكردي وتراجع دورها كثيراً في ضبط اقاع حركة الشارع الكردي المعروف بحيويته السياسية والثقافية. هذا ما كشفت عنه انتفاضة الأكراد في آذار 2004 حيث بدت القيادات الكردية منقادة خلف الجمهور الكردي الذي انتفض احتجاجاً على مقتل شبان كورد برصاص قوات الأمن السوري على خلفية أعمال شغب حصلت في الملعب البلدي لمدينة القامشلي. ثمة سبب آخر للصمت الكردي:الشكوك بمصداقية المواقف المعلنة للمعارضات السورية،خاصة العربية منها، من قضية وحقوق الأكراد السوريين،فضلاً عن أن الجمهور الكردي لم يجد في الشعارات السياسية المرفوعة حتى الآن من قبل السوريين المحتجين والمنتفضين ما يغريه للنزول الى الشارع والتضامن مع المحتجين.

عدم تظاهر الأكراد السوريين حتى الآن لا يعني أنهم لن يتظاهروا أبداً. أنهم سيتظاهرون بالوقت الذي يناسبهم ويخدم قضيتهم. في حين غالباً سيحافظ كل من الآشوريين والأرمن على صمتهم إزاء الاحتجاجات.اذ من المستبعد أن يكون للمجموعة الآشورية الصغيرة المنضوية في صفوف المعارضة في اطار ما يعرف بـ”اعلان دمشق” أي تأثير على الرأي العام الآشوري والمسيحي الرافض للمشاركة في أية احتجاجات ضد الحكم القائم وتحت أي ظرف،ليس خوفاً من بطش النظام فحسب وانما الخوف من أن تجر هذه الاحتجاجات البلاد الى الفوضى والفراغ السياسي والفلتان الأمني.فمثل هذه الأوضاع الشاذة لن تكون في صالح السوريين عموماً والمسيحيين خصوصاً، لأنهم (المسيحيون) رغم تعدادهم الكبير نسبياً في سوريا(أكثر من مليونين) هم الحلقة الأضعف في المجتمع.لأنهم لا يشكلون كتلة سياسية وعرقية متجانسة و متماسكة،كما هو حال الأكراد.ثم أن خروج جموع المتظاهرين والمحتجين ضد النظام من الجوامع يزيد من قلق وتوجسات الآشوريين والمسيحيين عموماً من تنامي دور ونفوذ الاسلام السياسي في تحديد المستقبل السياسي وشكل الدولة السورية ما بعد حكم حزب البعث، الذي كان، رغم مساوئه، مقبول نسبياً لجهة هامش الحريات الدينية والاجتماعية لغير المسلمين.وما يبرر مثل هذه المخاوف لدى المسيحيين ترهل وضعف المعارضة السورية التي تضم مجموعة قوى غير متجانسة فكرياً وسياسياً،ولا يجمعها سوى هدف واحد هو “إسقاط النظام القائم”.أليس أمراً يدعو للتساؤل والتأمل أن لا تطرح أية جهة سياسية، تلك الموجودة في السلطة والمعارضة،وسط كل هذه الاحتجاجات ودعوات الاصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي،تغيير المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن”دين رئيس الجمهورية الإسلام – والفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.”

أخيراً: يتطلع الكثير من السوريين الداعمين لنهج وخيار الاصلاح، أن يعلن الرئيس بشار الأسد في خطابه المرتقب للشعب السوري عن خطوات وقرارات سياسية جريئة وتاريخية تستجيب لمطالب الشعب في التغير الديمقراطي وتداول السلمي للسلطة وانهاء حالة الاستبداد في البلاد وتصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم.فمن شأن هذه الخطوات وحدها اخراج البلاد من الأزمة الحادة التي دخلت فيها وتجنيبها الانزلاق الى ما هو أخطر،من “فتنة طائفية” حذرت منها المستشارة بثينة شعبان.

سليمان يوسف يوسف… سوريا

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى