صفحات الثقافة

ثقافات الثورة إلكترونياً

 


عبده وازن

باتت أجهزة تقنية مثل الإنترنت واليوتيوب وسواهما، حاجة من حاجات المثقف العربي في هذه الأيام، فهي تكاد تكون الصلة الوحيدة التي تجمع بين أهل الثقافة وتوفّر لهم فرصة للتحاور وتبادل الأخبار ومواكبة ما يكتبون بالسر أو جهاراً. وأضحى المثقف غير الملم بهذه الأدوات التقنية مضطراً الى الإلمام بها واستخدامها، فهي الحيّز الوحيد القادر على جمع الأصوات المخنوقة أو المراقبة والمحاصرة، وعلى إتاحة المجال أمام المعارضين والمعترضين والمحتجين ليعلنوا مواقفهم التي لا ترضى عنها سلطات بلدانهم، لا سيما تلك التي تشهد حركات احتجاج شعبية وثورات.

شاهدت أخيراً على اليوتيوب لقطات سريعة ظهر فيها الشاعر والناشط الليبي الشاب ربيع شرير خاضعاً للتعذيب على أيدي عناصر من كتائب القذافي. رُمي الشاب أرضاً وانهال عليه المحققون ضرباً وركلاً (أود أن أقول رفساً) طالبين منه: «قل أنا خائن» أو «قل أنا كلب»… كان المشهد قاسياً جداً على رغم معاندة هذا الشاب. وأعتقد أنني لولا اليوتيوب لما تمكّنت، مثلي مثل سواي، من الاطلاع على فعل الاضطهاد اللاإنساني هذا.

وعلى أحد المواقع السورية الإلكترونية قرأت قبل أيام البيان «التاريخي» الذي اصدره اتحاد الكتّاب السوريين مؤازرين فيه السلطة الشرعية ومخاطبين الشعب السوري في ما يشبه لهجة «التجييش» البعثية، داعين إياه الى مواجهة المؤامرة التي تحاك ضد الوطن والأمة… ولم يأتِ البيان على ذكر الحملة «الإلكترونية» المدبرة التي تواجه الروائية سمر يزبك التي جذبها إيقاع الشارع السوري المتظاهر والمحتج فنزلت إليه وكتبت يوميات صارخة بواقعيتها. كيلت لهذه الكاتبة الجريئة بعدما كسرت «الصمت» الذي يرين على المعترك الثقافي في سورية، اتهامات كثيرة، مغرضة و «مفبركة» تشبه الاتهامات التي أطلقت سابقاً على مثقفين عرب لانحيازهم الى شعوبهم. وكم بدت مضحكة هذه الاتهامات مع أنها لم تخلُ من الخبث والإدانة والتخوين. فسمر يزبك مثلها مثل سائر الكتّاب الوطنيين المعارضين في سورية أربأ من أن تنالهم إشاعة وأنبل من أن توجه إليهم تهمة.

وعلى موقع آخر قرأت ردوداً على البيان الذي كان أصدره الشاعر البحريني قاسم حداد ومواطنه الروائي أمين صالح وعنوانه «هكذا نرى»، وفيه أعربا بوضوح عن رفضهما «التوظيف الديني، المتعصّب والمتطرف» لما يحصل في الشارع البحريني. وأعلنا أنهما لم يكونا يوماً بعيدين عن «نبض» هذا الشارع وحركته، وأنهما يؤمنان بـ «حق الشعب، بكل فئاته وطوائفه وأفراده» في المطالبة بالحرية والكرامة. ونمّ البيان، حين صدوره، غداة اندلاع التظاهرات في البحرين، عن موقف وطني، هادئ وسليم، يدعو الى الحوار والوفاق… وقد تكون قضية «أسرة الأدباء والكتّاب في البحرين» التي برزت أخيراً هي الحافز على العودة الى «بيان» حداد وصالح. و «القضية» هذه تتمثل في الدعوة الى «تطهير» هذه الأسرة من الأسماء التي ساندت التظاهرات ونزلت الى الشارع… ولعل من المعيب أن تنقسم هذه «الأسرة» على نفسها وأن يساق بعض أعضائها الى المحاكمة، مهما كانوا متعنتين في مواقفهم الاحتجاجية.

على مواقع مصرية قرأت أيضاً دعوات الى إلغاء وزارة الثقافة ومحو آثارها السلبية بعد تورطها في لعبة النظام وتحولها الى «ديكور» لأفعاله المشينة. وكتب آخرون يدعون الى «نفض» المجلس الأعلى للثقافة وإلى تجديده وفتح أبوابه أمام الجيل الشاب الذي ساهم في إسقاط ثقافة النظام. ولكن هل يسهل فعلاً التخلي عن الإنجاز الكبير الذي أحدثه جابر عصفور خلال تولّيه رئاسة المجلس الذي تمكن من جعله وزارة حقيقية للثقافة؟

وعلى موقع «أخبار الأدب» اطلعت على ملف كانت أعدته الصحيفة التي تشهد الآن حالاً من الاضطراب، حول «السجون» وقرأت فيه شهادات ونصوصاً مهمة عن السجون المصرية وسواها. ولم يكن عليّ إلا أن آخذ على معدّي هذا الملف الإشكالي تغييبهم أهمّ رواية وضعت عن السجن عربياً هي رواية «القوقعة» للكاتب السوري مصطفى خليفة. فالسجن السوري الذي رمي فيه هذا الكاتب البريء أعواماً طوالاً يفوق في قسوته ووحشيته وفظاعته سجن «الواحات» في مصر وسائر السجون الأخرى.

رُمي الكاتب – الراوي في هذا السجن جراء خطأ في الاسم، وكان خطأ جسيماً كلّفه الكثير من التعذيب والركل (الرفس) والضرب والتجويع والإذلال والسحق… ولا أدري لماذا عدت أخيراً الى هذه الرواية التي جرؤت دار الآداب اللبنانية على نشرها قبل ثلاثة أعوام، وعاودت قراءتها، متألماً كما في المرة الأولى لهذا الكاتب الذي خسر حياته مرتين، الأولى عندما أدخل هذا السجن الرهيب والثانية عندما خرج منه. وقد وقع مصطفى خليفة ضحية «علمانية» أهله الذين سمّوه مصطفى مع أنهم مسيحيون، وفاء لنذر قطعوه. سجن مصطفى خليفة بتهمة الانتماء الى حركة «الإخوان المسلمين» وعندما اكتشف رفاقه «الأصوليون» في السجن أنه نصراني ويحمل اسم مصطفى راحوا يضطهدونه بدورهم، نبذوه وعزلوه وتحاشوا الاقتراب منه خوفاً من «نجاسته»…

هذه الرواية الرهيبة ستكون إحدى علامات «أدب» السجون في اللغة العربية، مثلما سيكون السجن السوري الذي جرّده من إنسانيته، نموذجاً لأقسى السجون وأشدها هولاً، في العالم أجمع وليس في العالم العربي فحسب.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى