أيمن الشوفيصفحات المستقبل

ثلاثة أعوام على “تنسيقيات الثورة” السورية/ أيمن الشوفي

أصوات السوريين المرتعشة وهي تقــلل نصيبــهم من الخوف توجّب تصديقها مرتين. قبل أن يختطفها الرصاص بدهائه، وقبل أن تَئِدها ترتيبات «جنيف» بدهاء القوى الدولية. ثلاثةُ أعوام والنظام لا يقتنع بأن ثورةً قامت ضده. ثلاثةُ أعوام والمعارضة السورية لا تقتنع بأن «أصدقاء الشعب السوري» يعنيهم فقط تأديب الحراك العربي في آخر معاقله وتقسيم البلد وإبقائه غارقاً في الاقتتال الداخلي قدر المستطاع. وحدها تجربة شباب «التنسيقيات» في الداخل كانت الأكثر صدقاً في توثيق حكاية الثورة. حكاية الدم السوري المراق يومياً، أو النازح باتجاه المجهول، أو المعتقل، أو المنتهكة حقوقه.

ثلاثة أعوام تبدو كافية إذاً لبحث مرونة «التنسيقيات» وقدرتها على ابتكار أدوارٍ جديدة لها في مشهدٍ ملتبس معاد حسابه على أساس معاندة المجتمع الدولي لرغبة السوريين في الانتقال إلى نظامٍ ديموقراطي مدني.

قبل اعتراف الفضائيات

لا تزال صفحات «التنسيقيات» على مواقع التواصل الاجتماعي تشبه سجلاتٍ الكترونية تحفظ تاريخ الثورة وتفاصيله. تنسيقية طلاب السويداء واحدة منها، وبمقدورها أن تقيّم تجربتها بعد ثلاث سنوات: «تجربة التنسيقيات تجربة فريدة من نوعها، وشكل من أشكال التنظيم الجماهيري والسري المبتكر الذي استطاع تنظيم المتظاهرين وحشدهم ونقل أخبارهم وآرائهم ومواقفهم، والتنسيق بينهم وبين المعارضة السياسية، وهي تجربة ناجحة. لكن ربما يُحسب على بعض التنسيقيات تجيير ذلك الحشد الجماهيري لمصلحة فئة أو جهة حزبية معينة».

مثل هذا التوصيف لظهور التنسيقيات يؤسس لحديث زهير عطية (26 سنة) الذي أوقف دراسته في كلية الحقوق بجامعة دمشق منذ العام 2012، حيث يقول: «صلتي مع التنسيقيات منذ بداياتــها كانــت تجربــة مــشرقة، لأنهـا ذاتية الجهود، فقد أضاءت على حقيقة الحراك السلمي في سوريا مبكراً، وقبل أن تقتنع به معــظم الفــضائيات وتخصص له زمناً من بثّها اليومي. حينها كانت التنسيقيات توثق كل شيء، وكانت بمثابة مـصدر المعلومــات شبــه الوحيد عما يحدث في الداخل السوري، والضمير الحي للسوريين».

اتحاد تنسيقيات سوريا

ما أن انقضى شهران على بداية الحراك، حتى ظهر «اتحاد تنسيقيات سوريا»، وهو برأي ميلاد كريّم (25 سنة) المجاز من قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمشق، ترجمة حقيقية لانعدام تغطية وسائل الإعلام العربية أو الأجنبية لما يحدث في سوريا. يضيف: «هدف الاتحاد هو نقل حقيقة ما يحدث في الداخل السوري إلى العالم، وهو عبارة عن تنسيقيات موجودة في المحافظات، والتنسيقية بالأصل تتكون من عدد من الناشطين يعملون على توثيق مجريات الأحداث ومن ثم إيصالها إلى الناشطين في الخارج».

كذلك فإن تنظيم الحراك الطلابي والدعوة إليه هو من المفاصل الهامة في عمل التنسيقيات. هذه القراءة يعتمدها عماد صدقي (28 سنة) الذي يدرس الأدب الإنكليزي في جامعة حلب، ويشرحها أكثر: «التنسيقيات هي المحرك الأساسي للحراك السلمي، ولقد لعبت دوراً هاماً على صعيد الحراك الطلابي في الجامعات السورية لجهة حشد الطلاب، ولكونها تحظى باستقطاب كبير، أعتقد بأنها ستلعب دوراً مهماً في المستقبل سواء في النشاط السياسي أم الاجتماعي أم الثقافي».

80 تنسيقيّة… وأكثر

يتجاوز عدد التنسيقيات في سوريا نحو 80 تنسيقية. كما يتراوح عدد الناشطين في كل واحدة منها ما بين 50 ناشطا إلى 100 ناشط. وبالتالي نتحدث عن 8 آلاف ناشط أو أقل يديرون عمل التنسيقيات ويشرفون عليه. هذه المعطيات الرقمية يقدّمها عماد بارود (25 سنة)، وهو طالب في كلية الفنون بجامعة دمشق، ويضيف: «لقد كان حجم العمل الذي أنجزته التنسيقيات كبيراً مقارنةً مع مقدار معاناتها وقمع نشاطها المستمر وظروف عملها الرديئة، لجهة انقطاع الانترنت والاتصالات والكهرباء، وكذلك فقدت التنسيقيات عدداً من ناشطيها منذ بداية الثورة، سواء من استشهد بالقصف أو من تم اعتقاله، وبتقديري كانت تنسيقية الميدان في العام الماضي بمثابة «الدينامو» الذي حرك باقي التنسيقيات السورية. لقد كانت أشبه بالتنسيقية المركزية التي تجمع نشاط البقية».

المراقبة والرأي العام

لعل احتمالات «جنيف 2» المفتوحة على تبلور الصفقة الدولية حول مستقبل سوريا من عدمها لا تغيب عن ذهن القائمين على التنسيقيات. بل تحرّض البحث عن أدوات عمل جديدة، وتالياً البحث عن دور مختلف، وتطرح في آن إشكالية قدرة التنسيقيات على التكيف مع المستجدات، وهنا توضّح تنسيقية طلاب السويداء: «في حال بقي النظام، ستستمر التنسيقيات بممارسة دورها المعتاد بالإضافة إلى توسيع قاعدتها الشعبية والبحث عن أساليب جديدة لكشف فساد واستبداد النظام من جهة، وفضح فساد وتطرف بعض الجهات المعارضة من جهة أخرى. أما في حال لم يبقَ النظام، فإن للتنسيقيات أدوارا عديدة تقوم بها، كأن تعيد إنتاج نفسها بما يفعّل دور الشارع كرقيب خلال المرحلة الانتقالية، والسعي لإعطاء دور للشباب في إدارة شؤون البلد، والمشاركة في الشأن العام بما يخدم أهداف الثورة».

كذلك، تعتقد هلا حمرة (29 سنــة)، وهي كاتــبة ســورية، بأن التنسيقيات هي من أهم إنجازات الثورة. وتضيف: «سيكون للتنسيقيات دور مهم في المستقبل، وأنا اعتبرها رديفا مهما لوسائل الإعلام المعـروفة. إذ إن معظم وسائل الإعلام تحصل على أخبارها من التنسيقيات ومن الممكن أن تساهم هذه الأخيرة في أي مجالٍ حيوي في المستقبل، لكونها تتمتع بالمصداقية». أما في الوقت الراهن فدورها واضح في الاستمرار بنقل أخبار الثورة وتسليط الضوء على أهم الأحداث. أما بعد سقوط النظام فسيكون لها دور أكبر في توجيه الرأي العام أو انتقاد أداء الحكومة. كما أن القائمين عليها ليسوا معروفين بأسمائهم الحقيقية، وهذا يتيح لهم هامش تحركٍ أوسع، والعمل بمرونة أكبر، وكذلك فإن أي تنسيقية شذّت عن مسار الثورة قام باقي المعارضين بمحاربتها على الفور، خاصةً التنسيقيات التي بات يشوبها نَفَسٌ طائفي أو مذهبي.

انعدام الدور

من الضروري أيضاً التوقف عند رأي هيثم حرجلي (19 سنة) الطالب في المعهد الطبي بجامعة دمشق، حول الأدوار المحتملة للتنسيقيات في المرحلة القادمة. يقول: «معظمها تنقل الأخبار في الوقت الحقيقي لوقوع الحدث وكأنها شبكة إعلامية أو وكالة أنباء. لذا أرى من الطبيعي أن يكون لها دور هام في المستقبل كامتداد لدورها الإعلامي الراهن، مثل العمل في مجال التوعية الصحية والمجتمعية، وهذا لا يكلّف سوى الاتصال بشبكة الانترنت، وأعتقد أنه في حال سقوط النظام سيكون حضورها في العمل الإنساني».

لكن أحمد الكركي (27 سنة)، الطالب في هندسة الميكانيك بجامعة دير الزور يتريث في تقييم تجربة التنسيقيات ومستقبلها. يختلف مع الآراء السابقة، إذ يقول: «أعتقد أن التنسيقيات كلّها كلام فارغ لم تقدّم أو تؤخر شيئاً عما يحدث فعلياً على الأرض. لا أعتقد بأنه سيكون لها أي دور في المستقبل، والآن عملها منكب على جمع المال باسم الثورة، والمؤسف أن الإسلاميين سيطروا على الثورة لأن السوريين تركوها واعتمدوا على غيرهم في إتمامها».

(دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى