صفحات الناس

ثلاثة من عناصر داعش السابقين: لهذا انضممنا لـ «الدولة الإسلاميّة»/ محمد الخطيب

 

 

أواخر العام 2014، تمكن تنظيم «الدولة الإسلاميّة»، كما يسمّي نفسه، من فرض ذاته كقوة عسكريّة لا يستهان بها على الأرض، إذ هيمنَ على الحصة الكبرى من إجماليّ مساحة سوريا والعراق، من بين أطراف الصراع المتعددة في البلدين. ولا شكَّ أن ثمة عوامل كثيرة أدت لهذا الصعود المفاجئ والسريع للتنظيم، إلا أن قوة الجذب والموارد البشريّة المتجددة، كانت بلا شك أحد أبرز هذه العوامل.

ظلّت قدرة التنظيم على الجذب واستقطاب العناصر إلى صفوفه أمراً غريباً، غير مفهوم، ومحط سؤال دائم، لا سيما أنه لدى هؤلاء العناصر من الإخلاص لـ «الدولة» ما يجعلهم يمزقون أجسادهم أشلاءً، بكبسة زر، مقابل أن تبقى «الدولة» وتتمدد.

سمعتُ عن افتتاح «المركز السوري لمكافحة الفكر المتطرف»، بداية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهدفُ المركز واضحٌ من اسمه، لكن ما شدني إليه حقيقة هو أن عناصر سابقين من «داعش» يتلقون دروساً ومحاضرات فيه. إنها فرصة لا تفوت، فالمركز بما يحتويه من «دواعش» هو المكان الأنسب لفهم التنظيم عن قرب: ما هي الظروف التي أدت لولادته؟ وكيف استطاع جذب أنصاره وجنوده من شتى أصقاع الأرض؟ والحفاظ على ولائهم له؟

في مدينة مارع شمال حلب يقع المركزُ حديثُ التأسيس، وهو جهة مدنيّة مستقلة، كما يقول مديره حسين ناصر، الذي أشار أن هنالك مساعيَ للتعاون مع منظمات حقوقية دولية ومحليّة للإشراف على عمل المركز.

يضم المركز حالياً 24 نزيلاً هم عناصر سابقون في «داعش»، يأتون طوعاً بمفردهم، أو ترسلهم المحاكم وفصائل المعارضة بعد أن يقعوا في الأسر. ويتلقى النزلاء محاضرات في القانون والفكر والشريعة الإسلامية، لتسهيل اندماجهم في المجتمع إذا ما أُطلِقَ سراحهم لاحقاً بموجب قرار تصدره المحاكم التابعة للمعارضة. يبيتُ النزلاء في المركز ذاته، يلعبون الشطرنج، يشاهدون أفلاماً، يتلقون المحاضرات، يصلّون، ويدخنون، مخالفين قواعد صارمة كانوا يطبقونها على «الرعية»، بجلد المدخنين ومعاقبة بائعي الدخان.

طلبتُ من إدارة المركز أن التقي بثلاثة من النزلاء: سوري ومهاجر وطفل، كل واحد منهم على حدة، وكي أبعث جواً من الارتياح في نفوس الثلاثة، طلبتُ أن نكون بمفردنا، دون عناصر حراسة، أو أيّ أحد من الإدارة.

ورغم جهودي في إزالة التوتر وكسر الحواجز، فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن هؤلاء الثلاثة ليسوا أحراراً، وأن ما سيدلون به من معلومات سيكون ناقصاً، مع تركيزهم على إبداء الندم والتبرؤ من ماضيهم. بالنسبة لهم أنا لست مجرد صحفي يريد فهم ونقل الحقيقة، هذه نقطة مهمة، فهم سجناء وأنا «السلطة» أو ممثلها هنا على الأقل، مهما حاولتُ تأكيد عدم صلتي بإدارة المركز.

*****

على أيّ حال، أول من التقيت بهم، كان «أسعد»، 24 عاماً، من بلدة داعل شمال درعا. شاب ذو ذقن كثيفة وحاجبين غليظين، عيناه سوداوان كبيرتان، ذكي ومندفع، يقصّ حكايته بإسهاب، دونما تردد. وهنا أعرضها كما قالها هو، بلكنته الحورانيّة، دونما تدخل مني، وبتجرد عن موقفي من «داعش»:

«عائلتنا صغيرة نموذجية، والدي صيدلي وأمي أجنبية من أصول بريطانية، عندي أخ وأخت، كانت شغلتي بالحياة [قبل الثورة] رياضة ودراسة وأن أبني مستقبلي، وصلتُ لمرحلة جيدة في الدراسة، والفترة اللي بدي أبلش فيها هندسة إلكترون بالشام بلشت الثورة».

في أيامه الأولى بجامعة دمشق، كان قد بقي أمام أسعد 21 يوماً حتى ينتهي تأجيل خدمته الإلزامية في جيش النظام، وفي طريق عودته من دمشق اعتقله حاجزٌ للنظام، وبقي محتجزاً لأسبوع قبل أن يُطلَق سراحه، وعندها قرر البقاء في بلدته خشية الاعتقال مجدداً.

«فهون كان في البداية الحراك المسلح قليل جداً، كان في بالضيعة أربع بواريد أو خمسة، فالشباب اللي كانوا ماشيين بالحراك المسلح كانوا في بيت جيراني، وكنت أتردد عليهم.

بعد ما طلعت من السجن ورجعت لبلدي، صرت أمشي معهم [المسلحين] ودخلت بالحراك المسلح وتركت دراستي دون علم أهلي. بتعرف آني شب ويفور دمي، لما أشوف جرائم النظام وإهانته للمعتقلين، طبعاً مشينا، حررنا، تگدمنا. وفي 28 آذار 2012 تلقيت أول إصابة، بعيار ناري في أجري اليسار».

أقاطعه لأسأله عن سبب انضمامه للثوار، فيقول: «آني ملتئم من النظام، ملتئم كثير مو شوي، عندي ولاد عمي بالسجن بصيدنايا، عندي عمي تعذب أقصى التعذيب وما زال معتقل، وحالياً منقطعة أخباره. انضميت لحماية أنفسنا من بربرية النظام ووحشيته.

بالـ 2014 آني برزت، يعني اللواء الجديد الي فتت معو [لواء الكرامة] كان يشوف أعمالي ويرقيني، بعدين تحولت للجبهة الجنوبية قائد ميداني (…) بهي المرحلة كان عندي عشق لداعش شي مش طبيعي!».

كانت «الدولة الإسلامية» حينها في بداية ظهورها، ولقد شدَّت أسعد إلى درجة «العشق»، لكنه في الوقت ذاته يصفها اليوم بـ «داعش»، فهو يريد إيصال رسالة مفادها أن أسعد قد تغيّر، ولم يَعُد كمان كان.

سرُّ هذا العشق القديم كان باختصار، الإصدرات1: «كنتُ أتابعُ كل الإصدارات: جهادية، معارك، ترهيب، قتل (…) يطلعلك إصدار عم يدبح جنود النظام فتقول: خلاص لازم أصف مع هظول الناس، يطلعلك إصدار يذبح شخص بريء تقول: هظول على خطأ!

أول إصدار حضرته هو إصدار الرقة2، تبع المطار [الطبقة] طلّعت على الذبح والقتل والكذا، بالبداية ما عجبني صراحة، يعني اتطلعت هيك، هاظا إسلام؟! هاظا مو إسلام! إحنا لازم أول الناس اللي نقاتلهم الأشخاص هذول، يعني سيئين لدرجة تطلّع هيك يشوطوا بالروس، ويحرقوا وكذا.

فلاحقاً صرت أتابع إصدارتهم الدعوية، للجهاد، للدين، يجبلك آية قرآنية من هون، حديث من هون، فبلَّش فكر التنظيم يدور براسي [يحرك إصبعه بشكل دائري، ثم يتساءل] يعني معقول هظول على صح؟ والعالم كله عم يحاربهم.

فكان بفكري همّا طرفين: طرف سيء يشوّه، وطرف جيد فعلاً، بدو ينشر الإسلام، ويعزّ المسلمين، فشلون بدي ألتمس هل الشي؟ فبدي كون معهم، على أرض الواقع».

ما قاله أسعد حتى الآن، يحتاج الوقوف عنده، فهو «بداية» لم تعجبه مشاهد الذبح والقتل الجماعي، أيّ أنه لاحقاً تقبلها، وهو ما يبدو في قوله: «يطلعلك إصدار عم يدبح جنود النظام فتقول: خلاص لازم أصف مع هظول الناس».

إن القسوة المفرطة التي تظهرها «داعش» في إصداراتها، تُشبِعُ رغبات الانتقام والثأر من النظام، التي في داخل أسعد وغيره من السوريين، فـ «الدولة» لديها من القوّة والإجرام المضاد، ما يمكّنها من الانتقام والحماية من إجرام النظام.

ومن جهة أخرى، فـ «الدولة الإسلاميّة» هي الوحيدة التي أعلنت نفسها صراحة «خلافة إسلاميّة»، ألغت الحدود، ونصبت نفسها حامية للمسلمين السُنّة من أعدائهم الكُثُر.

هذا ليس أحد عوامل الجذب لدى «داعش» فحسب، وإنما سببٌ يوضّحُ سرَّ عداء أسعد الشديد، هو و«الدولة» لجبهة النصرة3، فالأخيرة تنافس «الدولة» على أحد أبرز عوامل الجذب عندها، بوصفها: «مدافعاً عن السُنّة».

«الدولة عملها العسكري أكثر، القوة أكثر، التنظيم أكثر، الإعلام أقوى، الرسالة الموجهة من الإعلام بتحرّك المخ! بتحرك مشاعر الشب. أنت بتعرف الشب دمه حامي، دمه فاير. شغلة ثانية، السلبيات الكثيرة اللي كانت موجودة عند المعارضة سواء كانوا جيش حر أو جبهة أو إلخ، في عندهم سلبيّات كثيرة، يعني ليش تخليّ أمريكا أو الموك يتحكموا فيني».

صحيح أن أسعد قد حمل السلاح مبكراً مع الثوار، وصار قائد مجموعة في الجيش الحر، لكن إحساساً بأنه «مؤقت» كان يراوده على الدوام: «ما كنت أحسّ مكاني معهم، بتعرف الجيش الحر مليء بالتجاوزات، لكن هُمَّ خياري الوحيد لقتال النظام، فكنت استنى تيجي الدولة على درعا، أو آني اروح لعندهم».

يتابع أسعد سرد قصته، مواصلاً الشرح بيديه، وبنظرات ثابتة نحوي: «كثيرين كان يعرفوا أني موالي للدولة، وهون بلشت مشكلة بيني وبين أمنيي الجبهة [النصرة]، حاولوا بأيّ طريقة يتخلصوا مني».

في تلك الأثناء، أي قبل شباط/فبراير 2016، كانت «الجبهة» وأحرار الشام الجهتين الوحيدتين اللتين تقاتلان «الدولة»، وتلاحقان الموالين لها في درعا، بينما يقف الجيش الحر على الحياد، في مفارقة معاكسة لما كان يجري في الشمال السوري.

زادت التهديدات التي تلقاها أسعد من جبهة النصرة إلى أن: «ووصلني تسربيات أنه النصرة بدها تعمل حملة اعتقال على أشخاص يشتبه بانتمائهم لداعش، فهربت لاحتمى بمناطق لواء شهداء اليرموك4».

بانضمام أسعد للواء شهداء اليرموك [التابع لداعش] في شباط/فبراير 2016، صار مبايعاً5 «الدولة الإسلامية» وزعيمها «أبو بكر البغدادي»، وشارك في ثلاث معارك ضد المعارضة، كـ «سائق لسيارات مؤازرة» حسب قوله.

يقول أسعد إنه كان يحاول تجنب قتال فصائل المعارضة، لكن قيادة اللواء كانت تضعه على الجبهات، بسبب عدم وجود أعداد كافية، فأصيب بطلقة في قدمه، أثناء تعرّض نقطة يرابط فيها لهجوم مشترك من الجيش الحر وجبهة النصرة.

«ما أطلقت النار، أولاً كنت مصاب وغير قادر على الحركة، ثانياً ما بدي أقاتل ولاد بلدي اللي كنت أقاتل معهم، بقيت محاصر شي ساعة، بعدها سحبني واحد من الشباب، وسعفني لمشفى تسيل.

ما كان عاجبني الوضع معهم، صرت أسعى عن طريقهم لأنتقل للدولة في الشمال، بفكر أنه الشمال أحسن، فهداك الوقت عزلت حالي عن الجميع، وقعدت في منزل، وبعت بارودتي، كنت أبحث عن طريقة أفلّ [أهرب] فيها.

بالفترة هذي كانت إصدارات العراق أكثر شي تأثر فيني، بيجي، كركوك، تكريت، الموصل. كان عندي عُقدة نفسية من الموصل! اللي يحاربوها الروافض».

بعد أشهر، انشقَّ أسعد عن شهداء اليرموك [المنتمي لداعش]، وعاد إلى بلدته داعل، بعد أن سبقه بالانشقاق صديقٌ له، وتلقى معاملة حسنة من الجيش الحر: «گعدت عند أهلي، بداعل، لكن أهل بلدي [أهل البلدة] 20 أو 30 شخص طلعوا عليّ بدهم يقتلوني، انتقلنا للمحكمة بدار العدل، تحاكمت ما طلع عليّ شي، ساعدتهم بإخراج أشخاص من مناطق شهداء اليرموك، وعطوني إخلاء سبيل.

بعدين گعدت ببيتي مدني مالي علاقة بأيّ شي، خلص بدي استقرّ، أبني عيلة، وأرجع لحياتي الطبيعيّة. تصالحت مع الكل، وأثبتت كذب الادعاء بأني قتلت ناس، لكن أمنيي الجبهة [النصرة] بقيوا يراقبوني ويحاولوا يشتروا ناس من أصدقائي لقتلي».

إلى الآن كان أسعد يتكلم بطلاقة، دون تردد، وبنظرة ثابتة، لكنه بدأ يرتبك عندما بدأ حديثه عن فترة انتقاله من درعا إلى تركيا: «في ساعة، قررت إني أغادر البلد [درعا]، وغادرت بالفعل، ووصلت مناطق سيطرة الدولة [الأم] عند طريق اللجاة، قرب مطار الثعلة [سيطرة النظام]، ندفع 50 أو 100 دولار للشبيحة الدروز مقابل يقطعونا إلى مناطق الدولة، هون كنت عاهدت أهلي [أمه وأباه] أني ما أحمل السلاح من جديد. من مناطق الدولة وصلت إلى إعزاز وعن طريقها طلعت لتركيا.

قعدت في ملاطيا [مدينة تركيّة تقع قرب نهر الفرات] 3 أشهر، بس ما عجبني الوضع، بلد غريب عليّ ولغة أجنبية. فأخذت قرار أن أعود لأهلي في داعل!».

بهذه البساطة قرَّرَ أسعد العودة، دون أن يعطي سبباً أو دوافع مقنعة لذلك، رغم أن حياته هناك «كانت كويسة، كنت مرتاح مادياً». ومن جهة أخرى، لم يقدم رواية مقنعة حول كيف تمكن من الدخول إلى تركيا والخروج منها، في فترة كانت تشهد الحدود التركية فيها تشديداً صارماً، بالتزامن مع عملية «درع الفرات».

كيف عدتَ إَلى سوريا؟ يتلعثم ويجيب: «من معبر باااب… آه… من جرابلس [كان المعبر مغلقاً في تلك الفترة]، بتاريخ 9 تشرين الثاني 2016 دخلت، وبطريقي إلى مدينة الباب [كانت تحت سيطرة داعش] مسكني الجيش الحر على حاجز أرشاف، وجابوني للمركز هون».

كل ما كان يشغل تفكيري أثناء حواري مع أسعد، أن أشعره بالارتياح، لأفهم وجهة نظره حول «الدولة» بصدق وعمق أكثر، لذلك أكدتُ مراراً أن قصته ستنشر تحت اسم مستعار، رغم إصراره على أن استخدم اسمه الصريح. بلا شك، فإنه كان يعاملني على أنني «محقق»، وباعتقاده أن ما سيدلي به من معلومات سيؤثر على محاكمته، لذلك فهو يظهر تبرؤاً مبالغاً فيه من ماضيه، ربما لتحسين وضعه.

وبغض النظر عن المعلومات المشكوك بصحتها التي قالها في نهاية قصته، إلا أنه قدَّمَ دوافعَ صادقةً حول انضمامه لداعش، وبالإضافة لما ذكره أسعد من أسباب، فإن عوامل أخرى قدّ تدفع السوريين أو العراقيين الذين قامت «الدولة الإسلامية» في مدنهم وقراهم للانضمام إليها، تتثمل برغبة هؤلاء بامتلاك السلطة التي تمنحها شوكة «الدولة» لعناصرها وأمرائها، إضافة إلى أن كُثراً انضموا بدافع الحصول على المال، في وقت لم يكن متاحاً لهم العمل، بعد أن تقطعت بهم سبل الحياة في مناطقهم. فيما وجدَ آخرون في «الدولة» الخيار الوحيد لحماية أرضهم وقراهم من تهديدات النظام السوري، أو ميليشيات الحشد الشعبيّ، فحكم «داعش» القاسي أفضل من التهجير أو القتل في نظر كثيرين.

*****

يملكُ المهاجرون القادمون للالتحاق بـ «الدولة الإسلاميّة» بالتأكيد إيماناً عميقاً بها، وفكرها، وأهدافها، فالمهاجر ترك عمله وعائلته، وتكبد عناء ومخاطرة رحلة الوصول إلى أراضي الدولة. الأمر ليس سهلاً مقارنةً بسوري أو عراقي، استفاق فرأى نفسه في أرضي الدولة.

اني من التقيت بهم، كان «أبو معاذ التونسي»، كما طلب مني أن أسميه، يبلغ من العمر 23 عاماً، ابن حي «الكرَمْ» في قرطاج، عائلته من خمسة أفراد، جميعهم يعملون أعمالاً حرّة، لم يجتز أحد منهم «البكلوريا»، لكن وضعهم المادي «جيّد كفاية وزيادة». أبو معاذ يعمل في تجارة السمك، وكان يستمتع بعمله.

جلس «أبو معاذ» قبالتي، ذقنه غير مكتملة، ولا تفارق الابتسامة وجهه، شاب بسيط ومتواضع، يضع قبعة مترهلة من الصوف على رأسه، لا يشرب القهوة إلا عندما أُلِحُّ عليه بالقول «تفضل».

يصف «أبو معاذ» الحياة في بلده قبل الثورة التونسيّة: «كان على عهد بن علي النظام قاسي كثير، خاصةً في أمور الدين، العالم مُغيبة كلياً، في المسجد ما يصلو إلا الشيّب [كبار السن]، يوم الجمعة الإمام ما يخطب إلا بورقة من عند المخابرات تأتي، هذي أبسط شي، تساوي لحية إلى السجن، النقاب ممنوع، منعو الحجاب عاماً [في الأماكن العامة]، شرطي يشوف امرأة يشللها الحجاب على رأسها، إيش سوو النسوان؟ يلبسو طاقيات كبيرة. هذا قبل الثورة، بعد الثورة اختلف».

لقد أنتجت الثورة التونسيّة جواً من الحريّة في البلاد، بعد أن كانت مسلوبة طيلة فترة تولى زين العابدين بن علي السلطة (1987-2011)، في عهدٍ عُرِفَ بالبطالة واعتقال المعارضين وتفاقم الفساد.

يتكلم أبو معاذ بسرعة، بلهجة تونسيّة مليئة بالكلمات الفرنسيّة، فكنتُ أطلبُ منه مراراً أن يعيد كلامه، الذي أفهمه بصعوبة: «بعد بن علي تغير الحكم كثير، طلعوا المسجونين سياسياً، حزب النهضة وحزب التحرير وغيرهم. وصارت المساجد ما تسكر أبداً حتى بالليل ما تسكر، وإيش سوو، سوو خيم دعوية.

أنا كنت قبل في تونس أكذب عليك إذا أقلّك أصلي؟ ما كنا نصلي، كنا مغيبين دينياً، إيش عنا في تونس يوفرولك الفساد [مخالفة تعاليم الإسلام]، بعد الثورة صارت عنا، إيش تنتشر الخيام الدعوية في كامل البلاد، للسلفية الجهادية، فرحت أحضر عند أنصار الشريعة6. فصار هذول طلعو من السجن ملتحين، ما كنت أشوف هذا قبل، شيء جديد. أنا صرت أذهب إلى الخيم ويوزعوا علينا قصاصات [مناشير] كيف تصلي كيف تتوضى و،يحضونا على الجهاد».

بالتزامن مع خروج السجناء السياسيين في تونس، وانتشار تيّار السلفيّة الجهاديّة في البلاد، كانت الثورة في سوريا قد اندلعت، أنزل النظام الجيش إلى المدن والبلدات، وغصّت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد إذلال الجيش للسوريين وتعذيبهم:

«وكانوا أيش الفترة هذي نشوف المقاطع تبع بشار كيف يحرق الناس، ويعذبوهم، ويسبوا الله، يقولوا قول «لا إله إلا بشار» هو يقول «لا إله إلا الله» حتى قتلوه. الناس كان يقولوا إيش لازم نصرة لأهل الشام، شفنا كثير نساء وأطفال تقول: يا مسلمين طلعوا نصرة لإخوانكم، فجئنا من المنطلق هذا».

كان «أبو معاذ» في مقتبل شبابه [20 عاماً] عندما أُشبِعَ بالفكر السفلي الجهادي الذي تلقاه في «الخيم الدعوية» لأنصار الشريعة في تونس، إلا أن الاضطهاد الذي عاشه سُنّة سوريا والعراق في تلك الفترة، والضخ الإعلامي الهائل الذي رافق ذلك، حرّك وجدانه بواجب الدفاع، و«نصرة أهل الشام».

كانت «الدولة الإسلامية» حينها في أوج تقدمها وتمددها، شعاراتها التي تعلنها بـ «الخلافة، والجهاد، والدفاع عن المسلمين» تحقق أهدافه وطموحاته، التي رَبَّته عليها «أنصار الشريعة».

«لما كنت في تونس ما أعرف ناس من الدولة [الإسلاميّة] أو أحكي معاهم، الناس اللي حكيتلك عليهم [أنصار الشريعة] هم أرسلوني إلى الدولة، لكن حقاً هم مانهم مثل الدواعش [يقصد أنهم أقل تطرفاً وتكفيراً]. أرسلونا للدواعش في اعتقادهم أنها نصرة لأهل الشام، هذا اللي نعرفه والله أعلم.

دخلت سوريا بمنتصف 2015، نزلت في مطار إسطنبول، حكيت مع «المنسق»، وفوتنا [مع مهاجرين آخرين] إلى سوريا من جرابلس».

وَصل «أبو معاذ» إلى سوريا، وبايع «الدولة»، وبعد دورة شرعيّة وعسكريّة قصيرة، جرى فرزه إلى مدينة الحسكة، حيث شنّ التنظيم في حزيران/يونيو 2015 هجوماً واسعاً عليها، ضد قوات النظام وقوات سوريا الديموقراطية.

يصف «أبو معاذ» تلك المعركة بـ «المهلكة»، ويحكي كيف كان طيران التحالف الذي تقوده واشنطن يحصد آلافاً من مقاتلي الدولة: «نحنا هين ما نعرف شو الحسكة ولا إيش صاير بالحكسة، الحسكة ولاية تصفيات، اللي ما يريدوه يبعتوه إلى الحسكة، يدزوه في المعارك. ضليت سنة في الحسكة بعدها تصوبت وجلست.

فوتونا على الحسكة من ثلاث محاور، الغزوة هذي كانت محضرة ومجهزة، تصفَّى فيها أكتر من 3500 شخص تقريب في شهر ونص. هذي أقل شي [أسأله: كيف قتلوا؟ يجيب:] طيران، مثال مقرّ نجيب فيه مؤازرات 800، تجي طيارة تقصف، بوف بوف، راح 800.

كان الطيران، إذا الطيارة تريد تضربك أنت من بين عشرة تضربك أنت، طيران شديد شديد جداً، أحكيلك عن آلاف راحوا».

أُصيبَ «أبو معاذ»، وفي فترة تلقيه العلاج، قال إنه حينها تعرّف على أخطاء ومخالفات التنظيم للشريعة الإسلاميّة، من خلال جلسات حوار كان تدور بينه وبين شخص مغربي، الأمر الذي دفعه للتنسيق من أجل الهروب.

«المرابط [في جبهات القتال] يكون مغيّب عن الواقع [منهمك في الأمور العسكريّة والقتال] أرابط ثلاثة أشهر حتى أنزل إجازة 3 أيام وأرجع، النت غير متوفر إلا بمحل [مقهى] النت، الهواتف ممنوعة على خط النار لأن الطيران يجي يقصف، فهمت كيف؟! يعطونا فقط الإصدارات من النقطة الإعلاميّة، فكنت مغيّب كلياً، لكن وقت تصوبت جلست وشفت أشياء كارثية.

الدواعش عندهم قاعدة فرعونية، إيش؟ ما أريكم إلا ما أرى. تخالفني في شي معناها أنت كافر. كان واحد معاي، واحد تونسي صفّوه، هذه مسألة من كثير مسائل صارت معي وتركنا على أساسها الدواعش.

لو تخالفهم في أيّ شيء حتى لو بسيط يكفروك، يقولولك أنت خارج على خليفة المسلمين، وأنت من الخوارج، وأنت من المرتدين، يصفّوك [يقتلوك]».

يضيء «أبو معاذ» على نقطة مهمة، وهي كيفية حفاظ «داعش» على الولاء الفكري لجنودها؟ استقطاب الجنود وحده لا يكفي، فالتغذية الفكريّة المستمرة، وإلغاء الآراء المخالفة، خطوة مهمة.

يعمل ذلك على خطين متقاطعين، الأول داخلي: فالبيعة التي يؤديها جنود الدولة، لزعميها «أبو بكر البغدادي» تعني عهداً على الطاعة التامة، الجندي لا ينازع أميره في شيء، ويطيعه في كل ما يأمره. كل من يخالف يعرّض نفسه للعقوبة، التي تصل من السجن حتى القتل بتهمة الردّة. جميع المشايخ في مناطق سيطرة الدولة يجب أن يكونوا مؤيدين لها، بينما تعتبر الإصدارات والنقاط الإعلامية للدولة وسيلة الإعلام الوحيدة المتاحة لـ «الرعيّة» والجنود على حدٍّ سواء، في ظلّ منع امتلاك الصحون الفضائية والتضييق على استخدام الإنترنت.

أما الخط الثاني، الخارجي، فلا يقل أهمية عن الأول، إنه حرب مفتوحة ضد كل علماء ومشايخ المسلمين غير المنتسبين لـ «الدولة الإسلاميّة»، فلا يجوز لجنود الدولة إطاعتهم في أي شيء، لأنهم «مرتدون» و«علماء سلطان».

لقد أفردت «داعش» إصدارين منفصلين في هذا الشأن، وهما «عُملاء لا علماء» و«فقاتلوا أئمة الكفر»، يدعو فيهما التنظيم أنصاره علانيّة إلى قتل العلماء والدعاة المخالفين له، من أمثال: مفتي المملكة السعودية الشيخ عبد العزيز آل شيخ، ومحمد العريفي، سلمان العودة، عائض القرني، الشيخ يوسف القرضاوي، والدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق، والدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر، والعراقي احمد الكبيسي… وغيرهم كثيرون.

نعود لأبي معاذ، فقد حسمَ أمره، وقرَّرَ الهروب من داعش، في فترة كان يتكبد فيها التنظيم خسائر متلاحقة في عاصمته الرقة، وباجتياز «أبي معاذ» نهر الفرات، بمساعدة «مهربين»، وصلَ مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية. هنا، ينقلب لسان «أبي معاذ»، يذهلني! يتحدث بلكنة عراقيّة وكأنه ابن الموصل، ويحكي كيف تمكن من خداع قوات سوريا الديموقراطية بأنه طالبٌ عراقي، بهوية جامعية زورها عن طريق برنامج تعديل الصور «فوتوشوب»، ومن مخيم «عين عيسى» حصل على ورقة «مغادرة» ووصل مناطق سيطرة الجيش الحر، في شمال حلب، حيث سلّم نفسه، وانتهى به المطاف، في المركز هنا.

*****

يشكِّلُ الشباب اليافعون والأطفال جزءً ملحوظاً من إجمالي قوّة «داعش» البشرية، ومن السهل خداع هؤلاء بشعارات الدين، وتربيتهم على فكر التطرف من الصغر، كما أنه ليس من السهولة تغيير معتقداتهم وأفكارهم التي تربوا عليها لاحقاً.

ثالث من التقيتُ بهم من نزلاء مركز مكافحة التطرف، كان «خليل»، هو واحدٌ من طفلين تحت سن 18 يستقبلهما المركز. هو من أبناء قرى ريف حلب الشمالي، ولد عام 2003، وانضم لداعش عندما كان في ربيعه الثالث عشر، بقي شهوراً مع «الدولة»، ثم تركها.

لخليل وجه أبيض مضيء، يحمرُّ خجلاً، عيناه بين الأسود والبني الغامق، يُظهِرُ أدباً راقياً في التعامل، يتلعثم في كلامه على الدوام، يتردد، يأكل كثيراً من الحروف، ولا يتكلم إلا بقدر السؤال.

خليل من عائلة كادحة، التعليم ليس من الأولويات عندها، خمسة أولاد، هو أصغرهم، له أخوان اثنان من الذكور وأختان من الإناث، يعاون أباه في تجارة المازوت [الديزل] منذ أن سيطرت «داعش» على بلدته في آب/أغسطس 2014:

«درست بس للتامن ووقفت. ما كان في تاسع [عندما سيطرت داعش على بلدته]، كان كله ع الأول متوسط والتاني متوسط بس، والكتب كلها نفسها، الشباب اللي كانوا معي بالصف كانوا كلهن أصغر مني، اسم أنه مدرسة بس، يحضونا كمان على الجهاد، ويفرجونا كمان مقاطع فيديو. هني يعني الدواعش كمان يجو، ويعطوا راتب للأساتذة. المدارس كانوا لاغينا مشان الطيران ما يقصف، كنا ندرس في الجامع».

بالإضافة للآلة الإعلامية ومؤسسات التربية التي كانت تولي داعش لها اهتماماً بالغاً، فإن أسباباً أخرى دفعت «خليل» للانضمام لـ «الدولة» لاحقاً، يسردها بالقول: «أنه يعني عند اللي اخوتي قتلوا عند داعش هاد الشي اللي خلاني أروح، واحد عمرو 23 سنة والتاني عمرو 20 سنة، هني كانوا مع الجيش الحر لواء التوحيد بعدها أخدت داعش الضيعة، وقالوا كل واحد كان مع الجيش الحر لازم يروح على الاستتابة، ومن الاستتابه بايعوا، بيخسلولهن دماغن.

واحد قتل هون بالريف الشمالي والتاني بعين العرب، بين الواحد والواحد سنة، [أسأله: هل تشعر أنك انضممت من أجل الثأر لدم أخوتك؟] أي يعني منها هيك ومنها كمان مع الجهاد، نية الجهاد يعني.

حتى كمان على مقاطع الفيديو اللي كانوا يفرجونا ياها، وحتى كمان من ناحية الدورات الشرعية، مثلا يقولولنا عند العصر في درس، كل يوم كل يوم. بعدها حطيت ببالي أنه هني على حق والعالم كله على باطل. [أسأله: لماذا هم على حق؟] يعني من ناحية الحكم، يعني هني عم يطبقوا الشرع. وعلى حق لأني اللي عم يدَگم [يفجر نفسه] بروح على الجنة، وفي إلنا أجر، يعني حتى كمان خلّونا نكفّر الجيش الحر، أنه هدول مرتدين عم يوالو أمريكا وتركيا».

هل كنت تقتنع بما يقوله شرعيي الدولة؟ يجيب «أي أكيد». ما هو رأي والدك ووالدتك؟ «قبل قلتله لأبوي بدي أروح [ينضم للدولة]، ما خلاني، أنا بعدين جهزت حالي ورحتلن ع مكتب الانتساب، فحصوا عيوني ودمي وانضميت».

انضمَّ خليل لداعش في الأشهر الأخيرة من 2016، وقاتل في مدينة الباب ضد الجيش الحر، وفي بلدة مسكنة ضد قوات النظام، لقد كان مؤمناً بالتنظيم لدرجة أنه كان يتمنى تفجير نفسه بعربة مفخخة.

«كان عندي نية أسجل بس ما… ما سجلت… ما صار نصيب الحمد لله».

كيف وصلتَ إلى هنا؟ هل أُسرت؟ «لا لا، انا منسّق، وانشقيت. أبوي قلي أترك، ولو ما أبوي هو اللي مأقنعني ورايح كان أنا معون هلأ، مع داعش مثلاً، يا أما قتلان، الله أعلم. طلعت والله باليل، سلاحي عفته، ركبنا بسيارة ورحنا ع المي [نهر الفرات] شقد ما اشقد، خود، وتمينا طالعين [يقصد أنه أعطى أموالاً للمهربين] وصلت عند الأكراد وتميت رايح ع الضيعة، بتت [نمت] ليلية، وسلّمت حالي جابوني لهون».

رغم كل ما شاهده «خليل» وعاناه، إلا أنه ما زال يتصرف تصرفات طفولية، يقول: «عمي، إيمت يعني دأطلع من هون؟ اشتقت لأمي كتير كتير، يعني ما خرج تتواسطلي يطالعوني؟».

أثار خليل بكلامه مشاعري، احتضنته، هو بلا شك ضحية فكر التنظيم المتطرف، مكانه في المدرسة، وليس سجيناً بين هذه الجدران. تركته عندما دارت في مخيلتي صورته، جندياً من «داعش» يحزّ السكين على رقبتي دون تردد عندما يأمره الأمير أن: اذبح هذا «المرتد» وادخل الجنة!

كانت داعش أواخر 2014 قوّة لا يستهان بها على الأرض، كما ذكرتُ في المقدمة، واليوم تغيّرت المعادلة، ويبدو «داعش» مهزوماً، فاقداً السيطرة على الأرض، عدا عدة مناطق محاصرة هنا وهناك، في الصحراء العراقية، وجنوب دير الزور، وشمال حماة، وجنوب غربي درعا.

ينصبُّ كل الاهتمام في التركيز على قتال داعش، وهزيمتها عسكرياً، مع إهمال واضح لمعالجة الأسباب والظروف التي أدت لإنتاجها وظهورها، والتي يبدو أن غالبيتها ما يزال قائماً.

  1. الإصدار: شريط فيديو تنشره المؤسسات الإعلامية التابعة لداعش، بعد معارك أو أحداث مهمة، عادةً يكون الشريط طويلاً (أكثر من 20 دقيقة)، ويحتوي على مقاطع وكلمات تحض على الانتساب للتنظيم وتتوعد أعدائه بالقتل.
  2. يحمل إصدار مطار الطبقة اسم «فشرد بهم من خلفهم»، وبما يحتويه من أناشيد جهادية تثير الحماسة، يستعرض الإصدار معركة التنظيم قبل سيطرته على المطار، ويعرض مشاهد لسوق نحو 250 جندياً من النظام بملابسهم الداخلية، قبل إعدامهم جميعاً رمياً بالرصاص.
  3. جبهة النصرة: مجموعة سلفية جهادية يقودها أبو محمد الجولاني، كانت تتبع لتنظيم القاعدة هي و«دولة العراق الإسلاميّة»، وبإعلان زعيم الأخيرة «أبو بكر البغدادي» قيام «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام»، حدث خلاف بين الطرفين حول البيعة للتنظيم الأم (القاعدة). فانشق كثيرٌ من مقاتلي النصرة وانضموا للدولة، التي أعلنت قيام الخلاقة علانية. وحدث صراعٌ بينهما مستمرٌّ إلى اليوم.
  4. لواء شهداء اليرموك: فصيل موالٍ لداعش، اندمج مع حركة المثنى في مايو/أيار 2016، مشكلاً جيش خالد بن الوليد، الذي يسيطر حالياً على نحو 15 بلدة جنوب غرب درعا، وله حدود مع الجولان المحتل والأردن.
  5. البيعة: هي العهد على الطاعة، كأن يعاهد المبايع أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره.
  6. تأسس تنظيم أنصار الشريعة في تونس في أبريل/نيسان عام 2011 بعد حوالي ثلاثة أشهر فقط من الثورة، وشهدت العلاقة بينه وبين الحكومة التي تشكلت نهاية العام التالي بقيادة حركة النهضة توتراً ملحوظاً. ومؤسس هذا التنظيم -الذي انتظم فيه آلاف المنتسبين لما يوصف بالسلفية الجهادية- هو سيف الله بن حسين والملقب بأبي عياض، وكان مسجوناً في عهد بن علي، وقاتل في أفغانستان.

موقع الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى