صفحات الناس

ثلاث حكايات سورية … ومأساة واحدة/ ماجدة موريس

 

 

ربما كانت محطة «دويتشه فيله» الألمانية، هي القناة التلفزيونية الوحيدة التي تقدم الجانب الآخر من الصورة. صورة المواطن السوري اللاجئ أو الباحث عن لجوء وتفاصيل رحلته الصعبة من الوطن الملتهب برصاص فرقاء العالم وجيوشه إلى البحث عن وطن وهوية جديدة. وليست المناسبة هنا تتمثل في برنامج حول بعض اللاجئين السوريين إلى ألمانيا، وإنما تحقيق أورد مزيداً من التفاصيل عن ثلاثة سوريين، لكل منهم قصة مختلفة، وتفاصيل حياة تقدم بذاتها حكايات متفردة رواها التحقيق الذي عرض قبل أيام على القناة المذكورة، والذي بدا أنه من إنتاج المجموعة نفسها التي تتولى صناعة تلك التحقيقات عن المواطنين الوافدين إلى ألمانيا في حالة لجوء، وأعني بها شركة الشرق الأدنى للإنتاج الفني التي كتب اسمها على تحقيقات أخرى للمحطة ذاتها التي تعد الأكثر مقدرة على التعامل السريع مع «مستجدات» الحياة الألمانية.

أبطال البرنامج الثلاثة يعيشون حالة من القلق المكاني والمستقبلي «والذي لم يُفسر للمشاهد». خاض أولهم (نضال عباس) امتحاناً صعباً من الأسئلة حول مدينته التي أتى منها «حمص» وواجهه المحقق المسؤول بعشرات الأسئلة عنها حتى يتأكد أنه لا يكذب. بينما عاش الثاني (محمد أبوطياب) حلماً تحقق بفضل إتقانه السريع الغة الألمانية واستطاع إحضار أسرته من سورية للعيش معه. فجاءت زوجته، وأطفاله الثلاثة، وأيضاً استطاع تغيير حجرته التي كان يقيم بها منتقلاً إلى منزل يتسع للأسرة. لكنّ صعوبة الحياة زادت وكان على الزوجة أن تتعلم اللغة الجديدة، وأن تعمل وأيضاً أن تحل قضية التحاق الأطفال بالمدارس.

أما الثالث (عبده) فهو صاحب الموقف الأضعف بين ثلاثتهم، تعلم الألمانية ولكنه لم يتخلص من ملامح شخصية صعبة مثل عدم سيطرته على نفسه حين يغضب وهو ما تسبب في معركة عنيفة مع آخرين في بيت اللجوء الذي يقيم فيه انتهت بطرده وإبعاده وبحثه عن مكان آخر للإقامة. ثلاثة يعرفون اللغة في «المهجر» أو «الوطن» الجديد، لكنّ «الصورة» لا تكذب، فليست اللغة كل شيءـ وإنما هم معرضون دائماً للشكوك، بدءاً من التشكك في معلوماتهم الأولى التي يسوّقونها لدخول البلد الجديد والإقامة فيه، كما يقول مفوّض شؤون اللاجئين في المنطقة غسان عابد «الواضح أنه سوري أو لبناني الأصل»، أو معرضون لاحتياجات ضخمة لن تسدها المؤسسات الداعمة لهم وإنما يحتاج الأمر لجهد شخصي كبير من اجل الاستمرار في الحياة كما في حالة محمد الذي أصبحت مشكلته بعد حضور عائلته في عدم قدرته على إعالتها، فيما أصبح نضال قلقاً من نجاحه في الاختبارات الأولى لإحدى الشركات للعمل في مرصدها العلمي. حلمه الكبير هو دراسة الطب ولكنه لا يعرف هل يمكن تحقيقه أم لا؟ تماماً كحلم محمد في حياة أفضل للأولاد الصغار. لكنّ المفاجأة الصعبة هي موافقة سلطات اللجوء على إقامته مدة ثلاث سنوات فقط، فيقول «لا أدري ماذا سوف يحدث بعدها»، بينما كانت المدة الممنوحة لنضال هي سنة واحدة فقط!.

أما عبده فأقصى أمنياته أن تتوقف الكوابيس التي تأتيه وهو نائم، وأن يُقبل طلبه للجوء إلى ألمانيا. هكذا ينتهي البرنامج الذي يتيح مساحة مهمة من المعرفة حول الجانب الآخر من القضية. فالسوريون هم أكثر الشعوب غربة الآن. وبينما تتنافس قنوات التلفزيون – بخاصة الأوروبية والأميركية المرموقة – في تقديم صورة القتال الدائر في سورية منذ سنوات ومعها أشكال الخراب للمدن والبيوت، فإن قناة «دويتشه فيلا» قدمتهم داخل مجتمع الهجرة ونقلت لنا وجهاً صارماً لبلاد لا يسير فيها المهاجر خطوة واحدة من دون مراقبة تجعله دائماً تحت المجهر. ويا له من عالم ساحق لديه كل الحلول لمن يزعجه، وإن كانوا ضحايا مأساة لا يد لهم فيها.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى