صفحات الناس

ثلاث سنوات على ذكرى المذبحة الكيماوية التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية

 

اليوم المجلل بالعار ورعاته وعالمه/ ياسين الحاج صالح
في ذكرى المذبحة الكيماوية قبل ثلاث سنوات، تتكلم هذه المقالة على كيماويي المذبحة، وعلى كيماويي الصفقة، وتظهر التماثل بين الكيماويين، والصفة السورية لعالم اليوم.

لم يكد ينقضي أسبوعان على سقوط 1466 شهيداً في المذبحة الكيماوية فجر يوم 21 آب 2013، حتى وقعت مذبحة أخرى مهولة، ورميت جثث ضحاياها الثلاث إلى جانب مقابر الشهداء الجماعية لتُسمِّم حياة السوريين وفرص بلدهم في الحياة، وتُسمِّم العالم كله اليوم: جثة الحقيقة وجثة العدالة وجثة السياسة.
جثة الحقيقة
كانت البداية قتل الحقيقة ودفنها. النظام أنكر فعلته، رغم احتفاء الموالين له بالمذبحة، وتوزيعهم البقلاوة ابتهاجاً. بعض عُتاة الفاشيين من السوريين البيض تكلموا عن بخِّ الغوطة بالبيفباف (مبيد صراصير). أما مستشارة بشار، المناضلة الطائفية الباسلة بثينة شعبان، فلم تكتف بأن «الإرهابيين» (كل من يصادف أنه يقاوم الدولة الأسدية) هم من استخدموا السلاح الكيماوي، بل إن الضحايا هم أطفال من الساحل، وقصدها دون جدال أنهم علويون، خُطفوا من هناك وقتلوا بالغازات السامة في الغوطة، من أجل اتهام النظام. وكانت الواقعة الأغرب أن الأمم المتحدة استجابت للطلب الروسي بعدم ذكر الجهة الجانية في تقرير بعثة دولية حققت في… لا، ليس المذبحة، بل في استخدام السلاح الكيماوي.
كان اقتصار ولاية البعثة الدولية على تأكيد استخدام السلاح الكيماوي، كأن الأمر كان بحاجة إلى إثبات، واقعة خارقة في خِسِّتها، لا يزيدها إلا خسةً أن الدولة التي أصرت على هذا التقييد، روسيا، كانت ولا تزال تنفي المسؤولية عن الأسديين. وتكشفُ الواقعةُ التي جرت بإشراف الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى أن العالم فاسد من رأسه، وأننا حيال نظام دولي أراد بكل وضوح أن يكذب على نفسه وعلى المليارات السبعة في الكوكب من أجل أن يرفع الحرج الأخلاقي عنه في حماية قاتل عام نادر المثال.
وأسهم صنف من المعارضين، في هيئة التنسيق، في الترويج الإجرامي لمسؤولية مقاومي الدولة الأسدية، وتطوع صالح مسلم، وكان في الهيئة نفسها، لاتهام معارضي الدولة الأسدية بقتل أنفسهم. ولم يراجع أي من شهود الزور هؤلاء موقفهم خلال ثلاث سنوات.
وانضم صنف من معارضي المؤسسة الغربية إلى الجوقة، وأمكن لسايمور هيرش أن يكتب تحقيقاً مطولاً في LRB (مجلة لندن لمراجعة الكتب) عن ضلوع تركيا و«جبهة النصرة» في استخدام السلاح الكمياوي.
ولم يُسأل أحدٌ أهالي الغوطة، وهي منطقة عامرة بالسكان وقتها واليوم، ولم يحاول أحدٌ الاتصال بهم للسؤال عما إذا كانوا يشتبهون بمسؤولية أحدٍ غير النظام، أو ما إذا كانوا قد لاحظوا تحركات مريبة قبيل المذبحة. لم يكن ذلك سهواً عارضاً أو حتى تقصيراً مهنياً غير مقبول، إنه متأصل في مسلك راسخ، ينكر على المحليين تمثيل أنفسهم وقول الحق في شؤون حياتهم وموتهم. الصحفي أو الباحث الغربي الذي يجيد تغليف الكلام الركيك أو الكاذب بأغلفة لمّاعة، والعديم الحس غالباً، هو مالك الكلام وسيّده، وليس الضحايا وشركاهم من مواطنيهم. وإنما لذلك هذا المسلك مستمر، والنظام المعلوماتي الدولي شريك في الجريمة.
لقد أسهمت الهيئات والقوى المذكورة كلها في اغتيال الحقيقة، وفي رمي جثتها إلى جانب المقابر الجماعية لشهداء المذبحة.
في اليوم التالي للمذبحة نشر «مركز توثيق الانتهاكات»، بإشراف المناضلة الفذة رزان زيتونة ومساعدة ناشطين على الأرض، تقريراً وافياً عن الجريمة، أتبعه بعد أيام قليلة بتقرير آخر، وكان سبق التقريرين أكثر من تقرير للمركز عن هجمات بالغازات السامة. ولم يكن لدى أي كان ذرة شك في أن النظام هو المرتكب. ومع رزان، كانت هناك سميرة الخليل أيضاً، المناضلة والمعتقلة السابقة، وهي دونت ونشرت مشاهداتها اليومية في وقته على صفحتها على فيسبوك، وإشاراتها لا ترتاب قط في مسؤولية غير الدولة الأسدية.
ولعل شهادة رزان وسميرة من أرض المذبحة تكون سببَ أو أحد أسبابِ تغييبهن بعد ثلاثة أشهر من الصفقة الكمياوية، وعلى يد تشكيل سلفي موالٍ للسعودية، رفّع نفسه بعد المذبحة بشهر واحد إلى رتبة جيش. رزان تلقت تهديداً بالقتل بعد المذبحة بشهر ونيف من شخص معروف بالاسم وبتحريض من شخص معروف بالاسم (الشرعي الحالي لـ «جيش الإسلام»)، وسميرة جرى التحريض ضدها من قبل أشخاص معروفين بالاسم، وإن لم تكن كل روابطهم معروفة لنا بعد.
جثة العدالة
ليس فقط لم تُعاقب دولة الأسديين على جريمتها، بل هي أُعطيت رخصة للاستمرار بالقتل بأسلحتها الأخرى، أي الاستمرار في معاقبة السورين الثائرين عليها، وبكفالة دولية تامة لحصانتها هذه المرة. كانت البراميل استمراراً للسلاح الكيماوي، بأداة قتل أشد فتكاً وأشد تدميراً للعمران والبيئة الحية.
ولم تكن مشكلة كبار الفاعلين الدوليين في أي وقت المذبحة بحد ذاتها، بل السلاح الذي استخدم في قتل الناس. بعبارة أخرى، لم تكن المشكلة انتهاك حق السوريين في الحياة، بل انتهاك قانون سنَّه الأقوياء في وقت سابق بغرض حماية بعضهم من بعضهم. أي حماية الأقوياء.
ويكثف سلوك القوى الكبرى والمنظمات الدولية حيال المذبحة منهجاً مقرراً سابقاً في التعامل مع قضايانا، ومنها القضية السورية بعد القضية الفلسطينية، منهجاً يُهمش قضايا العدالة والحرية والديموقراطية، ويُبطنه إنكار الولاية السياسية والجدارة الأخلاقية للسوريين والفلسطيينين وغيرهم. وينحاز هذا المنهج المتأصل إلى أطقم الحكم المنضبطة أمام الأقوياء، والقادرة على ضبط الضعفاء الواقعين تحت حكمها. هنا أيضاً ليس هناك سهو أو سوء تقدير، الأمر ينبثق من صميم بنى السيطرة الدولية في إقليم «الشرق الأوسط»، وما يتصل بها من تمثيلات لسكانه، تردهم إلى «الثقافة» أو «الذهنيات»، أو باختصار إلى «الإسلام». وهو منهج يقود أصحابه إلى الانحياز إلى «الدول» ضد أصحاب الرؤوس المعطوبة لعموم المحكومين، وإن مع الحرص على تجريد تلك الدول من سيادتها وقدرتها على لعب دور مستقل في الساحة الدولية مقابل حماية حكمها.
وبما أن الصفقة جرت بتوافق على مستوى القمة الدولية وتسليم من الأمم المتحدة، فالاستخلاص المنطقي من ذلك هو، بكل بساطة، أنه لا عدالة في العالم الذي تديره هذه القمة، وأن من لا يستطيع أن يأخذ حقه بذراعه سيُداس ويُسحق، ليس دون أن يكون له نصير فقط، وإنما حتى دون وصف حالته أو الشهادة على ما يجري له.
تركت الصفقة الكيماوية السوريين مكشوفين تماماً، بل مستحقين للمزيد من المذابح والتدمير، بفعل الاستحواذ المفرط لداعش على الأذهان، وقد تعبت على خلقه وسائل الإعلام الغربية وعملت كالكورس على تغذيته ليل نهار، مزيحة إلى الظلام ما يجري للسوريين على يد الأسديين وأسيادهم. ولم تهدأ تلك الحملة إلا منذ شهور، ربما مع إدراكها أنها كانت تقوم بدعاية مجانية لكيان «دولة الإسلام» الاستعماري الفاشي. فإذا صح هذا التقدير، ويحتاج الأمر إلى دراسة مدققة، فهو يعطي فكرة بالغة السوء عن كبريات المؤسسات الإعلامية في الغرب، وعن حال الديموقراطية أيضاً، في الغرب قبل غيره. ويظهر هذا المسلك ارتباط اغتيال العدالة باغتيال الحقيقة، أو وجوب التخلص من الرواية الأمينة للحقيقة لتسهيل الإجهاز على العدالة. وهذا ارتباط نعلمه جيداً في سورية. كان قتل الحقيقة، ونشر الأكاذيب، مدخلَ البعثيين، والأسديين بخاصة، إلى حرمان السوريين من العدالة، ومن السياسة.
جثة السياسة
كانت المذبحة الكيماوية والغضب الدولي الذي أعقبها فرصة لحل سياسي أقرب إلى العدالة في سورية، يفرض انعطافاً جوهرياً في تكوين النظام السياسي، بما يتيح بناء أكثرية سورية جديدة، ويستجيب لتطلعات السوريين التي كانوا عبروا عنها طوال نحو عامين ونصف وقتها. يستجيب أيضاً للغرائز السياسية للقوى النافذة التي رفضت دعم المقاومين السوريين عسكرياً لأنها تؤيد… «الحل السياسي».
كان المناخ العالمي مهيئاً بأنسب صورة للدفع نحو تغير أساسي في سورية، لكن لم يكن هذا ما يريده الروس، ولا الأميركيون، ولا الإسرائيليون الذي نزل من طرفهم الوحي الخاص بالصفقة الكيماوية. ما جرى طوال ثلاث سنوات منذ تلك الأسابيع المخزية هو العكس، هو توفير كل الشروط الملائمة للحيلولة دون قبول الأسديين وأسيادهم بحل سياسي ينهي المحنة الوطنية المتمادية.
ويكفي أن نلاحظ أن الصفقة كانت حلاً لمشكلة استخدام السلاح الكيماوي، وليس اعتراضاً على المذبحة التي استُخدم فيها السلاح، أو حلاً لمشكلة قتل السوريين الذين كان سقط منهم حتى ذلك الحين نحو 100 ألف، يكفي أن نلاحظ ذلك حتى نرى أن المشكلة التي حُلَّت تعني إسرائيل وتعني أميركا، وتعني روسيا، لكنها ليست بحالٍ مشكلة السوريين.
كانت الصفقة الكيماوية التي أنكرت مطالب السوريين السياسية وكفاحهم، استئنافاً لمنهج الدولة الأسدية في تجريد السوريين من السياسية وإنكار حقوقهم في بلدهم. من وجهة نظر السوري العام، المتطلع إلى العدالة والكرامة في بلده، ليس هناك فرق بين الأطراف التي رتبت الصفقة وبين الدولة الأسدية. ما قاله لنا كيماويو الصفقة هو ذاته ما كان قاله كيماويو المذبحة: أنتم خارج السياسة، ليس لكم أن تمتلكوا السياسة؛ أنتم تواجهون بالحرب فقط!
وعلى هذا النحو رُميَت جثة السياسة فوق جثتي الحقيقة والعدالة، ما سهل للدولة الأسدية وشركاها الاستمرار في مشروع القتل وصولاً إلى نحو نصف مليون من الضحايا اليوم، ومع أفق مفتوح للقتل لا يبدو مقبلاً على انطواء قريب.
وليست مؤتمرات جنيف المتتابعة غير استمرار للصفقة الكيماوية، إن من حيث أن راعيي المؤتمر هما راعيي الصفقة المشينة نفسها، أو من حيث أنهما لا يمتنعان عن أي ضغط على الدولة الأسدية فحسب، بل إن أحد الراعيين، روسيا، هو قائد جهدها الحربي اليوم، ومن حيث أن النظام ورعاته لم يقولوا يوماً أنهم مستعدون لإعطاء الثائرين على النظام أي شيء على الإطلاق، أو تحقيق أدنى تقدم نحو طي صفحة النظام الأقلي، أو من حيث التأكيد على انسحاب القوات الأجنبية الكامل من الأراضي السورية كهدف لـ «عملية السلام» إلى جانب التغير السياسي، أو مجرد التعهد بتوصيل الطعام والدواء لسكان المناطق المحاصرة، دع عنك فك الحصار، ودع عنك إخلاء السجون الأسدية، التي لا نظير لها في عالم اليوم، من نزلائها المناكيد.
عملية جنيف ضمن هذه الشروط جهد دولي، يراد منه أن يدمر السوريون قضيتهم بأيديهم بعد أن جرى تدمير بلدهم وحيوات ما لا يحصى منهم بأيدي الأسديين وأسيادهم ورعاتهم.
عار العالم عارياً
وما يذهل في قصة القتل المعلن هذه هو الصفاقة الخارقة في كل حال. صفاقة في الكذب والتضليل وفي وأد الحقيقة، صفاقة في حماية القاتل العام وفي اغتيال العدالة، وصفاقة في حماية الحرب وضمان استمرارها، وتسهيل عمل المعتدين الإيرانيين والروس وأتباعهم، أي في قتل السياسة. عالم اليوم عارٍ جداً في عاره.
لكل ما سبق، كانت الصفقة الكيماوية الأميركية الروسية مذبحة أشد هولاً حتى من المذبحة الكيماوية، لأن الحقيقة والعدالة والسياسة هي ما تحمي حياة الناس، فإذا هي قتلت لم يبق لحياة الناس أي قيمة أو حرمة، وصار قتلهم مباحاً، وربما مرغوباً. وهو ما تحقق بالفعل على نطاق واسع في بلدنا طوال السنوات الثلاث الماضية، وبرعاية عالمية بعد أن كان يجري طوال أكثر من أربعين عاماً برعاية أقل عالمية.
وإنما لذلك، منذ ذلك اليوم المشين لم يعد الأمر يتعلق بسورية، بل بالعالم. العالم الذي يحمل ثلاث جثث ونصف مليون جثة في روحه هو عالم مسموم، نرى أعراض تسممه في صعود تيارات يمينية وفاشية، وفي تآكل الديموقراطية في كل مكان، وفي تدهور تيارات التحرر والتجدد والأمل. القضية السورية قضية عالمية أكثر من أي قضية في عالم اليوم، وهي مؤهلة لأن تكون مفصلاً في مسارات العالم السياسية والفكرية والأخلاقية في العقود المقبلة.
ولأن العالم قضيتنا، يتعين علينا نحن السوريون أن نعمل بدأب على إظهار سوريّة العالم، وعالمية قضيتنا السورية. وأول ما نفعله من أجل ذلك هو أن نجعل المذبحة الكيماوية، والصفقة الكيماوية التي تلتها، وقائع سورية وعالمية لا تُنسى، وأن نجلل بالعار أبطالها وشهود الزور عليها، في سورية وفي العالم.
موقع الجمهورية

 

البحث عن “الأحبة”/ رزان زيتونـة

دمشق ـ الغوطة ـ 23 آب 2013

بين وجوه المقابر الجماعية الأجساد صفت إلى جانب بعضها البعض في الردهات الطويلة المعتمة. (أ.ف.ب.) أحاول استرجاع تفاصيل ذلك اليوم ببطء شديد علّي أنفجر بالصراخ والنواح كما يفترض بشخص “طبيعي” أن يفعل. يرعبني الخدر الذي أحسه في صدري والضباب الذي يلف الصور المتلاحقة في ذهني. ليس هكذا تكون ردة الفعل بعد نهار حافل بالتعثر بالأجساد التي صفت إلى جانب بعضها البعض في الردهات الطويلة المعتمة.
لفت بالأكفان البيضاء أو البطانيات القديمة، لا يظهر منها إلا وجوه مزرقّة ورغوة جمدت على زوايا الأفواه، وأحياناً خيط من الدماء يختلط بالزبد. على الجبين أو على الكفن، كتب رقم، أو اسم، أو كلمة “مجهول”. في كل نقطة طبية على امتداد بلدات الغوطة التي استقبلت الشهداء والمصابين، الحكايات نفسها تتكرر والصور نفسها. وجوه من بقي صامداً من المسعفين الذين لم ينج معظمهم من التأثر بالغازات السامة. يروون مرة تلو الأخرى، كيف قاموا بخلع الأبواب ودخول المنازل ليجدوا الأطفال نائمين في أسرّتهم بهدوء وسكينة لن يستيقظوا منها أبداً. معظم الأطفال ماتوا وهم يحلمون. قليل منهم وصل للنقاط الطبية وتمكنوا من إسعافه. الرحيل الجماعي للعائلات هو الصورة الأكثر إلحاحاً. الأم والأب وأطفالهما. نقلوا من أسرَتهم إلى قبور جماعية ضمت رفاتهم. في إحدى مقابر زملكا، كان الأب يقف على قبر طويل يبدو بلا نهاية. هنا دفنت زوجته وطفله. وإلى جانبهما عائلة فلان، وعائلة فلان. وفكرت، إن كان بينه وبين نفسه يحسد العائلات التي ذهبت بجميع أفرادها إلى تلك القبور الضيقة ولم تترك وراءها من يعيش ألم الفقد. ولا تزال أصوات الاشتباكات قريبة جداً وعلى أشُدّها. ولا أحد من الحاضرين يكترث، وهم منهمكون في الحفر وإهالة التراب على الأحبة. مشرف الدفن يشرح كيف تتلاصق الجثامين التي بلغ تعدادها 140 في هذه المقبرة الصغيرة. صوّر صوًر، يقول. هنا آل فلان، ويقوم بتعداد أسماء أفراد العائلة، وهنا آل فلان.. ونحن ننظر وكأننا يجب أن نرى العائلة ونلقي التحية على الوالدين ونداعب الأطفال، لكننا لا نرى إلا تراباً غير مستوٍ وبضعة أغصان جافة من نبات الآس رميت فوقه كيفما اتُّفق. في ردهات تجميع الجثامين في كل بلدة، تجمع الأهالي للبحث عن أبنائهم. تدخل سيدة مسنة وهي تتوسل للموجودين أن يرشدوها إلى جثمان أبنائها واخوتها إن كانوا قد استشهدوا. يساعدها الشبان في رفع الغطاء عن وجوه صف الشهداء المجهولين الذين ينتظرون من يتعرف إليهم. شهيداً تلو الآخر تمر عليهم. تشهق لدى رؤية أحدهم، ثم تتمالك نفسها وتقول ليس هو. تنتهي من البحث، وتنطق بالحمد بصوتها المتهدج لأن احتمالات موت أحبتها قلت بمعدل نقطة طبية واحدة. في الأغلبية العظمى من الحالات، تفرق أفراد العائلة بين النقاط الطبية على امتداد الغوطة. ومن شفي منهم واستعاد قواه، بدأ رحلة البحث عن عائلته من بلدة إلى بلدة. كان الجميع غاضبين، بالكاد يتمالكون أنفسهم قبل أن ينهاروا بالبكاء. كلما فشلوا في العثور على أحبتهم في الردهات بين المصابين والشهداء، أو في قوائم الأسماء التي تمكن الإداريون من تسجيلها. حال المصابين ليس بأفضل كثيرا، خاصة الأطفال. بمجرد التوجه بكلمة للطفل يقلب شفتيه الصغيرتين ويحاول كبت صوت بكائه وكأننا سنعاقبه إن جاهر بقهره ولعن العالم بمن فيه. يبدأ بالسؤال عن والديه ولا أحد يملك الجواب. لا أحد يقوى على الجواب. لا أحد أصلا يستوعب كل مايحصل فعلا. هذه بلاد العجائب والصدف التي لا يفترض أن تحصل بشكل متواتر وتنقل إلى اعتياد. إلى جانب إحدى النقاط الطبية وقف شخص وهو يبكي ويلوح بيديه. قال أنه أنقذ ثلاث سيدات إلى المشفى، في الطريق وبسبب الاستعجال والارتباك دهس شخصا فقتله، وعندما وصل إلى المشفى ركن شاحنته الصغيرة أمامها بانتظار أن يبت بأمره بخصوص الشخص الذي دهس، وبعد دقائق غارت طائرة الميغ واختارت تلك النقطة بالذات التي تقف فيها الشاحنة فأحالتها ركاما! من يمكن أن تحصل معه أحداث مماثلة خلال ساعات قليلة من حياته ويبقى على إيمانه بأن الدنيا ليست على أبواب القيامة؟! من لايزال يحتفظ بشيء من القوة والتماسك، ينفجر في موجة غضب تجاه نفسه والآخرين. لأن أحدا لا يقوى على التخيل أن المئات من الشهداء كان بالإمكان إنقاذهم، لو توفر المزيد من الدواء، لو أن “الجهات المانحة” لم تتمنع عن المساعدة في تجهيز نقاط طبية خاصة بمصابي الكيماوي. حتى الأطباء غاضبون من أنفسهم، من اضطرارهم للاختيار بين مصاب وآخر حسب قرعة الحياة والموت في سوريا الثورة. كتب الطبيب ماجد على الفيسبوك: “بكيت وبكيت اليوم وانا استقبل تبرعات الأجواد والكرماء الذين لم يقتنعوا ان المشروع الذي قدمناه منذ اربع أشهر لتجهيز نقطة للتعامل مع إصابات الكيماوي هو ضرورة واليوم اقتنعوا بعد مئات الشهداء .. بكيت وانا أوقع على موافقات بقبض هذه المبالغ التي دفعنا ثمناً لقبضها صور الشهداء”.. المشكلة ليست هنا فقط، بل في قناعتنا واعتيادنا على أن كل شيء أصبح ممكنا، وأن السبيل الوحيد لمواجهته ولو نسبيا، هو في الاستعداد له، الاستعداد للقصف، الاستعداد للجوع، الاستعداد للكيماوي! هذا أقصى مايمكن أن نفعله. يعني أن تصبح المحادثة التالية مع أطفالنا قبل النوم من بديهيات حياتنا. ابني اغسل اسنانك واذهب إلى سريرك فقد تأخر الوقت. ولا تشرب الكثير من الماء قبل النوم! وإذا سمعت هدير الطائرة انزل إلى القبو، وإذا شممت رائحة غير طبيعية اصعد إلى السطح، وإذا لم تجد الوقت كيف تفعل أي شيء، فاعلم أني أحبك كثيرا، لكن ليس باليد حيلة. العالم قذر ومتوحش. ستفهم يوما حين تكبر.

 

 

 

مجزرة الغوطة.. ثلاث سنوات والغازات السامة تخنق سورية/ لبنى سالم

21 أغسطس/ آب 2013 – 21 أغسطس/ آب 2016. ثلاث سنوات على مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية لدمشق، مخلّفة ألفاً و127 قتيلاً مدنياً سورياً، من بينهم 201 امرأة و101 طفل فيما جُرح المئات وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

هذا التاريخ بالنسبة إلى السوريين، نقطة تحوّل مهمة في مسار الثورة السورية، إذ أدركوا وكذلك العالم، استعداد النظام للقيام بأيّ شيء في سبيل استمراره. ثلاث سنوات مرّت، إلا أنّ السوريين ما زالوا قلقين، لا يشعرون بأنّهم في منأى عن خطر الغازات السامة، ويتوقّعون التعرّض لها في أي لحظة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من الناشطين ومتطوعي الدفاع المدني إلى تنظيم حملات توعية مستمرة حول طرق الإسعاف والوقاية من تلك الغازات. ولعلّ أبرز ما يزيد من تخوفات السوريين هو عدم التحرّك بجدية في اتجاه محاكمة مرتكبي هذه الانتهاكات ومحاسبتهم، وهو ما يفسره كثيرون بأنّه تهاون في أرواح السوريين طالما أنّ هذه الأسلحة لا تستعمل ضد دول أخرى.

غاز السارين

رجّحت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومنظمات أخرى تُعنى بالمجال الطبي، أن يكون غاز السارين هو الذي استخدم في مجزرة غوطة دمشق. يقول غسان محمد وهو صيدلاني متخصص في علم السموم، إنّ “السارين من أكثر الغازات السامة خطورة، ويصيب العشرات والمئات من دون أن يشعروا بوجوده قبل الإصابة، إذ هو عديم الرائحة واللون”. يضيف أنّ الناس “لا يلاحظونه إلا بعد ظهور الأعراض العصبية على أناس آخرين. فيعاني المصاب من تشنجات لا إرادية في البطن والأطراف وحركة العين، بالإضافة إلى ضيق في التنفس قد يصل إلى حد الاختناق، بحسب تركّز المادة في جسم الإنسان”. ويتابع أنّ “المصابين يقضون اختناقاً من جرّاء هذا الغاز، بسبب تقلّص عضلات الحجاب الحاجز، الأمر الذي يوقف عملية الشهيق والزفير في الرئتين ويؤدّي إلى نقص مميت في الأكسجين في جسم المصاب”.

ويوضح محمد أنّ “أوّل ما يجب فعله عند الشكّ في احتمال حدوث هجوم بغاز سام في الجوّ، هو تغطية كل أجزاء الجسم بالملابس، إذ تمتصّه مسام الجلد. وكذلك لا بدّ من التنفّس من خلال كمّامة مبلولة بالماء”. أمّا عن العلاج، فيشير إلى أنّ “ثمّة ترياقاً يُبطل تأثير مادة السارين على العضلات، لكنّه قليلاً ما يتوفّر، إذ تقع هذه الهجمات بطريقة غير متوقعة ولا يتسنّى للطواقم الطبية التعرّف على المادة السامة في الوقت المطلوب”.

وعن آلية تأثير السارين على جسم الإنسان، يقول محمد: “يمكننا تلخيصها ببساطة في أنّها تؤثّر على النواقل العصبية التي تعيد العضلات إلى وضعية الراحة، ما يسبّب حركة مستمرة فيها”. ويلفت إلى “ضرورة تهوية الأماكن المغلقة لأيام عدّة قبل المكوث فيها، بعد حوادث إلقاء الغازات السامة في منطقة ما. كذلك، لا بدّ من تجنّب الشرب أو الاستحمام من خزانات المياه المكشوفة”.

من جهته، يشير حسام وهو متطوّع في الهلال الأحمر السوري سبق وتدرّب على إنقاذ السكان من الغازات السامة، إلى أنّه “في حال الشكّ في هجوم بغاز السارين من خلال ملاحظة إلقاء قنابل غريبة أو ملاحظة أعراض على أشخاص آخرين، لا بدّ من وضع قناع واق على الفور أو كمامة أو تغطية الأنف بقطعة قماش مبلولة. وعلى الجميع أن يهربوا من الأماكن المغلقة، ليس إلى الشوارع بل إلى الأماكن المرتفعة كأسطح المنازل أو التلال المرتفعة”. ويشدّد على “ضرورة عدم التردد في الهروب في هذه الحالات، لأنّ بضع لحظات قد تحدث فرقاً بين حياة الشخص وموته”.

ويشرح حسام طرق مساعدة المصاب وإسعافه، قائلاً: “يجب أولاً اتخاذ الإجراءات الكافية لإيقاف دخول المادة إلى جسمه، عبر سحبه إلى مكان مرتفع ومفتوح من دون ملامسته، ثم تمزيق ملابسه ووضعها في أكياس بلاستيكية مغلقة. بعدها، نغسل جسمه بالماء والصابون الذي يساعد في تعطيل تأثير هذه المادة، بالإضافة إلى غسل العينين. هكذا نصبح قادرين على نقله إلى أقرب نقطة طبيّة”. ويلفت إلى “ارتفاع مستوى المعرفة لدى السوريين عقب الهجمات التي طاولت ريف دمشق، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، إذ يحتفظ عدد كبير من السوريين بكمامات وقائية في منازلهم، صُنعت محلياً”.

غاز الكلورين

دّد النظام السوري في استخدام غاز الكلور أو “الكلورين” خلال هجومه على مدن وبلدات عديدة، لا سيما في الهجوم الأخير الذي شنّه على بلدة سراقب في ريف مدينة إدلب (شمال) للمرة الرابعة، الأمر الذي تسبّب في إصابة نحو 24 شخصاً من المدينة.

ويرى محللون أنّ المجتمع الدولي تهاون في السماح للنظام السوري باستخدام غاز الكلور، خصوصاً أنّ المواد والأسلحة الكيماوية التي نُقلت إلى خارج سورية لتدميرها في إطار عمل منظمة الحدّ من الأسلحة الكيماوية، لم تشمل هذا الغاز. فيقول طبيب الأعصاب محمد الطيب إنّ “الهجوم بغاز الكلورين يختلف عن غيره، إذ إنّ أبخرته تكون ذات لون مائل إلى الأصفر أو الأخضر. لكنّ النظام السوري استخدم غالباً أسلحة تمزج بين المواد المتفجرة والكلورين، كأن يضعه في البراميل المتفجرة، وهو ما يصعّب على السكان تمييز أبخرته بسبب دخان المواد المتفجرة، خصوصاً أنّ هذا الغاز يزيد من حدّة انفجار المواد الأخرى، ويتبدّد لونه مع انتشاره في الهواء”.

ويوضح الطيب أنّ “الكلورين يتركّز في الجهاز التنفسي لدى المصاب، ويأتي تأثيره على شكل شعور بضيق شديد في التنفّس. كذلك يظهر سيلاناً من الأنف وحرقة في العينَين مع إفراز شديد للدموع، وقد يحدث تقيؤ. وفي حالات أشدّ، يحدث اختناق وتتوقّف عضلة القلب”. وعن الإجراءات الطبيّة الممكن اتباعها لإنقاذ حياة المصابين، يقول الطيب إنّ ذلك يأتي بحسب شدة الإصابة. وتتركز جهود المسعف على وقف تعرّض المصاب لكميات إضافية من الكلورين، فيما تتركز جهود الطبيب على ضمان وصول الأكسجين إلى رئتَيه وإنقاذ الوظيفة التنفسية ومعالجة التهابات العينَين. وذلك من خلال تزويده بالستيرويدات والأدوية الموسّعة للقصبات بهدف تحسين أداء الرئتين”. ويشير إلى أنّ “هذا الغاز الذي غالباً ما يخلّف إصابات كثيرة، إلا أنّ نسبة الوفيات الناجمة عنه تكون أقلّ من تلك التي يتسبب فيها السارين. ففرصة إنقاذ المصاب به أكبر”.

إلى ذلك، يوضح حسام أنّه “من غير الصعب تمييز الإصابات بغاز الكلور، إذ إنّ كل أعراضها تنفسية. كذلك فإنّ الناس يعرفون بمعظمهم رائحة هذا المركّب الذي يستخدم في التنظيف، بنسب منخفضة، وهم قادرون على تمييزها”. وينصح ببعض الخطوات من قبيل “الخروج إلى مكان مرتفع للتقليل من حدّة التعرّض له، وخلع الملابس عبر تمزيقها أو تمرريها خارج الجسم نحو الأسفل حتى نتجنب استنشاق كميات إضافية، ووضعها في أكياس بلاستيكية مغلقة، بالإضافة إلى غسل الجسم والعينَين بالماء والصابون”. ويتابع حسام: “في حال ظهور أعراض الإصابة على شخص ما، يقوم المسعف أو من في الجوار، بمساعدته على تنفيذ الإجراءات السابقة، ثم مراقبة تنفسه، واللجوء إلى التنفس الاصطناعي في حال توقّفه، أو تزويده بالأكسجين في حال توفّر”.

ويلفت حسام إلى أنّ “في هجمات الكلور، تلاحَظ إصابات في مناطق بعيدة نسبياً عن موقع الهجوم، لأنّه ينتقل مسافات بعيدة في الهواء. كذلك يلاحَظ أنّ هذه الهجمات تكون أكثر في الشتاء وفي الأيام غير المشمسة، لأنّ أشعة الشمس تبطل مفعول هذا المركّب وتفككه وتساعد على التخفيف من أضراره”.

حالات موثّقة وأرقام

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 169 حادثة استخدام للأسلحة الكيماوية في سورية، منذ أوّل حادثة في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2012 استهدفت حيّ البياضة في حمص، وحتى منتصف آذار/ مارس 2016. ارتكب النظام السوري 167 حادثة منها، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حادثتَين. وأشارت الشبكة إلى أنّ 134 هجمة بالغازات السامة وقعت بعد صدور القرار 2118 الخاص بنزع السلاح الكيماوي في سورية، و33 هجمة قبله. إلى ذلك، بيّنت الشبكة أنّ 97 في المائة من الحوادث وقعت في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة السورية، في ريف إدلب ودمشق وريفها وريف حماه بالإضافة إلى حلب وحمص ودرعا، فيما وقعت ثلاث في المائة منها في مناطق تخضع لسيطرة “داعش”.

 

 

 

 

#كيماوي_الأسد: فليُحاكم كمجرم حرب

“#كيماوي_الأسد”، هو الشعار الذي يرفعه السوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مرور ثلاث سنوات على مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية، والتي راح ضحيتها أكثر من 1300 مدني في دقائق، اختناقاً بغاز الكلور السام، كواحدة من أبرز الجرائم ضد الإنسانية في البلاد منذ انطلاقة الثورة في البلاد العام 2011.

وأطلق “المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية”، حملة إلكترونية  بالاسم نفسه، بالتعاون مع مكاتب ومؤسسات إعلامية معارضة، لإحياء ذكرى المجزرة، والتنديد مجدداً باستخدام نظام الأسد للأسلحة المحرمة دولياً، على اعتبار أن “القاتل ما زال طليقاً ولم تتم محاسبته على جريمته التي أثبتتها الأمم المتحدة في تحقيقاتها”.

تستمر الحملة خلال اليومين المقبلين، كامتداد للحملات السابقة (‫#‏استنشاق_الموت في2014، ‫#‏استنشاق_الكيماوي و‫#‏شهيق_الموت_كيماوي_الأسد في 2015)، على أن تتضمن مواد فيلمية ومرئية ومكتوبة “تذكيراً بضحايا المجزرة، الذين رحلوا منهم والذين نجوا، وسعياً للعدالة وفضحاً للدول المتواطئة مع عصابة الأسد الإرهابية”، وللتذكير بموقف المجتمع الدولي الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان ويسمح للأسد وحلفائه بارتكاب مجازر مشابهة طوال السنوات الماضية.

ستنتقل الحملة للأرض عبر تظاهرات في عدد من المدن حول العالم، للمطالبة بنقاط عديدة أبرزها: التأكيد على مسؤولية الأسد كقائد عام للقوات المسلحة عن الهجوم الكيماوي الذي أودى بحياة 1477 مدنياً، ورفض أي وجود له في حاضر ومستقبل البلاد وضرورة محاكمته كمجرم حرب. ورفض سياسة التساهل ومنح الوقت له من قبل المجتمع الدولي رغم وجود أدلة وتقارير تثبت مسؤليته عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين عشرات المرات.

في السياق، تطالب الحملة منظمات الصحة العالمية بتقديم الرعاية اللازمة للمصابين الناجين من جميع هجمات قوات الأسد بالغازات السامة كالسارين والكلور، وبسحب جائزة “نوبل” للسلام الّتي منحت بعد المجزرة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، “الّتي دمرت مخزون نظام الأسد الإرهابي من غازي السارين والخردل بينما تركت له غاز الكلور السام الذي ما زال يستخدمه على المدنيين أمام مرأى العالم”.

المدن

 

 

مجزرة الكيماوي في سورية: المجرم المعروف بلا محاسبة/ ريان محمد

مرّت ثلاث سنوات على “مجزرة الكيماوي” التي وقعت في الغوطتين الشرقية (زملكا ـ عين ترما)، والغربية (معضمية الشام) في 21 أغسطس/آب 2013، والتي راح ضحيتها 1722 قتيلا، في حين وصل عدد الذين أُصيبوا بهذا السلاح المحرّم دولياً إلى أكثر من ستة آلاف شخص، بينهم أطفال ونساء، بحسب “مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سورية” (مستقل)، ولا يزال مرتكبوها أحراراً.

وشكّلت الأمم المتحدة بعثة خاصة للتحقيق في اتهامات استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، وقدمت تقريرها في 13 ديسمبر/كانون الأول 2013 إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بيّنت فيه أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلقّى 16 بلاغاً من دول أعضاء بوقوع حوادث منفصلة تنطوي على استخدام الأسلحة الكيماوية. وأشارت اللجنة في تقريرها إلى سبعة حوادث، منها في خان العسل، وحي الشيخ مقصود في حلب، وسراقب، وأشرفية صحنايا، إضافة إلى الغوطتَين. واستناداً إلى تحليل الأدلة التي جمعت خلال التحقيق الذي أجري في الفترة بين إبريل/نيسان، ونوفمبر/تشرين الثاني 2013، والنتائج المخبرية التي تم الحصول عليها، فإن الأسلحة الكيماوية استُخدمت في النزاع الجاري بين الأطراف في سورية، وحصل أكبر استخدام لها في الغوطتَين

ولم يشر تقرير بعثة الأمم المتحدة إلى الجهة المستخدمة للأسلحة الكيماوية من بين أطراف الصراع، في حين كانت معظم المناطق المستخدم بها تلك الأسلحة، تقع في مناطق المعارضة. ولم يتبع تقرير هذه اللجنة الدولية أي إجراء يهدف لتحديد المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيماوية، أو تحويل الملف إلى محكمة الجنايات الدولية، في وقت تكرر استخدام الأسلحة الكيماوية، خصوصاً غاز الكلور، والقنابل الحارقة والعنقودية، من قبل القوات النظامية وحلفائها الروس بعد دخولهم الأراضي السورية في سبتمبر/أيلول العام الماضي.

يتأسف الرئيس التنفيذي لحزب “الجمهورية” المعارض، أحد أعضاء وفد المعارضة التفاوضي في جنيف، المحامي محمد صبرا، في حديث لـ”العربي الجديد”، لتجميد هذا الملف، “وحتى لجنة التحقيق تقريباً جمّدت عملها، ربما لأن هذا الملف محرج للأمم المتحدة”. من جانبه، يؤكد رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “العالم سيتجاهل التحقيقات الخاصة باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، ولن يأخذ أحد موقفاً بناء عليها، وليس هناك أي نية لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم”. ويضيف أنّ “تشكيل لجان التحقيق هو لذرّ الرماد بالعيون. مستخدمو الأسلحة الكيماوية معروفون منذ البداية ومن دون أي تحقيقات، إلا أن المجتمع الدولي تجاهل هذه الحقائق واكتفى بتشكيل لجنة التحقيق لدفن الجريمة وتمييعها كما فعل بلجنة التحقيق المشكلة من مجلس حقوق الإنسان”، متسائلاً “ما نفع كل هذه التحقيقات إذا لم تتوفر جهة قضائية لمحاكمة المجرمين؟”.

من جهتهم، يطالب ناشطون وقوى معارضة، استناداً إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على أن من يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين يُعد “مجرم حرب”، الأمم المتحدة بتوثيق استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية تمهيداً لإحالته إلى محكمة العدل الدولية، ممثلاً برئيس النظام بشار الأسد ورموزه وكل من شارك بإصدار وتنفيذ الأوامر بضرب الشعب بهذه الأسلحة المحظورة.

ويبين “مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سورية” في تقرير نشره على موقعه الرسمي، أنه وبحسب التحاليل والمعطيات التي أقرتها اللجنة الطبية السورية التي أوكلت بمتابعة الملف الكيماوي من قبله والتي مهمتها تحليل العيّنات التي وردت من أماكن عدة في سورية استُهدفت بالكيماوي، أن مراحل استخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام بدأت مع استعمال الأخير غاز الخردل. هذا الغاز مركّب غير قاتل، هو عبارة عن سائل يصدر بخاراً خطيراً، ويسبب حروقاً وتقرّحاً في الجهاز التنفسي، وضيق تنفس عند تنشقه. ويسبب التقيؤ والإسهال عند ابتلاعه، ويلحق أضراراً بالعيون والأغشية المخاطية، والأعضاء التي يتولد فيها الدم. وأخطر تأثيراته طويلة الأجل، تتمثل في كونه مسبباً للسرطان، ولا علاج له.

وأضاف التقرير أنه “في المرحلة الثانية تطور الانتهاك إلى استعمال مادة vx القاتلة، وتسمى غاز الأعصاب. هذه المادة عبارة عن سائل أخضر اللون لا رائحة حادة له، ومفعوله دائم، ويعتبر من بين أكثر المواد سمّيّة. بإمكان مادة (في أكس) المنتقلة بالهواء أن تقتل متلقيها بغضون دقائق، لكن امتصاصها الرئيسي يكون عبر الجلد. تؤثر على الجهاز العصبي، وتشمل عوارض الإصابة غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت”.

أما في المرحلة الثالثة، بحسب المركز، تطور الانتهاك إلى استعمال مادة “السيانيد والكلور سيانيد”. السيانيدات هي أملاح حمض سيانيد الهيدروجين، وتتميز باحتوائها على مواد تتكون من ارتباط ذرة الكربون برابطة ثلاثية مع ذرة النيتروجين، وتعد المركبات التي يمكن أن تحرر أيون السيانيد من المواد شديدة السموم، وهي قاتلة بنسبة 97 في المائة. ولفت المركز أن آخر المواد المستخدمة في سورية هي مادة السارين (Sarin)، وهو سائل أو بخار لا لون له. تشمل عوارضه، التي تتوقف على مدى التعرّض له، غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيّؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت.

 

 

 

بعد “مجزرة الكيماوي”…ضوء أخضر عالمي للنظام السوري لمواصلة الإبادة/ أنس الكردي

سيذكر التاريخ أن مجزرة غوطتي دمشق، والتي راح ضحيتها نحو 1722 قتيلاً وآلاف المصابين في 21 أغسطس/آب 2013، شكلت، عملياً، وبالوقائع، المحطة التي تمكن من خلالها معسكر النظام السوري وحلفاؤه من إطلاق يدهم من دون حدود لإخماد الثورة السورية. ذلك أن العالم كان يعتقد أن استخدام النظام في دمشق الأسلحة الكيماوية كان فعلاً سيعتبر انطلاق العد العكسي لنهاية النظام، غير أن العكس هو الذي حصل، بعدما ذابت الخطوط الحمراء التي رسمها الرئيس الأميركي باراك أوباما في 20 أغسطس/آب 2012، أي قبل عام ويوم واحد من محرقة الكيماوي التي نفذتها قوات النظام السوري ضد سكان الغوطتَين الشرقية والغربية، عندما حذّر من أن أي نقل أو استخدام للأسلحة الكيمياوية في سورية يشكّل “خطاً أحمر” بالنسبة للولايات المتحدة وقد تكون له عواقب كثيرة.

في حينها، قال أوباما، حرفياً: “حتى الآن لم أعط أمر التدخل عسكرياً في سورية، لكن إذا رأينا نقلاً أو استخداماً لكميات من المواد الكيمياوية فذلك سيغيّر حساباتي ومعادلتي”. عشية مجزرة الكيماوي، كان النظام السوري في مرحلة تراجع ملحوظ، والمعارضة المسلحة في تقدم باتجاه دمشق، فأتت المجزرة الكيماوية بمثابة “خيار انتحاري” للنظام قبل أن يصل إليه مقاتلو المعارضة. هكذا ظنّ العالم، حتى الأوساط الأكثر حماسة للنظام في حينها.

لكن المجزرة أظهرت، من بين ما أظهرته، أن ليس هناك قرار دولي بإطاحة النظام ورأسه. هكذا حصل كل ما يخدم النظام وينقذه؛ دخلت روسيا وإيران بثقلهما العسكري الكامل إلى جانب دمشق، وراحا يفرضان شروطهما لاستسلام المعارضة، وبعدها، تسلم ستيفان دي ميستورا الملف السوري نيابة عن بان كي مون، فوجد فيه معارضون كثر حبل إنقاذ إضافياً للنظام من خلال تسوية بيان فيينا 2015 الذي دفن عملياً أسس جنيف 1 عام 2012.

” حتى الحلفاء المفترضون للثورة فضلوا انتظار باراك أوباما ليفي بـ”وعده”، وهو ما لم يحصل طبعاً، بل جلّ ما حصل كان الإخراج الروسي الأميركي المضحك المبكي لاتفاق نزع الترسانة السورية الكيماوية مزيناً بقرار دولي (2118) لمنع أي استخدام لها. إخراج يعتبره كثيرون في الغرب خصوصاً، بمثابة التواطؤ، لأن ما أثبتته الوقائع فيما بعد، أكد أن النظام لم يسلم إلا جزءاً من هذه الترسانة، بدليل المحطات المتكررة التي تم فيها رصد استخدام الأسلحة المحظورة التي كان يفترض أن يكون قد شملها الاتفاق الأميركي ــ الروسي الشهير بموجب القرار الدولي رقم 2118. قرار تم خرقه من قبل النظام السوري 136 مرة، بحسب رصد “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أمس السبت.

كانت تحذيرات أوباما، قبل عام من المجزرة، رداً على اتهامات بين الفينة والأخرى للنظام السوري باستخدام جرعات تحمل مواد كيمياوية في منطقة وأخرى، لكن بدا واضحاً أن الرئيس الأميركي نفسه، لم يكن يتوقع أن يقوم النظام السوري الذي كان يخشى من معركة وشيكة على دمشق، بهجوم فاضح ليل 21 أغسطس/آب 2013، عبر استخدام غاز السارين، بشكل واسع، بعد أيام قليلة على وصول المفتشين الدوليين إلى دمشق، للتحقيق في هذا الشأن.

استنفرت الولايات المتحدة كما العالم بعد هذه المحرقة. ثلاثة أيام كانت كفيلة لتنبئ بهجوم عسكري محتمل ضد النظام السوري من جانب الولايات المتحدة، بعد تجاوز “الخط الأحمر” من دون أي اكتراث. أعلن وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، آنذاك، أن البنتاغون يقوم بعملية تحريك للقوات لتكون جاهزة في حال قرر أوباما تنفيذ عمل عسكري. وتزامن ذلك مع نشر البحرية الأميركية مدمرة رابعة مجهزة بصواريخ كروز في البحر المتوسط، فظنّ السوريون أنها “لحظة أفول النظام السوري بعد تجاوزه كل المحرمات الدولية”.

الروس أبعد من حماية النظام

حتى ذلك الحين، لم تكن لروسيا أطماع واضحة في سورية، كانت علاقة ارتباط تاريخي بدعم رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، والاستمرار على النهج ذاته مع رئيس النظام الحالي بشار الأسد، واتفاقيات مستدامة تتعلق بشراء الأسلحة. ويضاف إلى ذلك الدعم السياسي المتمثل بتعطيل القرارات الدولية الصادرة ضد النظام، باستخدام حق النقض “الفيتو”، في حين بدأت إيران مبكراً بدعم النظام السوري عسكرياً، وإرسال آلاف المقاتلين للمساندة البرية، فضلاً عن الدعم الاقتصادي والمالي.

بعد ارتكاب النظام السوري المحرقة الكيماوية، لم يتأخر الرد الروسي هذه المرة، والذي بدا أنه سيمتد إلى ما بعد ردود الفعل، إذ أعلنت موسكو أنّ أقمارها الاصطناعية التقطت صوراً تُبيّن أن طرفاً في المعارضة أطلق صاروخين على الغوطة من منطقة دوما عند الواحدة والدقيقة الخامسة والثلاثين من ليل الأربعاء 21 أغسطس/آب 2013. وقال الروس إن الصاروخَين صناعة محلية ويحملان مواد كيماوية. تصريح أعطى مؤشراً إلى أن موسكو ذاهبة إلى أبعد من دعم النظام السوري، وربما طمع في الخارطة الجغرافية، والذي تحقق في ما بعد بتوقيع معاهدة “تشرعن” الوجود الروسي في سورية. استطاعت موسكو إيجاد حل إسعافي للنظام السوري ساعد بتوقيف البارجات الأميركية في عرض البحر، إذ اتفق الطرفان الأميركي والروسي على تدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، والتخلص منها بحلول منتصف 2014.

بقاء الأسد ضرورة إسرائيلية

بدا أن ما مهّد للاتفاق الروسي ـ الأميركي الشهير هو أن المزاج الدولي لم يجد حلاً سوى التضحية بالسمعة الأخلاقية على حساب مخاوف عدة قد تنشأ في حال ضرب النظام السوري عسكرياً، في ظل مخاوف من وقوع الأسلحة الكيماوية في أيدي المعارضة السورية.

في هذا السياق، يرى عضو الائتلاف السوري المعارض، سمير نشار، أنه “منذ اندلاع الثورة، وبعد التأكد من استمراريتها لعدم قدرة النظام على قمعها، نشأت مخاوف لدى إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى من وقوع الأسلحة الكيماوية الموجودة لدى النظام السوري في أيدي المعارضة والثوار الذين ليسوا بنظرهم واضحي المعالم، لكنهم، بشكل عام، ذوو طابع إسلامي”. ويوضح أن “النظام السوري لم يكن يعترف حتى ذلك الحين بامتلاكها، بالإضافة إلى عدم انضمام النظام إلى المعاهدة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، كل هذه الهواجس كانت موضع نقاش وتبادل للمعلومات بين إسرائيل والولايات المتحدة، لثقتهما أن النظام يخفيها”.

ويضيف نشار لـ”العربي الجديد” أنه مع “اشتداد المعارك وظهور مؤشرات في أكثر من معركة على أن النظام يخسر مواقعه ويتراجع في أكثر من محافظة، خصوصاً التهديد الذي تمثله الثورة في محيط مدينة دمشق، وتحديداً الغوطة، على بقاء النظام، كان هناك تقدير لدى دوائر الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية أن النظام قد يستخدم كافة الأسلحة المتوفرة لديه بما فيها الكيماوية، لذلك انطلقت التحذيرات من الولايات المتحدة للنظام والحديث عن الخط الأحمر، في حين بقيت إسرائيل بعيدة عن الأنظار”.

ويلفت المعارض ذاته إلى أنه “في وقت قريب من تاريخ المجزرة الكيماوية شعر النظام أنه سيخسر العاصمة دمشق نتيجة المعارك التي كانت تجري في أغلب المحافظة. لكن المواجهات الأسوأ كانت تجري في الغوطة ودرعا، وجازف باستخدام الأسلحة الكيماوية في التاريخ المذكور لقناعته أن بقاءه هو ضرورة إسرائيلية ودولية. عندما تحركت القطع الحربية الأميركية في البحر المتوسط لضرب النظام تأديبياً، كما أوضح أوباما، بحيث لا يؤدي إلى إسقاطه، كانت المخاوف لدى النظام وإيران والروس أنه لا يستطيع تحمل حتى الضربة التأديبية. من هنا، أعتقد أنه تأسست خلفية الصفقة التي تمت، والتي حققت الأهداف الإسرائيلية والأميركية من دون أية تكلفة، سوى التخلي عن الموقف الأخلاقي للرئيس أوباما الذي تناول من سمعته وأخلاقياته وفقدان المصداقية الشيء الكثير”، على حد تعبيره.

ووفقاً لمتابعين، فإنّه بعد ثلاثة أعوام على أكبر مجزرة من قبل النظام السوري في العصر الحديث، يبدو النظام أحسن حالاً من ذي قبل، في ظل زج إيران الآلاف من قواتها في المعارك السورية، إضافة إلى مقاتلي حزب الله والمليشيات العراقية. في حين أن الوجود الروسي على الأراضي السورية بات أكثر من مجرد تدخل عسكري، في ظل بحث موسكو عن خيارات مستدامة في سورية، وتوسيع القواعد العسكرية فيها، وتحويل قاعدة حميميم إلى منصة رئيسية دائمة في الشرق الأوسط.

وأكثر من ذلك، فإن النظام السوري يعود إلى استخدام الغازات السامة أمام مرأى ومسمع من العالم، وعلى الرغم من إقرار الأمم المتحدة واعترافها وتوثيقها استخدام الأسلحة الكيماوية، والتقليدية كذلك، ورسم الولايات المتحدة خطوطاً حمراء عديدة، بات حل القضية السورية دولياً وإقليمياً أكثر منه محلياً، وتوقعات المراقبين باستمرار الحرب لسنوات عديدة بسبب مكاسب الدول الكبرى فيها باتت جزءاً من الحقيقة.

ويؤكد عضو الائتلاف نفسه أن النظام سيكرر أي محاولة لاستخدام الأسلحة الكيماوية إذا اضطر لذلك، “لكنني أعتقد أنه لم يعد مضطراً، بعد التدخل الروسي على الأقل، إلى حين مغادرة أوباما البيت الأبيض، إذ إنه بوجود إدارة جديدة تختلف الحسابات وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ الصراع على سورية وعلى ثورة الشعب السوري”، على حدّ تعبيره.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى