صفحات العالم

ثلاث سنوات من اليباب/ هشام ملحم

لم يحدث في قرون ان تعاني دمشق وبغداد والقاهرة في آن واحد العنف والفجيعة والتفكك، او التحسر على حاضر مأسوي او الخوف من كوارث تجيء. بيروت، وطرابلس الغرب، وصنعاء ليست في وضع أفضل بكثير. وقد تكون تونس الدولة الوحيدة التي تصرفت كنخلة مالت مع عاصفة موسم الانتفاضات العربية ولم تنكسر، وان تكن لا تزال تشكو من الوهن وعافيتها السياسية غير مضمونة.

بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات، والحراك الشعبي السلمي الذي واجهه طغاة العرب بعنف وحشي، وبعد الاغتيالات والقتل الجماعي وحصد المدنيين بالرصاص في الشوارع، وبروز حركات معارضة مسلحة، أكثرها واخطرها جماعات اسلامية مغالية في تطرفها، وبعد تفشي سرطان مذهبي واقتتال شيعي – سني غير مسبوق منذ قرون على جبهة ممتدة من العراق وعبر سوريا الى لبنان، يبدو المشهد السياسي العربي اليوم مأسويا وقاتما على نحو غير معهود في التاريخ المعاصر، وعاصيا حتى على الفهم والتحليل العقلاني. اكثر ما يكتب عن تحليلات او تعليقات هو تنويعات على مرثية للحاضر العربي.

هل ثمة ما يمكن قوله عن الفجيعة السورية لم يقل من قبل؟ هل هناك اقسى من الخيار المستحيل الذي يطرحه البعض امام السوريين: رصاص بشار الاسد او سكاكين الجهاديين الظلاميين؟ ومعظم الدول التي تندب المأساة السورية، ومنها اميركا( ولا ننسى دول المحيط)، مسؤولة جزئيا عن النزف السوري لانها رفضت ان تساهم في وقف الطاغي عندما “عسكر” الانتفاضة. العراق في طريقه الى التفكك والعودة الى حرب اهلية. ليبيا تستعصي على الحكم وتعاني عنف الميليشيات وترهيبها وهي مرشحة لانقسامات اضافية. اليمن ينتقل من موجة عنف الى اخرى على خلفية استقطابات سياسية وقبلية تخدم تنظيم “القاعدة” الذي لا يزال يروع البلاد. وحدها تونس لا تزال تحافظ على وجود حياة سياسية تعطيها على الاقل الفرصة النظرية لعبور مرحلة انتقالية صعبة يشوبها عنف الاغتيالات والخطر الظلامي للسلفيين.

تربى جيلي من العرب على رفض تركات الاستعمار في المنطقة ومنها تقسيم اتفاق سايكس-بيكو للمشرق. صحيح ان الحدود التي اوجدها الاتفاق فيها الكثير من الاعتباطية، ولكنها لم ترسم (بشكل عام) وفقا لانتشار المكونات المذهبية والطائفية والاثنية لهذه المجتمعات. بعد قرن من الاتفاق، وبعد نصف قرن من الاستقلال الرسمي اخفق احفاد رجال الاستقلال في الحفاظ على التعددية التي ورثوها عن الاستعمار، ويعملون الآن على تمزيق العراق وسوريا لأبسط المكونات المذهبية والاتنية.

ومصر؟ خلال ثلاث سنوات اسقط المصريون اوتوقراطية مبارك، ورفضوا حكم الطنطاوي العسكري، انتخبوا مرسي، ثم انتفض كثيرون عليه، قبل ان يعزله العسكر ليكملوا حلقة العودة الى السلطة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى