صفحات الثقافةعلي جازو

ثلاث قصائد من عامودا

علي جازو

تبادلاتٌ مُحِبَّة

يا للندم!

يا لحظوةِ أن تخترقكَ أغنيةٌ لتدفنك!

كنزُ رجاءٍ يمتلئ عناقاتٍ وعناقات.

مرّات ومرّات لا تُحصى،

كنَفَسٍ تتردّد بين شفتيَّ،

تبادلاتٍ ضئيلة ومُحبِّة،

رافعاً عن القسوة وجهها الزائفَ،

كما تجذب تحوّلاتٌ مجهولة لعينٍ وحيدة

مظاهرَ قليلة، ساحرة، ومحزنة.

أهو من مزايا الندم

أنني لم أبكِ هذا الصباح؟

ألم يجدر بي كما بكلّ صباحٍ

يهبنا مدىً لا يملكه أحدٌ،

ومع ذلك هو في متناول الجميع،

كمن مدارياً ارتباكَهُ يلمس طرف قميصه،

أو ينشر كلتا يديه فوق وجهه

كقناعِ معرفةٍ ذاوية.

آهٍ يا ظلَّ كتماني الوديع المرافق

كيف لم أتضوَّع بالدموع،

كيف لم تفجّر السخونةُ المرهفة

رئتيَّ واثبةً إلى فمي وعينيَّ دفعةً واحدة.

بالكاد أحتاج إلى خطوة الطفل – الريشة

التي تحوّل سموم الربيع الأليفة

موجةً لاهبةً تطير داخل حجرة مظلمة.

لكنه مع ذلك، لصُوَرٍ نراها ونخشاها،

يلتصق بنا، دامياً تردّدنا الكتيم

كحجرٍ أخضر ينفلق تحت لسان أخرس

ليخبر ويعزّي، يروي ويحنّ.

الحيوان

لا لتستولي على ما تحبّ،

ليس لها أن تحتكر أو تسيطر،

أو تملك أيَّ شيءٍ، أيَّ شيء.

بصبر نباتٍ غارقٍ في النمو،

تسير إليه،

وفي أثناء سيرها تجرّحُهُ لتضيئَهُ،

ليتحوَّلَ عبرها

ليكونَ اللهفةَ والبيت.

غافلاتٍ عن الموت،

ممتلئاتٍ برحيقٍ جنائزيّ،

حدّ بلوغ الصمتِ الأشدّ قسوةً وغواية،

تقضي الحيواناتُ أيامَ بهاءٍ غريبةً داخل أحداقنا!

سواءٌ إليها إنْ بَقيتْ تمطر بغزارةٍ،

مازجةً بذورَ الأرض المجهولة،

أو تحت لهيبِ صيفٍ حارق

عادت المعاركُ إلى أسماءٍ ميتة.

بلا ملل دونما اكتراث،

متكتِّمةً وغائصةً في كيانها،

كما لو أنها خارج كلِّ زمن،

تجد طريقها في العتمة كما وجدتْهُ في النور،

دون إفصاح، ترافقنا وترشدنا.

لم نرَ بعد، لم نندهش

كيف لم يلوِّث الخرابُ عينَ القطّة؛

هذا الزجاج المتنبِّه العريق،

تحت سيف العزلة موحِّدِ اليقظة بالنوم،

وفي الجلاء المرحِ الثاقب لقفزات جدْيٍ،

ما من مكانٍ لأيّ ندم.

نحن المكتفين بمنازل كالريح،

نتمرّغ في مياه تركةٍ متعفّنة.

مرةً إثر أخرى،

لا نولي وجودَ الحيوان شأناً.

غير أنّه، كما يجدر بملكٍ حقيقيّ،

لا يضيّعَ الوقتَ،

كي لا يفسدَ التعبَ ولا يؤلمَ الخسارة،

لا يفرِّط بإرثه المدمَّر، بنا.

العطالة الإلهيّة

عيوننا،

إذْ لا تضيء غير أمراضها،

مهانةً ومنزويةً،

أنهكَتْ تفاحاتِ اللّيل.

مَزَجْنا موسيقى الحجارة الطفوليّة

بصرخات مشانق تخنق العدل

كما يخنق الفقر صوتَ عظامه.

رأينا القيامة دون ربٍّ دون أنبياء دون ملائكة.

حاربَتْنا كتبٌ، نوافذُ أوهامٍ لقّنَتْنا دروسَ الخزي،

أتلفتْ وجوهنا المرآتية العزيزة البلهاء.

حشَدْنا فيلةً لنقتل ذبابة الجوع،

لكن الأخيرة،

خفيفة وردةً سوداء ضئيلةً مطارَدةً،

تنقّلت من صحراء الخوف

إلى صمغ أشجار الجنّة.

وحدها نَجَت، حظيتْ بفخٍّ أبديّ،

منقذةً الهزيمة من وباء النصر اللعين!

تبادلت سماواتُ الكهوف ضحكاتِ الطرد المعهودة،

وارتقى رفضٌ ميّتٌ درجاتِ نورٍ تائه:

نحن هنا أيتها السيدات، أيها السادة،

المائدة فارغة، والفواتير جادّةً مستعجلة،

والباعة، غداً وبعد غدٍ،

يؤجرّون النهار خَدَماً لنهايةٍ يشعلها فأسٌ صدئ!

قتلٌ، قتلٌ، قتلٌ، قتلٌ، قتلٌ.

لكنْ، سينسى كتبةُ الغفران أسبابَ الحرب،

وتحلّ مياهٌ دَعيّةٌ مكانَ خطواتٍ تعثرّت؛

وكان من الأفضل لو أنّها تحجّرت

لئلا تجادلَ أحداً، لئلا يرحمها أحدٌ.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى