صفحات سوريةهيثم المالح

ثمن الديمقراطية في سوريا


هيثم المالح

تتوق سوريا إلى التحرر والانعتاق من نظام البطش الذي يمثله الأسد، فقد عانى الألوف من السوريين على مدى العقود الأربعة الماضية من قمع نظام الأسد ووالده، وعاش المواطنون سنوات من الخوف في ظل الاعتقالات والتعذيب والقتل، ومنذ اندلاع الانتفاضة الأخيرة في 2011 وصل عدد القتلى، حسب ناشطي المعارضة، إلى أزيد من عشرة آلاف مدني، فيما يقبع عدد أكبر من ذلك في السجون، والسبب هو رغبة السوريين العيش في بلد حر وعادل. وعن تجربتي الشخصية فقد بلغت من العمر 81 سنة، وعلى امتداد هذا العمر كرست حياتي لدعم الديمقراطية والمبادئ الدستورية والمطالبة بإقامة قضاء مستقل في هذا البلد. ومن أجل هذه المطالب اعتقلت في مناسبات عديدة لا لشيء إلا لأنني قاومت حكم النظام القمعي الذي فرضه الأسد على السوريين، وكل ما أريده اليوم هو أن تخرج سوريا من هذه الفترة الدقيقة من تاريخها بسقوط النظام المجرم، وهو ما يدفعني لتوجيه دعوة إلى المجتمع الدولي لتسهيل هذه النهاية والقيام بما هو أكثر لمساعدة سوريا على الخروج من النفق.

لقد بدأت ممارسة العمل في مجال القانون منذ سنة 1957 وبعد سنة على ذلك توليت القضاء، ولكن الأمر لم يستمر طويلاً إذ في سنة 1966 أصدر حزب “البعث” الذي وصل إلى السلطة في 1963 مرسوماً خاصاً يقضي بإقالتي من القضاء بدعوى أني لست مؤهلاً للعمل في مرحلة الثورة التي جاء بها “البعث”، بل إن الأمر لم يطل حتى وجدت نفسي قابعاً وراء القضبان متهماً، حسب الرواية الرسمية التي يروج لها النظام، بـ”بث أخبار كاذبة من شأنها النيل من الروح المعنوية الوطنية”، فأُرسلت إلى السجن من 1980 إلى 1986، وخلال تلك المدة دخلت في إضراب عن الطعام كاد يودي بحياتي.

وعندما أفرج عني عدت لأمارس المحاماة، ولكن الحياة لم تكن أبداً سهلة في ظل المتابعة اللصيقة للمخابرات وأجهزة الترصد الأخرى التابعة للجيش وفروعه العديدة، وفي أكتوبر 2009 ظهرت على شاشة تلفزيون “بردى”، وهي قناة معارضة، للحديث عن تجاوزات الحكومة، وبخاصة الاستمرار غير المبرر لحالة الطوارئ التي أعلنها النظام منذ سنوات وما ترتب عليها من تعليق للدستور وانخراط في ممارسات غير مقيدة بالقانون تسمح بالمتابعة والاعتقال العشوائي منذ الستينيات. وبعد يومين فقط على ظهوري على الشاشة بادرت السلطات السورية باعتقالي وبقيت على ذلك الحال حتى يوليو 2010 حيث صدر ضدي حكم بالسجن بذات التبرير السابق وهو “بث أخبار كاذبة من شأنها إضعاف الروح المعنوية الوطنية”. وهذه المرة عندما أفرج عني في 2011 كانت الانتفاضة قد بدأت، وسرعان ما شرع النظام في إعمال قبضته الحديدية وإطلاق آلته القمعية ضد الشعب والمتظاهرين السلميين.

ولكن أمام القمع الوحشي ظلت استجابة المجتمع الدولي هزيلة في أحسن الأحوال، وهو ما ولد إحساساً لدى السوريين بأنهم خُذلوا وتركوا لتدبر مصيرهم. وهكذا أظهر النظام الدولي الذي يفترض فيه حماية المدنيين فشلاً ذريعاً في التحرك الفعال لإنقاذ السوريين. وفي هذا الصدد نسمع جملة من التبريرات التي تسوغ عدم القدرة على التدخل في سوريا لحماية المدنيين على غرار ما شهدته ليبيا. والحقيقة أنه كلما استمر التباطؤ في التدخل لصالح المدنيين زاد الشعور لدى السوريين والمراقبين بأن التدخل الدولي في ليبيا إنما كان يحركه النفط، وذلك على رغم كل الشعارات التي رُفعت بالتدخل لحماية المدنيين ومنع وقوع المجازر. فعلى غرار ما حصل في ليبيا يسقط اليوم آلاف المدنيين في سوريا على أيدي حكومتهم وما زال القتل مستمراً بسبب العجز الدولي.

ومن الخطوات التي يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذها لإنهاء معاناة السوريين والتعجيل بسقوط النظام تسليح الجيش السوري الحر، فكما هو حاله اليوم لا يمكن للجيش السوري الحر مواجهة الجيش النظامي إلا ليتكبد الخسارة في ظل التفوق الكبير للنظام في مجال الأسلحة فيما عناصر الجيش الحر لا تملك سوى أسلحة خفيفة بالكاد تكفي للدفاع عن النفس. ولكن إذا كان المجتمع الدولي متخوفاً من تسليح الجيش السوري الحر ورافضاً لذلك فهناك خيار آخر يتمثل في فرض منطقة لحظر الطيران، أو منطقة خالية من السلاح الثقيل. غير أن المجتمع الدولي يبدو أنه ما زال يضع أمله في خطة السلام الأممية التي يرعاها مندوب المنظمة الدولية والجامعة العربية، كوفي عنان، إلى سوريا.

وفيما أشيد بالجهود التي يبذلها كوفي عنان وأتمنى له النجاح في وقف العنف، إلا أن المعطيات على الأرض تشير إلى ارتفاع وتيرته، وحتى لو احترمت الهدنة فإنني لا أستطيع التنبؤ بما سيحصل عندما ينزل السوريون إلى الشوارع للمطالبة بسقوط النظام كما أعرف أنهم سيفعلون، فلحدود اللحظة تقول المصادر إن ما لا يقل عن ألف قتيل سقطوا، من بينهم 34 طفلاً، على أيدي نظام الأسد منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار. وفي جميع الأحوال لن يعمر نظام البعث طويلاً بعد 50 عاماً من الحكم الوحشي، ولذا يتعين على المجتمع الدولي مساعدة المعارضة من خلال تمويل قادتها لدعمهم في بناء أحزاب سياسية تستطيع من خلالها ممارسة الحكم، كما عليه المساعدة في إقامة مؤسسات ديمقراطية وتوعية الناس بثقافة المسؤولية السياسية التي تبقى مفهوماً غريباً على السوريين الذين لم يعرفوا طوال السنوات الماضية سوى حكم الأسد غير الديمقراطي، وباختصار نحتاج إلى كل المساعدة الممكنة لتشييد سوريا حرة وعادلة تمثل جميع أبنائها وتحترم حقوق الإنسان والقضاء المستقل وتقدر الحياة الإنسانية.

ناشط حقوقي سوري

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “إم. سي. تي. إنترناشونال”

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى