صفحات الناسوليد بركسية

ثوار يسعفون ضحايا كفريا والفوعة: سوريون يساعدون سوريين/ وليد بركسية

 

 

للمرة الأولى منذ انطلاقة الثورة السورية، تنجح المعارضة في الاستفادة من نشر الصور عبر مواقع التواصل والإعلام لصالحها ببراعة، مستبدلة أسلوبها السابق، القائم على استدرار الشفقة من العالم أو لعب الدور-الكليشيه للضحية.. إذ نجحت مؤخراً في تظهير صفة البطولة الإنسانية لأعضائها وفِرقها ومقاتليها، بشكل يظهر جانباً أكثر إثارة للإعجاب والتعاطف مع المعارضين للنظام، لسبب بسيط هو أن العالم يقع دائماً في حب الأبطال الشجعان أكثر من تضامنه مع ضحايا الشر الذين يشكلون في الميديا والفن “رتوشاً” تصنع هالة البطل.

الحديث هنا عن الصور التي انتشرت بعد التفجير المروع لحافلات المدنيين الخارجين من بلدتي كفريا والفوعة، في حي الراشدين غربي حلب، فيما يقوم ثوار مسلحون وناشطون إعلاميون معارضون وأفراد من فريق الدفاع المدني السوري “الخوذات البيض” بإسعاف المصابين منهم، رغم الاختلافات الطائفية والسياسية بين الجانبين، وهي صور غير مسبوقة في مشهدية الحرب السورية البصرية.

وتتمحور الصور حول نقطتين أساسيتين متداخلتين، تربط بينهما فكرة الطائفية التي تشكل الإطار العام في المخيلة العامة حول الثورة السورية بعد تحولها للأسلمة. فمن جهة تسعى المعارضة “السنية” إلى التبرؤ من دماء التفجير الطائفي الذي راح ضحيته مدنيون “شيعة”، ملقية بالمسؤولية فيه على إجرام النظام، من دون تصريح فعلي رسمي بذلك، ومن جهة أخرى تسعى إلى درء الاتهامات بالطائفية ودعم الإرهاب التي روجها النظام وحلفاؤه عبر ماكينة البروباغندا المحلية والعالمية المرتبطة بهم، حول فريق الدفاع المدني “الخوذات البيض”، بعد ترشيحهم لجائزة “نوبل” وفوز فيلم وثائقي عنهم بجائزة “أوسكار” مؤخراً.

والحال أن رسم صورة الأبطال، للثوار والناشطين الإعلاميين، سابقاً، لم يتخط النطاق المحلي أبداً إلا في استثناءات نادرة، وذلك لأن الثوار والناشطين كانوا يكافحون دائماً من أجل جانب واحد متعلق بهم في النهاية كجزء من الصراع الطويل الذي جعله يترسخ بشكل مقصود أو غير مقصود، على انه صراع بين قوى متكافئة، على السلطة. لكن صورتهم اليوم باتت تتعلق بدفاعهم عن الإنسانية كلها، بما في ذلك الطرف الآخر من المدنيين المنتمين إلى معسكر النظام، دينياً وسياسياً وطائفياً وفكرياً. وفريق “الخوذات البيض” تحديداً يظهر بصورة تنافس “الهلال الأحمر” السوري، كمنظمة تدافع عن المدنيين والإنسانية، من دون انتماءات دينية وطائفية وسياسية مسبقة.

ومنذ بداية الحرب السورية كانت صور الضحايا والموت والدم والعنف هي الطاغية على المشهد البصري، تحديداً من ناحية إعلام المعارضة وناشطي الثورة الذين نشروا صور الفظائع المرتكبة في البلاد، لإيصال الحقيقة الغائبة من جهة، وتحريك شيء من بقايا الإنسانية لدى المجتمع الدولي والرأي العام العالمي من جهة ثانية، كدعوة للوقوف إلى جانب الطرف الضعيف والمحق، في حربٍ ربما تبدو لمتابع من بعيد، حرباً متكافئة، وليست حرباً ضد نظام قمعي مدعوم بجيوش من دول كبرى و78 ميليشا طائفية ضد المعارضين له، بما في ذلك مئات آلاف المدنيين السلميين.

وقد أثبتت الاستراتيجية الإعلامية الجديدة (وهي تنقل الحقيقة فعلاً) جدواها، بوصولها بسرعة إلى العالم. وذلك، مثلاً، في رسوم سريعة للفنان الأميركي مارك نيلسون، مساء السبت، بطريقة تذكر بـ”الكوميكس” التي تدور في عالم الأبطال الخارقين مثل “سوبرمان” أو “باتمان” المدافعين عن العدالة من دون انتماءات مسبقة، مع عنوان بارز: “سوريون يساعدون سوريين”.

يعاكس الموقف الجديد ما يقدمه النظام عموماً من شماتة من مواليه وإعلامه في كل مجزرة كانت ترتكب بحق المدنيين في مناطق معارضة، وهنا يظهر الفارق بين جانبي الصراع، وليس من شأن ذلك استمالة تأييد أوسع للمعارضين المعتدلين من قبل المجتمع الدولي فقط، بل أيضاً يعلن وجود تلك المعارضة المعتدلة، في وقت يتم فيه وصف المعارضة عموماً بإنها “إرهابية” أو مرتبطة بتنظيمات تكفيرية مثل “القاعدة”، وخصوصاً في إدلب، وهي أفكار نشرتها بروباغندا النظام ودبلوماسيته على مر السنوات الماضية، بموازاة تحويل إدلب من قبل النظام إلى مساحة جغرافية صغيرة محاصرة يتم نقل جميع المعارضين للنظام إليها عبر اتفاقات “المصالحة” في مناطق أخرى (داريا، المعضمية، الزبداني، مضايا، ..).

يرتبط ذلك مع كون التفجير يشكل بداية لمعركة إبادة إدلب، وهي دعوات بدأت تتكرر في كتابات الموالين للنظام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت يتحدث فيه الإعلام العالمي عن ضرورة بدء معركة إدلب بموازاة معركة الرقة (نيويورك تايمز، فايننشال تايمز، فورين بوليسي،..) وإن كان الحديث يتمحور هناك حول ماهية الدور الأميركي في تلك المعركة ضد “القاعدة” وفروعها المحلية، بين خوضها بشكل مباشر أو تفويض الروس للقيام بها، أو بين دعم “بقايا المعارضة المعتدلة” ضد الفئات المتطرفة وضد النظام أيضاً.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى