صفحات سوريةمحمد زهير كردية

ثورةٌ على الثورة

 

محمد زهير كردية *

ما نراه اليوم من مشاهد دموية وانتقامات طائفية ورسائل دينية سلفية إلى غير السلفيين، يجعلنا نعيد مونتاج فيلم الأحداث المعروض في مخيلتنا، الذي يتحدث عن بطولة الثوار السوريين السلميين وأعدائهم النظام والجهاديين السلفيين، والمسوقين معارضة النظام المرتزقة والممولين الدول الأخرى الراعية لتجارة الإنسان.

بعد تحول أعداد كبيرة من الشبان والشابات السوريين إلى صحافيين وإعلاميين ومؤرخين وممرضين ومغنين ورسامين وشعراء، وحتى استراتيجيين، وذلك رغبة منهم بنقل الأحداث وتغطيتها وتسجيل التاريخ وتوثيقه بالطرق السابقة، تأتي مجموعات سلفية متطرفة تقاتل النظام وتقتل أكبر عدد من أفراده ولكن، بالتناسب طرداً مع قتل الأبرياء والمدنيين بالأعداد والطرق، لتشوه ما بني سابقاً، وباسم الجهاد في سبيل الله والتجهيز لمملكة إسلامية متعددة الإمارات.

وكأن الشعب السوري أراد هدم النظام الأسدي لينتصب مكانه وعوضاً عن ذلك النظام البائد والمجرم نظام ديني سلفي يقوم على دستور وأحكام الشريعة الإلهية. أحكام لم نسمع بها في أي كتاب أو نص سماوي، ذلك أننا لا نرى تلك المجموعات إلا وهي تقيم الحدّ على أحدهم، ضاربةً بالوطنية السورية عرض الحائط، أو تقوم بسجن أحمد بداعي أن أخته خرجت تشتري الخبز من دون أن تضع غطاء للرأس في إحدى قرى ريف حلب، ويجبرونها على الزواج بأحد الأمراء في تنظيماتهم وكأنها حورية أو جارية في العصر الجاهلي أو في الجنة المنتظرة، ناهيك عن الإعدامات الميدانية لمن يلقى القبض عليهم. هذا حقيقة لا تذكرننا إلا بنشأة الإسبارطيين ممن يدربهم آباؤهم منذ الطفولة على القتل والوحشية تجاه الغير، وغير ذلك من فظائع يسجلها التاريخ.

ليس ثمة مبرر واحد يجعل الثورة تتحول إلى معركة دينيّة جهاديّة تصل بنا إلى تخوم الاقتتال الطائفي والأهلي، بما في ذلك التبرير والتلطي بعنف النظام الذي لا نختلف على ضرورة رحيله كما على درجة عنفه وإجرامه. التبرير لارتكابات تلك المجموعات وغض النظر عن ممارساتها يستوي شراكةً في هدر الدماء وإطالة أمد القتل والعنف والتنكيل بالإنسانية. إنها مجموعات تكفيرية وغريبة عن الجسد السوري، لكنها تنمو وتتمدد وتزداد ارتكاباتها شناعةً، وهذا نذير عذابات مقبلة وإن سقط الأسد غير مأسوف عليه.

* ناشط سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى