صفحات العالم

ثورة إيران: مراوحة في النقطة صفر/ حازم صاغية

لم تستطع السلطة الإيرانيّة، مع الاحتفال بمرور 35 عاماً على قيام الثورة الخمينيّة، أن تتخفّى على معضلة الحيرة والتضارب.

فقبل أيّام على حلول الذكرى، طالب الوليّ الفقيه والمرشد الأعلى علي خامنئي متشدّدي النظام بـ “التساهل” حيال النهج التفاوضيّ الذي يمثّله رئيس الجمهوريّة حسن روحاني ووزير خارجيّته محمّد جواد ظريف. بيد أنّ المرشد خامنئي، وفي المناسبة ذاتها، شنّ هجوماً شرساً على الولايات المتّحدة الأمريكيّة وسياستها، ما اعتُبر ترسيماً للحدود التي ينبغي أن لا يتخطّاها ثنائيّ روحاني – ظريف في “نومهما” مع العدوّ. وبالفعل فهم رئيس الجمهوريّة ما هو مطلوب منه، وهو قائد الجناح الأضعف، فألقى خطاباً متصلّباً، يوم الاحتفال بالذكرى، يُستبعد أن يكون جدّيّاً فيه. ولأنّ الأمر كذلك، كتب متابع للشؤون الأمريكيّة من واشنطن: “المسؤولون في واشنطن يُظهرون تفهّماً للضغوط التي يتعرّض لها الثنائيّ روحاني – ظريف من القوى المتشدّدة في الداخل، ويتبرّعون بالقول إنّهم لن يردّوا علناً على التفسيرات الصادرة عن روحاني وظريف، والتي تناقض التفسيرات الغربيّة لمعنى الاتّفاق الموقّت وشروطه، لتفادي إضعاف هذين المسؤولين أمام المتشدّدين أو إحراجهم أمام الرأي العامّ”.

وعلى العموم، فبعد 35 سنة على الثورة يبدو أنّ الأمور الأساسيّة التي تشكّل شرعيّة تلك الثورة ومبرّرها التاريخيّ لا تزال موضع تجاذب وخلاف. والمسألة ليست تبايناً حول بند من بنود السياسة الاقتصاديّة، أو حول تأويل ثقافيّ أو فقهيّ ما. إنّها تطال الموقف من “الشيطان الأكبر” وكيفيّة النظر إليه والتعاطي معه. ولا بأس هنا بالتذكير بأنّ أحد الأفعال الأولى التي أقدمت عليها ثورة 1979 وسلطتها كان الاستيلاء على السفارة الأمريكيّة في طهران، الموصوفة بأنّها “وكر الجواسيس”، واحتجاز العاملين فيها.

والحال أنّ التضارب والحيرة اللذين ينفجران الآن، ويتّخذان شكل تهم حادّة يتقاذفها جناحا السلطة في طهران، ليسا جديدين تماماً. ففي هذه الخانة يمكن إدراج السياسة التي اتّبعها المهدي بازركان، رئيس الحكومة الأولى بعد الثورة، من دون أن تلقى استجابة إيجابيّة من الخميني وراديكاليّي النظام. والشيء نفسه يصحّ، بهذه النسبة أو تلك، في سياسات أبو الحسن بني صدر، أوّل رئيس لجمهوريّة إيران، الذي انتهى لاجئاً في باريس، فضلاً عن قطب زادة الذي أُعدم، وابراهيم يزدي الذي نُحّي جانباً وسواهما. وإذا كان من الصعب نسيان صفقة “إيران – غيت” الشهيرة، إبّان الحرب الإيرانيّة – العراقيّة، والتي ارتبطت شخصيّاً باسم هاشمي رفسنجاني، فإنّ الرئيس السابق محمّد خاتمي لم ينج من التُّهم التي أخذت عليه الذهاب بعيداً في التنازل والتفريط.

وقصارى القول إنّ الثورة الإيرانيّة لم تكن مرّةً موحّدة الرؤية حيال المسألة هذه، وإن كان التضارب الذي نشهده الآن أوضح منه في أيّ وقت سابق. لا بل قد يجوز القول إنّ حالات التشنّج والتطرّف البالغة التي تعبّر عنها طهران أحياناً لا تنفصل عن هذا الخوف الخفيّ من الذات المنفصمة، أو النفْس “الأمّارة بالسوء”. فمن المعروف جيّداً أنّ اثنين من كبار القادة التاريخيّين للثورة والسلطة، أي مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي، كانا على رأس “الانتفاضة الخضراء” في 2009، وهما لا يزالان حتّى اليوم قيد الإقامة الجبريّة. ويدرك متشدّدو السلطة أنّ ثمّة قاعدة واسعة جدّاً في إيران، لا سيّما بين شبيبتها، متحمّسة للانفتاح الواسع على الثقافة الأمريكيّة استهلاكاً وثقافة وموسيقى وتقنيّات تواصل اجتماعيّ. وقد أضافت عقوبات السنوات القليلة الماضية قاعدة أوسع تسعى للخلاص بأيّ ثمن كان من النتائج الاقتصاديّة والمعيشيّة المترتّبة على تلك العقوبات.

هكذا فإنّ انقضاء ما ينوف عن ثلث قرن لم يحلّ المشكلة التي ترقى إلى علّة وجود الثورة وسلطتها، بل فاقم تلك المشكلة. فإذا أضفنا المسائل الاقتصاديّة والاجتماعيّة، والفساد الفلكيّ، والعلاقة بين القوميّات والإثنيّات العديدة، والأزمات الناجمة عن فائض الولادات في ظلّ عجز الاقتصاد عن التلبية، بات من المفهوم أن يتساءل المعارضون الإيرانيّون في منافيهم الكثيرة: لماذا كانت هذه الثورة أصلاً؟

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى