صفحات مميزةعلا شيب الدين

ثورية رعاعية سياسية ونفعية/علا شيب الدين

1

أما الثورية، فهي لغة “إما النصر وإما الشهادة” ولا ثالث لهذين الاحتمالين. إضافةً إلى ثوريتها، هي منطقية أيضاً، مسنودة إلى أحد القوانين التي يخضع لها العقل. أعني، قانون “الثالث المرفوع”، حيث لا وسط بين الوجود واللاوجود، بين الحرية ونقيضها.

لما كانت الحرية تتأدّى، بحكم طابعها المرن والحيويّ، إلى نفي كل ما يناقضها من قمع وعنف وتصلّب وتشدّد؛ فإنك على خطأ عظيم من أمرك حين تقول: إن الحرية “مطلب” الثوّار. إذ كيف يمكن الحرية أن تُطلَب ممّن اندلعت الثورة ضدّه، وممّن يختزن في داخله كلّ نقائض الحرية؟! حُكِمت سوريا بعلاقة “سيّد وعبد” عقوداً طويلة من الزمن؛ لذا لا يصحّ منطقيّاً، وتاريخيّاً، وواقعيّاً، أن “تُطلَب” الحرية من أسياد حكموا البلاد والعباد بالحديد والنار (عائلة الأسد). السيِّد والعبد كلاهما يستقي وجوده من وجود الآخر، وإذا ما اختفى أحد طرفَي هذه الثنائيّة، اختفى الطرف الآخر تلقائيّاً، كون العلاقة التي تجمعهما، علاقة تضايُف، إذ لا يُفهم أحدهما إلا من خلال الآخر. لمن الأجدر بمَن عومل معاملة العبد (الشعب السوريّ)، أن يثور على سيّده لا أن “يطلب” منه حرية غير موجودة لديه أصلاً. ثم إن الحرية لا تُعطى ولا توهَب منّةً من أحد، كونها نسغ الحياة الإنسانية، وبما أنها لا تُعطى؛ فإنه لا يمكن طلبها كموضوع خارجيّ يدلف على الإنسان/الفرد من خارج وجوده.

تؤكد اللغة الثورية أن الثورة السورية ملك للشعب السوري. سيبقى أهلوها مخلصين لدماء شهداء الحرية والكرامة، مناضلين في سبيل نيل الحقوق ومحاسبة المجرمين والقتلة، مستمرين في الثورة، في ظل مؤتمر جنيف وفي غيابه. فقد عُقد من قبلُ الكثير من المؤتمرات والندوات والاجتماعات، من دون أن يكون لها أدنى تأثير في استمرار الثورة وزخمها، وإصرار الثائرين والثائرات على إسقاط النظام ورئيسه، ونيل الحرية وتقرير المصير، ومن ثم، “ستعود ثورتنا كما بدأت، وكما كان عزاؤنا بها حين خذلنا العالم، طاهرة كأغطية الصلاة، وصادقة كدموع الثكالى والأرامل…”، بحسب ما ظهرَ في صورة تداولتها صفحات الثورة، تكتب فيها صبيّة هذه الكلمات على حائط في إحدى المدن السورية الثائرة، خاتمةً كلماتها بتوقيع “اتحاد طلبة سوريا الأحرار”.

2

لم يكن وفد الأسد، في لغته الرعاعية، خارجاً على مألوفه الانتهازي والاستفزازي. فرئيس الوفد، لطالما تحدث بلغة رعاعية، غير متناغمة مع وظيفة يُفترض أنها عامة وديبلوماسية. منها على سبيل المثال لا الحصر، قوله في أحد مؤتمراته الصحافية: “القافلة تسير والكلاب تنبح”، أو ردّه المتعجرف – كما هي عادة النظام ورجالاته- عندما سُئل مرّة عن الأزمة السورية التي كانت في بداياتها: “أي أزمة؟”، ناهيك بعقده العزم على “حذف أوروبا من على الخريطة”. رئيس الوفد هذا، ضرب عرض الحائط، بالبروتوكولات والأدبيات الديبلوماسية، في “جنيف 2″، عندما راح يسرد سرداً لا معنى له ولا قيمة، متجاوزاً الوقت الذي طالما حدده رئيس الجلسة الافتتاحية، الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لكل طرف، لكي يدلي بدلوه. على رغم قرع الجرس، الذي كان يُخطره بأنه تجاوز الدقائق المعطاة له، ظلّ يسرد ويستطرد، حتى استغرق من الوقت 34 دقيقة. الخروج على قانون تلك الجلسة، الذي بدا مستغرَباً ربما بالنسبة إلى مَن ليست لديه خبرة كافية بهذا النظام، لم يكن كذلك بالنسبة إلى السوريين الذين طالما خبروا “خروجه على القانون” على مرّ عقود طويلة من الزمن.

الرعاعية في الخطاب الخارج على قانون (وقت) الجلسة، بدت جليّة في عبارات من قبيل: “جئنا لننقذ سوريا ونوقف زحف التتار والمغول إلى المنطقة ونمنع انهيار الشرق الأوسط كله”، وغيرها الكثير. على صعيد الشكل، تجلّت الرعاعية في استعمال المطران والمرأة السافرة، استعمالاً شعبوياً، أداتوياً وضيعاً، من شأنه التسويق للنظام بأنه “حامي الأقليات” و”حضاري” يحترم المرأة ويقدّرها، ناهيك بتخوين الوفد المعارض، ونسب الوطنية إلى نفسه، وادّعاء التمثيل الشرعي للشعب السوري، والحرص على سوريا، وغير ذلك مما يعرف السوريون على وجه التحديد، أنه محض كذب. أُريدَ من ذلك كله وغيره، مما ليس هنا مجال التفصيل فيه، الكثير من الأشياء، منها “إحراج” الخصم، أي وفد “الائتلاف” السوري المعارض، واستفزازه، ووضعه في موقف مربك، وكسب الموضوع الذي يُثار حوله النزاع، تالياً.

قضية “وفد الأسد”، هي بقاء الأسد في السلطة، وفي ما عدا ذلك “شكليّ” بالنسبة إليه. فمناقشة فكّ الحصار عن المدن والبلدات السورية المحاصَرة، وإطلاق المعتقلين، ووقف إطلاق النار، والقتل، وكل ما يتصل بالشؤون الإنسانية، يندرج ضمن “الشكليات” بحسب لغة سفير الأسد لدى الأمم المتحدة، في تصريح له إلى الصحافة في اليوم الرابع للمؤتمر. هذا نموذج آخر من نماذج اللغة الرعاعية، لكن المفارقة المرّة هنا، أنه حتى “الشكليات” لم يجر تنفيذها، فظلت المدن تُقصَف بالبراميل المتفجرة، وظل الحصار الذي طالما فتك بالناس وأماتهم جوعاً ومرضاً، قائماً. إذ هناك مثلاً أكثر من 14 حياً من أحياء حمص القديمة لا تزال محاصَرة، وبحسب ناشطين، هناك فقط في حي الوعر، نحو 400 ألف مدني مقطوع عنهم الدواء والماء والغذاء وكل شيء. وثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 206 مدنيين برصاص قوات النظام بينهم 44 قضوا تحت التعذيب خلال ثلاثة أيام منذ بدء “جنيف 2”. أما عدد موتى الجوع في مخيم اليرموك بجنوب العاصمة دمشق، الذي يحاصره نظام “الممانعة” المتاجِر بالقضية الفلسطينية، فارتفع بعد خمسة أيام من انطلاق المؤتمر، إلى 80 شهيداً، بحسب ناشطين ميدانيين، وإعلاميين. أيضاً، ليس هذا بالأمر الجديد بالنسبة إلى السوريين، إذ لطالما خرقَ النظام سابقاً كل الاتفاقات والهدنات، منذ أيام بعثة المراقبين العرب برئاسة الدابي، وصولاً إلى الهدنة التي طرحها الإبراهيمي في عيد الأضحى لعام 2012 في شأن وقف إطلاق النار، مروراً بخطة المبعوث الدولي السابق إلى سوريا كوفي عنان، في شأن سحب كل المظاهر المسلحة من المدن ووقف إطلاق النار، والخروق التي استمرت لاحقاً في أيام بعثة المراقبين الدوليين برئاسة مود. لماذا لا يوقف النظام حربه على الشعب السوري؟ لأنه بذلك، يقتل نفسه، فهو يستمد “حياته” من الحرب واستمرارها. رجالات النظام ليسوا بساسة، ولا برجال دولة وحُكم. هم يفهمون السياسة، على الصعيد الداخلي، كخيّال وخَيْل. هُم الخيّال الذي “يسوس” الشعب السوري الذي يعتبرونه خَيلاً يركبونه، أما على الصعيد الخارجي، فيفهمونها “لعبة قذرة”. ليس لديهم مشكلة في تنكيس رؤوسهم أمام كل ما هو خارجي. أما السيادة، فعلى العدوّ الداخلي فقط، على الشعب السوري المسالم، الحضاري. ترى، كيف لعاقل أن يستوعب، ذاك التهريج من شخص، يُفترض أنه رجل دولة، وزير إعلام، لا مصفّق لرئيس لا شرعي، لا منتخَب، ورث حكم الجمهورية عن أبٍ انقلابيّ، قتلَ وهجّرَ وشرّدَ وذبحَ ودمّرَ، عندما انضمّ إلى متجمهرين هاتفاً في المدينة التي ينعقد فيها المؤتمر المذكور: “الله سوريا بشار وبس”، صائحاً في وجه الصحافيين: “الأسد لن يرحل”، وصامتاً مطأطئأ أمام سؤال صحافي، كان يصرّ بلهفة ممضة، على المعرفة منه، لماذا لا يقصف النظام مقار تنظيم “داعش”، بينما يرمي بالبراميل المتفجرة على الشعب السوري، ويقول له في اللهجة العامية: ” ليش ما عبترد؟ بَس بِتْصَرْحو بالّلي بَدكن ياه”؟!

اللغة الرعاعية، وثيقة الصلة بذهنية لا تحاوِر، لا تفاوِض، ولا توافق على أن هناك آخَر، وهذا الآخر له الحق في المشاركة في حكم البلد وإدارته، وبنائه سياسياً، مدنياً، إدارياً، اقتصادياً، وثقافياً، بل تعتبر أن السلطة والثروة والبلد والناس، ملكٌ شخصيّ لفئة واحدة، وحيدة يجب أن تحكم “إلى الأبد”. ذهنية “كل شيء” هذه، تلائمها “حكومة وحدة وطنية” تنتقي فيها “آخَرَها”، أما الآخَر الحقيقي، الندّيّ، فلا يمكنها التفاعل معه، كونها أصلاً لا تعرف الحوار، ولا الآخر. هي منفصلة عن الحياة، والواقع باعتبارهما كثرة، وغائبة في عالم “الأبدية” السديميّ. لذا لا يمكن هذه الذهنية لا أن تعترف بشيء اسمه “هيئة حكم انتقالي” فيها آخَر حقيقي، ندّي، ولا أن تعرفه.

3

لمّا كان “وفد الأسد”، قد قصد في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، “إحراج” وفد “الائتلاف” السوري المعارض، واستفزازه، فإن هذا الأخير، أظهر مهارة عالية، في الردّ على الإحراج، بـ”إحراج مضاد”، انطلق من رباطة الجأش، والمحافظة على الهدوء، واستعمال لغة سياسية، عبّرت عن حسّ عالٍ بالمسؤولية تجاه سوريا والشعب السوري. فـ”وقت السوريين من دم” حسبما عبّر رئيس الوفد المعارض، أحمد الجربا، الذي التزم الوقت المعطى له، واحترم حضور الآخرين، من خلال خطاب سياسي رشيق ومختصر، لا يزايد على الآخرين، لا يتّهِم ولا يشتم. بدلاً من استحضار نماذج همجية من الماضي الغابر السحيق كالمغول والتتار، جلب وقائع من صميم الحدث، تُظهِر وحشية “معاصرين” يتشدّقون بالرقي والتحضر والتمدن، كواقعة الشهيد الطفل حمزة الخطيب في درعا، أو الشهيدة الطفلة هاجر الخطيب في حمص، أو الشهيد الشاب غياث مطر في داريا بريف دمشق، وهو رمز من رموز الثورة السلمية المقترنة بالورد والماء الذي طالما قُدّم لعناصر جيش يدافع عن طاغية، كان يقابل غصن الزيتون بالرصاصة! كما عمد، رئيس وفد “الائتلاف” إلى إظهار الوجه الحقيقي للثورة السورية أمام العالم. الوجه الوطني، الأخلاقي المشرِّف، ضارباً في سبيل ذلك أمثلةً من عناوين جُمع الثورة “جمعة صمتكم يقتلنا. جمعة الأب باولو. جمعة صالح العلي. جمعة سلطان الأطرش. جمعة آزادي”. وصلَ “الإحراج المضاد”، قمّته، بعدما انتهى رئيس الوفد السوري المعارض من الحديث عن آلام السوريين ومعاناتهم وكوارثهم جراء ما يرتكبه النظام في حقهم من جرائم، وأكد “الموافقة على مقررات “جنيف 1” الذي طالما وافق عليه جميع الحاضرين”، ثم دعا وفد الأسد، لأن “يتحول من وفد بشار إلى وفد وطني سوري” وأن “يوقّع فوراً وثيقة جنيف1”.

اللغة السياسية لوفد “الائتلاف” السوري المعارض، المعبّرة إلى حد كبير عن الثورة، تتجلّى في الحديث الدائم عن ضرورة نقل السلطة، والانتقال بالبلاد من نظام مستبد إلى نظام سياسي ديموقراطي، يُحتكَم فيه إلى صناديق الاقتراع، وفي التعاطي الواضح والجدّي مع “جنيف 2” كآلية لتنفيذ بنود وثيقة “جنيف 1” الصادرة في حزيران 2012، وأهمها تشكيل “هيئة حكم انتقالي” بصلاحيات كاملة، واستبعاد الأسد وكل رموز نظامه، وكل الذين تلطّخت أيديهم بدماء السوريين. من خلال التذكير الدائم بالمادة 21 من القرار رقم 2118، الصادر عن “مجلس الأمن” الذي يفيد بأن إخلال أي طرف من طرفي التفاوض، أو إعاقة عملية التفاوض، يؤدّي إلى إحالة الملف السوري على مجلس الأمن مجدَّداً، لكي يُتخذ عندئذ، قرار تحت الفصل السابع.

ليست السياسة “لعبة قذرة” بالضرورة، إنما هي حاجة من حاجات الاجتماع البشري، وضرورة للتأليف بين المصالح المتنازعة في المجتمع، كما أنها صورة للحضارة وعنوان للمستوى التنظيمي الذي بلغه المرء، إذ السياسي المهم هو ذاك الذي يرتقي بالسياسة من مستوى “فنّ وضيع” إلى مستوى الفنّ الخلاّق لا التكالب على المكاسب. هكذا، عرّى “جنيف 2” نظام الأسد أمام العالم أجمع. النظام الذي تبيّن أنه لا يجيد السياسة، وليس مفاوضاً “فذّاً” كما كان يُروَّج له بشكل دعائيّ. وحدها لغة العنف والإقصاء يفهمها، أما ربطات العنق وغيرها من الإكسسوارات التي توحي بأنه نظام سياسي، ويريد حلولاً سياسية للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، فهي ما تدحضه يوميات القتل والمجازر والتدمير الممنهج لسوريا أرضاً وشعباً.

اعتاد الجميع على رؤية هذا النظام، محتلاً المنبر الدولي، منفرداً بالحديث عن سوريا والشعب السوري في المحافل الدولية، وفق لغته الرعاعية، ووفق ما يلائمه هو فحسب. بيد أن “جنيف 2″، أتاح، للمرة الأولى، أن يكون هناك صوت آخر أكثر قرباً من السوريين والسوريات، يعبّر عنهم إلى حد كبير، من على المنبر نفسه. يُعتبر هذا مكسباً للثورة، من شأنه التعريف بها بشكل أوضح وأدق، بعد كل التضليل الذي طالما مارسه نظام الأسد ولا يزال.

في “جنيف 2″، حاول النظام “الهروب من بين قَرنَيّ الإحراج”، أي من بين طريقين غير مرغوب فيهما. تطبيق الاتفاق في شأن الملف الإنساني من جهة، وتشكيل “هيئة حكم انتقالي” في ما يخص الملف السياسي، من جهة أخرى، عبر السعي إلى حرف المؤتمر عن مساره، في اتجاه “مكافحة الإرهاب”، قاصداً بذلك استمالة الغرب بشكل رئيسي، مثلما يقصد من كلامه الدائم عن “حمايته الأقليات” استمالة مؤيديه في الداخل. أيضاً، يراهن النظام على انسحاب وفد “الائتلاف” السوري المعارض، عبر انتهاج “سياسة” الإغراق في التفاصيل، بيد أن وفد “الائتلاف”، بدا مصراً على التصدّي للشيطان الكامن في التفاصيل، عبر مواجهته بلغة سياسية، وبـ”الكليّ” الذي لن يسمح بتجزيئه، أي تشكيل “هيئة حكم انتقالي” بصلاحيات كاملة، ورحيل الأسد ونظامه عن السلطة، بل محاسبتهم عن كل الجرائم التي ارتكبوها، نزولاً عند ثوابت الثورة. مستفيداً في سبيل ذلك، من المزاج الدولي شبه العام، الذي يبدو أنه بات مجمِعاً على ضرورة تشكيل “الهيئة” المذكورة.

4

يحتاج “المجتمع الدولي”، على ما يبدو، إلى مؤتمر “جنيف 2″، والحاجة هنا من شأنها التعاطي مع المؤتمر وفق لغة نفعية، براغماتية، لا تسمح بانتهائه سريعاً، على الأقل ريثما يتم الانتهاء من نزع السلاح الكيميائي (مثلاً)، وقد عبّر عن هذا التكتيك الذي من شأنه التمهّل والتريّث، بل الإبطاء، الوسيط الدولي، الإبراهيمي، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في خامس أيام المؤتمر، ما دفع ربما، بأحد الصحافيين، إلى سؤاله إنْ كان في إمكانه أن يحدّد جدولاً زمنياً لهذه المفاوضات.

لا يبدو أن “المجتمع الدولي”، وهو مستغرق في التنقيب عن مصالحه، خصوصاً الأميركان والروس، يعنيه عدم التزام النظام تعهداته في ما يخصّ إطلاق المعتقلين، وفكّ الحصار عن المدن والبلدات والأحياء المحاصَرة، وإيصال المساعدات الإنسانية إليها، ووقف إطلاق النار، مثلما لا يعنيه نعت “وفد الأسد” الأطفال والنساء في الأحياء المحاصرة بالإرهاب والجاسوسية! أو نفي نائب وزير خارجية الأسد، وجود أطفال في سجون النظام. مع أن النظام، نفى في وقت سابق وجود أسلحة كيميائية لديه، ثم اكتُشف أنه يمتلك ترسانة ضخمة من هذا السلاح المحرَّم دولياً، والذي استخدَمَ جزءاً منه في ضرب غوطتي دمشق في 21 آب الماضي. لم يعنِ المجتمع الدولي آنذاك، سقوط أكثر من 1600 شهيد، بل كان، ولا يزال معنياً، انسجاماً مع “النفعية” المذكورة، ونفعية إسرائيل بشكل خاص، بنزع السلاح الكيميائي السوري، ومتابعة الملف النووي الإيراني متابعة حثيثة.

لا يبدو أيضاً، أن “المجتمع الدولي” يعنيه، وهو يوغل في التعامل مع طرفَي الصراع في سوريا، كطرفين متوازيين في القوة والعنف، أن “الجيش السوري الحر” ليس مسلحاً تسليحاً نوعياً كافياً، ويفتقر إلى كل ما من شأنه صدّ عدوان النظام الذي يدعمه حلفاؤه، دعماً غير محدود، صدّاً حقيقياً. أو أن هناك عنفاً عارضاً وطارئاً، وآخر ممنهجاً يمارسه النظام بمكر وخبث حقيقيَّين، أو أن في سجون النظام، معتقلي رأي، وسياسيين، ومدنيين ونساء وأطفالاً، بينما في سجون “الجيش السوري الحر” أسرى حرب، لا مدنيون.

أما تصريح زعيم تنظيم “القاعدة”، في شأن “وقف القتال بين الفصائل الإسلامية المتقاتلة في سوريا”، في اليوم التالي لانطلاق “جنيف 2″، فأظن أنه لا يحتاج إلى الكثير من إعمال العقل حتى يُفهم إلى أي لغة من اللغات المذكورة آنفاً ينتمي، وأي جهة يخدم ذلك التصريح “الموقَّت” جيداً.

٭ كاتبة سورية

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى