صفحات سوريةغازي دحمان

ثوّار المشروع الأميركي؟/ غازي دحمان

 

 

ما يجري على الجبهات، وفي دوائر صنع السياسة للمعارضة، لم يعد يمت بهدف إسقاط النظام ولا بأي صلة، صرنا إزاء عملية، أو عمليات موضعية عبثية، لها أهدافها الخاصة بها، أو ربما صارت مرتبطة بترتيبات إقليمية ودولية، لا تمت لعذابات السوريين وأوجاعهم بصلة، ولا تضيف إلى رصيد نضالهم المرير أي جديد.

على جغرافيا الوجع السوري، الثورة السورية، التمرد السوري، وقل ما شئت، جبهات تترك لتموت وتذوي تحت الحصار، وجبهات تترك لمصيرها المجهول، وأخرى يحتاج بعضها إلى مجهود بسيط ودعم محدد ولا يصلها، ثوار عاطلون عن العمل ومحاصرون ينتظرون الخلاص بأي ثمن وشكل، حتى بات المرء يسأل ما الهدف من خريطة التشتت هذه وإلى متى؟ ولماذا لا تستطيع أطر الثورة تشكيل هيكيلية موحدة وبنية واضحة وطرق إمداد وموارد حقيقية! مع ملاحظة ان هذه التساؤلات نطرحها بعد ما يقارب من أربعة أعوام من إنطلاق الثورة ضد نظام الأسد!

يشير تحليل مسار الأحداث إلى أن أغلب القيادات العسكرية العاملة في الميدان هي قيادات لا رؤيوية، فهي إما خريجة مدرسة الأسد التي يغلب عليها الطابع البيروقراطي في العمل والميل الشديد إلى عدم المبادرة، وهي تستنسخ ما تعلمته من أساليب إدارة الأسد للصراع مع إسرائيل التي تميزت بالخنوع، أو تلك التي تتبع نهج التنظيمات الإسلامية ذات الطابع الانتحاري في عمليات موضعية من دون سياق استراتيجي واضح لها، وهي في الغالب تنظيمات مناطقية تعمل بشكل منفصل عن بقية القطاعات، ما يجعل عملها غير مؤثر في النتيجة النهائية للصراع.

اليوم ينضاف الى هذا الواقع المتهافت عامل جديد أدخله الحرب التي تخوضها أميركا ضد تنظيم داعش، حيث تعمل واشنطن على إعادة صياغة الميدان السوري ودمج أغلب قواه في هذا الجهد، وتحويل نشاطها للحرب على داعش، تحت ذريعة لا أحد يعرف كيف يمكن صرفها في عملية إسقاط نظام الأسد، وهي أن الحرب على داعش ستؤدي في المدى البعيد إلى إضعاف نظام الأسد، والغريب أن تطبيق هذه النظرية أتاح للنظام فرصة استعادة جزء كبير من المناطق التي سبق له أن فقدها ويعيد توصيل خريطة سيطرته ويسابق الزمن ليل نهار لإحلال معطيات معينة، سيكون مستحيلا تغييرها في المستقبل تحت أي ظروف!.

والغريب الآخر أيضاً، نمط التدريبات التي يجريها الغرب للقوات التي ستشكل البنية الجديدة للثوار السوريين تتوافق مع هدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية ، سواء لجهة الوقت الذي يستمر لسنوات من أجل تخريج دفعات مقاتلة فاعلة، وهو يتطابق تماما مع الوقت الذي وضعته أميركا للقضاء على التنظيم، أو لجهة الخطط والأدوات التي تركز على التصدي لقوات برية، من دون أن يكون ضمنها أي تدريب على دفاعات جوية، أو حتى من حيث العقيدة القتالية ذات الطبيعة الدفاعية، التي تركز على حماية الأرض من إحتلال داعش. والواضح أن أميركا تريد قوات على الأرض لصد داعش ودحرها وتريد المعارضة السورية أن تشتغل على هذا الموضوع وحسب، وتستنزف نفسها من دون ضمان لها بمساعدتها على إسقاط نظام الاسد. مع ملاحظة أن القوة التي ستدربها أميركا ستقتطعها من المواجهة مع بشار وزجها في مواجهات غير مفيدة.

بالطبع لا نلوم أميركا على أهدافها وأجنداتها، لكن أن يصبح الهم الوحيد» لممثلي المعارضة» هو البحث عن طرائق ترضي أميركا فذلك ما يثير الاشمئزاز، الثورات لا تحتاج لهذه المهارات، وحده النجاح الميداني يفرض على العالم البحث عن طرائق للتفاهم مع الثورة، ولولا التضحيات الأسطورية التي قدمها السوريون، ولولا هذا الإصرار العنيد على النصر، لما وجد العالم مشكلة في إعادة تأهيل الأسد، إذ يجب عدم المراهنة على أخلاقية السياسة الدولية، وثمة شعوب وثورات تم اغتيالها امام أعين العالم وإبادتها، والوقت ليس بمصلحة الثورة، يجب التركيز على مناطق استراتيجية والانتهاء منها ثم البناء على ذلك. هذا التشتت قاتل وغير مجدي أو مؤثر. وإطالة الوقت أمر خطير على الثورة ومستقبل سوريا، لأنه يؤدي الى التكيف مع أوضاع معينة ويؤدي الى ترسخ الفكرة عن سوريا ممزقة، وعلينا أن نتذكر أن في الصومال لم يحصل غير ذلك.

ليس من الأخلاق والمنطق، الطلب من السوريين الانخراط في مشاريع للحفاظ على مصالح أميركا في نفط بغداد وأربيل، وترك السوريين يموتون تحت براميل بشار من دون رحمة، وتلتهمهم إيران بخبث، ويستأسد عليهم حزب الله الذي يقتلهم، ويدعي أنه يقاوم الصهيونية. وليس من الأخلاق، تدريب المقاتلين السوريين على أشعة الليزر ليتحولوا إلى أدلاء للطائرات الأميركية لقصف مواقع داعش، فيما أهلهم يعيشون الذل والموت في كل لحظة، سواء اولئك الذين يقبعون في خيام اللجوء، أو الذين يختنقون تحت سلطة نظام الأسد.

ما تفعله قيادات المعارضة، وما تقوم به بعض القيادات الميدانية، ليس سوى وصفة لاستمرار الألم، ووصفة لعمل طويل، واستخدام من قبل قوى خارجية تنتظر نضوج تسويات وترسيخ ترتيبات، لكنها مكلفة على الصعيد الإنساني والعمراني، فيما الجسد السوري الذي يقذف أحشاءه ينتظره الذئب الإيراني لينهشه، فهل من يسمع؟

المستقبل

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى