صفحات الثقافة

جاذبية الشعر؟/ احمد بزون

هل لا يزال الشعر جذاباً؟

قد نكرّر مثل هذا السؤال في كل زمن وكل مرحلة، لكن الإجابات تختلف. وأكثر ما كان لافتاً، في صفحات الفيسبوك، عندما توسّعت المشاركات، ودخلت هذا البيت الاجتماعي أجيال مختلفة، ذلك الحضور المكثف للشعر، حتى خدعنا بأن الشعر عاد ليجدّد لقب “ديوان العرب”، فقد رأينا اندفاعاً غريباً لدى العامة نحو الشعر، كون كتابة الشعر تُغوي، ولقب شاعر لما يزل يشكل “بريستيجاً” محبباً لدى شريحة من النساء.

مع الفيسبوك ولد شعراء، أو برزت ظاهرة كتابة الوجدانيات على شكل قصائد، وتابع المريدون الشبان شيوخ الشعر، علّهم يرشفوا من قصائدهم بعض عسل الكلام. وكان الغزل الموضوع الأبرز، فالشعر كأس المغرمين، يسكبون فيه ما جادت به قرائحهم ولغتهم وتجاربهم.

لا بأس، فالعديد من كتّاب الفيسبوك المستحدثين تعلقوا بحبال الشعر، وتأرجحوا بها طويلاً، وأحياناً بشكل يومي، بل صار الشعر يشكل رسائل ملغّمة من حبيب لحبيبة أو العكس، أو حتى صارت كتابته أسلوباً في التقرب، أو التحرش، إذ يمكن لكاتب الشعر أن يستفيد من غموضه ورماديته، فيمشي على حافة “التهمة” من دون أن يقع فيها.

كتبتُ قصائد فيسبوكية، مثل العديد من كتاب الشعر، وحاولت أن يكون الغزل موضوعي الأثير، بل المثير، خصوصاً أنني لا أؤمن بالرومنسية التي تمجد ألم الحب وأحزان الفراق ولوعة الملتاعين بنار العشق. كان يمكن للغزل الإباحي، غير الفاضح بالطبع. كتبتُ قصائد غزل لفتت عدداً لا بأس به من الأصدقاء، لكن، مع ذلك، بقيتُ أطرح السؤال نفسه: هل عاد الشعر؟ ثم سألتُ: هل يمكن أن يبيع كتاب الشعر أكثر من الرواية بتأثير الفيسبوك وميول رواده، وكون القصيدة القصيرة مناسِبة لمرور الأصدقاء السريع على الصفحات أكثر من القصة أو الرواية أو حتى الكتابة الوجدانية النثرية؟

أتحدّث عن تجربتي لأكون أكثر بعداً عن التنظير المجرد. لذا جربتُ أن أهجر كتابة الشعر على صفحتي، وأذهب إلى النثر، وأهجر كتابة الغزل، مؤكداً كتابة الأفكار، أو إثارة أسئلة وإشكالات ثقافية، وقد كتبت عن سؤال أدونيس عن الكراهية مثلاً، ثم هروب تولستوي من زوجته في الثانية والثمانين من عمره، ومراهقة مبدعين كبار في سن متأخرة… فكانت النتيجة مفاجئة لي، إذ تضاعف المعلقون على النص وواضعو الـ”لايكات”.

لاحظت تجارب مماثلة لدى الآخرين، لكن التجربة الشخصية يمكن أن تضعنا أمام تحليل واقعي أكثر. فبعض من كان محجماً عن التعامل مع الشعر كان يهرب من الإحراج الاجتماعي لفصول الغزل الحارة، ثم إن بعض المتدينين كانوا يهربون خشية ارتكاب إثم، ولا ننسى أن عدداً من الناس لا يعنيهم الغزل فيترفعون عنه كونه لعباً يتنافى وجديتهم، أو صبوات لا تناسب وقارهم.

نعود إلى السؤال الأول، لنقول لا أحد يستطيع أن يُنكر جاذبية الشعر، لكن إشكاليات الحياة أكثر جاذبية!

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى