صفحات الحوار

جبر الشوفي: الأسد صار من الماضي والدعم الروسي لن يستمر طويلًا


حوار/ عبد الرحمن أبو عوف

محاولة مرفوضة للالتفاف على الثورة، وسلسلة من الأكاذيب التي تؤكد أن النظام المجرم يعيش أسيرًا للأوهام.. بهذه الألفاظ التي خرجت كالطلقات من فم المعارض السوري البارز والقيادي في المجلس الوطني السوري جبر الشوفي، وصف خطاب من يسميه بمن كان حاكمًا لسوريا، معتبرًا أن الأمر لم يزد عن كونه إعلانًا جديدًا للحرب ضد الشعب السوري.

ورغم أن الشوفي أبدى تفاؤلًا خلال حواره مع “الإسلام اليوم” بقدرة الشعب السوري في وجه إجرام الأسد، فهو لم يخْف أسفه للموقف العربي الذي بدا متواطئًا وكأنه يقدم فرصة للأسد لتصفية السوريين، فهذا الموقف لم يصل للحد الأدنى الذي يلبي طموحات الشعب السوري الذي يتوق له، لا لتدخل دولي، بل إلى ضمان قدر كبير من حماية المدنيين، حتى لو جاء ذلك عبر توفير مناطق آمنة أو حظر جوي، أو حتى وجود قوات عربية تفصل بين مجرمي النظام والمتظاهرين العزل.

وتساءل: عن أي مقاومة يتحدث الأسد في وقت لم تطلق طلقة واحدة من الجولان منذ أربعة عقود، وقد قصفت دير الزور وحلقت الطائرات فوق قصره باللاذقية. معتبرًا أن نظام الأسد صار من الماضي، ولن ينفعه الرهان على الدعم الروسي والصيني والتأييد الإيراني، خصوصًا أن هذه الدول ستراجع مواقفها مع استمرار الأسد في تلقي الضربات، واحدة تلو الأخرى.. وإلى تفاصيل الحوار..

ظهر بشار الأسد للمرة الرابعة من خلال خطاب حاول فيه توفير طوق نجاة لنظامه، وطرح ما اعتبره البعض رؤى إصلاحية..

خطاب من كان رئيسًا لسوريا لا يتجاوز كونه عملية تزوير مستمرة، ومحاولة للالتفاف على الثورة وتفريغها من مضمونها، دأب عليها النظام المتهاوي منذ فترة، وقد أعاد الخطاب الأزمة إلى المربع الأول، وقدم رسالة للعالم مفادها أن النظام ليس لديه سوى القتل والتصفية، واستخدام الشبيحة والقناصة لمواجهة الثورة، والتمسك باسطوانة مشروخة مفادها أن سوريا تواجه إرهابًا داخليًا من قبل تنظيمات راديكالية ومؤامرة خارجية، بل إنه أدخل الجامعة العربية وعددًا من دولها كشريك في هذه المؤامرة، رغبة منه في توظيف هذه المزاعم لإعمال القتل في شعبه، والاستقواء عليه بكل الوسائل، متغافلًا عن أن سياساته وانخراطه في محاور إقليمية وعلاقته الوثيقة مع إيران هي من جرّت على سوريا مثل هذه العزلة، فهو يحاول من خلال الخطاب أن يبدو قويًا ومتماسكًا وقادرًا على العصف بشعبه، وهذا أمر فشل فيه فشلًا ذريعًا، بل على العكس بدا مرتبكًا وغاضبًا.

ارتباك وتناقض

ما مظاهر هذا الارتباك الذي تتحدث عنه، خصوصًا أن هناك من اعتبر الخطاب محاولة للتخفيف من الضغوط الدولية والخارجية؟

الأسد طرح خلال الخطاب إمكانية الانخراط في حوار مع الإخوان المسلمين، غير أنه نعتهم في نفس الخطاب بإخوان الشياطين، وهو ما يشير لأزمة يضع النظام نفسه فيها، ويسعى لخداع وتعمية الشعب السوري وتضليله، رغم أن الحقائق واضحة، ولم تعد تخفى على أحد، فحديث الأسد عن إقرار إصلاحات مجرد مسكنات لن تنطلي على الشعب السوري الذي لفظ النظام، ولم يعد يقبل بأقل من إسقاطه، ومما زاد العجب أن الأسد تحدث عن انتخابات قاعدية، في وقت يسيطر النظام فيه على مفاصل الدولة، وعلى أجهزتها الأمنية، وعلى وسائل الإعلام، وعلى الاقتصاد، بشكل يقضي على أي فرصة لعقد انتخابات حرة نزيهة، فهذه انتخابات لا معنى لها، ولن تفرز أفضل من مجلس الكراسي المسمى منذ فترة بمجلس الشعب، ولذا فخطاب الأسد خارج إطار الزمن بشكل يعكس الغيبوبة التي يعاني منها الشعب السوري، بل بدا أنه إعلان حرب صريح ضد الشعب، لاسيما من جهة تشديده على الضرب من حديد على يد المتآمرين والمخربين، كأنه لا يدرك أن هناك ثورة لاقتلاع نظامه من جذوره.

لكن الأسد حاول دغدغة المشاعر من خلال الحديث عن القومية العربية والمقاومة والممانعة، وغيرها من المفردات..

لا أدري عن أي ممانعة يتحدث الأسد، وإسرائيل تعبث في الأراضي السورية منذ، 1973 دون أن تجد حتى من يردعها، بل إن موقع دير الوزر قُصف دون أن يستطيع النظام أن يتبنى أي مواقف سياسية أو دبلوماسية قوية -ولا نقول عسكرية- للتعاطي مع هذا العدوان، بل إن كل ما جرؤ عليه هو الحديث عن أنه لن يدخل الحرب في التوقيت الذي تريده إسرائيل، ولن يُجر لمواجهة على غير رغبته، بل إن الأمر زاد إذلالًا له حينما حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق قصره في اللاذقية، دون أن يحرك هذا الأمر ساكنًا، فأي مقاومة أو ممانعة يتحدث عنها، لذا فهذا الخطاب يؤكد أن النظام منعزل عن الواقع، ويعيش أسيرًا لأوهام وغيبوبة لن يفيق منها إلا حينما يواجه المحاكمة الدولية على جرائمه في حق الشعب السوري.

أخطاء إستراتيجية

إذا كان الأسد يعاني ما وصفتَه بالغيبوبة، فعلامَ يعول الأسد في آماله بالبقاء والاستحواذ على السلطة؟

الأسد يعول بشدة على الدعم الروسي –الصيني لإنقاذ الأزمة من التدويل، أو حتى عرض القضية على مجلس الأمن، مستغلًا مخاوف روسيا الشديدة من سقوط آخر معقل لها في الشرق الأوسط، وهو ما يعد خطأً استراتيجيًّا وقعت فيه موسكو، التي مازالت تدير قواعد اللعبة بنفس معايير الحرب الباردة. وأتوقع أن تعيد النظر في هذا الأمر قريبًا، في ظل الضربات التي يتلقاها النظام واحدة تلو الأخرى، وهو أمر سيتكرر مع الصين، ناهيك عن تعويل الأسد بشدة على التأييد الإيراني، متجاهلًا أن هذه الدول لها مصالح تحركها وتحكم مواقفها، ومن المؤكد أن شعور هذه البلدان بتهديد حقيقي لهذه المصالح سيدفعها لتغيير مواقفها من مثل هذا النظام المتهاوي.

ضغط صهيوني

لا يبدو الأمر مقتصرًا على موسكو وبكين فقط، بل إن هناك غموضًا حول الموقف الغربي بشكل عام من النظام السوري، ما تعليقك؟

الدول الغربية بكل أسف أسيرة مصالحها، وهذه المصالح هي ما يحدد خطواتها، لذا فهي تفكر كثيرًا قبل أن تخطو أي خطوة، حتى لو كان ذلك على حساب إزهاق أرواح آلاف السوريين، وهذا ما ينطبق على الجانبين الفرنسي والأمريكي، والذين يتقدمان خطوة إلى الأمام وعشرات إلى الخلف، مدفوعين بضغوط من جانب تل أبيب، التي تحولت مخاوفها من وجود نظام وطني في سوريا إلى أكبر حامٍ لنظام الأسد، ليس من الآن، بل منذ بداية الألفية الحالية، رغم أن هذا الدعم لن يكون له أي تأثير على موقف الشعب السوري المصمم على إسقاط النظام، ومع هذا فهناك أمر يجب التشديد عليه، وهو أن سوريا القادمة ستكون عامل استقرار وتوازن في المنطقة، وستحترم اتفاقياتها الدولية، ولن تتدخل في شئون دول الجوار، ولن تعبث بأمن المنطقة كما يفعل النظام الحالي.

هل يعني هذا أن المجلس الوطني يقدم رسائل طمأنة للخارج بأنه لن يكون عاملًا لعدم الاستقرار في المنطقة؟

نريد فقط أن ندفع بهذه التطمينات إلى الغرب، لعدم التوجس من سوريا الجديدة، وأن يدرك أن نظام الأسد لم يكن يومًا عاملًا للاستقرار، بل كان أداة للفوضى. نريد من الغرب أن يدرك أن مصالحه مع الشعب السوري، وعليه المراهنة عليه. نريد موقفًا قويًا من نظام الأسد يجبره على التوقف عن القتل، وهذا لا يعني أيضًا أننا نرهن مواقفنا وقرارنا السياسي بدولة واحدة، أو قوى بعينها، بل نريد دورًا عربيًا في إنقاذ الشعب.

غموض الموقف يمتد أيضًا إلى الحكومة التركية التي توقفت حتى عن تبني مواقف سياسية قوية ضد النظام..

الموقف التركي الذي تتحدث عنه من أفضل المواقف المؤيدة لثورة الشعب السوري، رغم أنه لم يصل لطموحات شعبنا، إلا أنه يحسب لأردوغان وحكومته أنها نفضت يديها من النظام، وأصبحت تتعامل معه كأنه من الماضي، غير أن ما يحكم تركيا هو رغبتها في تحقيق توافق دولي ضد النظام، انطلاقًا من حساسية موقفها، وموقع سوريا الجو-استراتيجي، ووجود لعبة مصالح دولية هناك، لذا فإن هناك تفهمًا للموقف التركي من جانب الثوار، رغم تعويلهم عليه كثيرًا في إسقاط هذا النظام.

دون الآمال

أخفق وزراء الخارجية العرب في الوصول لتسوية للأزمة السورية، وصممت الجامعة على استمرار المراقبين، رغم المذابح الدائرة في أغلب المدن السورية..

الموقف العربي مؤسف للغاية، ويبدو أن هناك إصرارًا من الجانب العربي على إعطاء النظام أكبر قدر من الوقت لتصفية الشعب السوري، ولم يصل للحد الأدنى الذي يلبي طموحات الشعب السوري الذي يتوق له، لضمان قدر كبير من حماية المدنيين، حتى لو جاء ذلك عبر توفير مناطق آمنة أو حظر جوي، أو حتى وجود قوات عربية تفصل بين مجرمي النظام والمتظاهرين العزل، فما يحدث حاليًا لا يتجاوز كونه مضيعة للوقت تعطي الفرصة للنظام، لا لقتل السوريين فقط، بل لمحاولة رشوة المراقبين وشراء ذممهم، وهو ما رد عليه المراقبون بالاستقالة والمطالبة بمغادرة سوريا، لاسيما أن الجامعة لم توفر لهم أي فرص لمزاولة مهمتهم، بل إن برتوكول الجامعة لم ينفذ منه الحد الأدنى حتى الآن.

أشعر أنك ترغب في تكرار السيناريو الليبي في سوريا، رغم مخاطر هذا الأمر على سوريا والمنطقة بشكل عام..

لا يتمنى أحد تكرار هذا السيناريو، بل أتمنى أن يتدخل المجتمع الدولي والأشقاء العرب برسالة واضحة للنظام مفادها: أوقف القتل فورًا، والتدخل لإيجاد آلية لحماية المدنيين، سواء عبر المناطق الآمنة أو عبر حظر جوي، وكلنا حريصون على سيادة البلاد، ولكن حرصنا الأكبر على حقن دماء الشعب السوري، لاسيما أن مذابح النظام لن تفت في عضد الشعب، ولن تجعله مجبرًا بأي حال من الأحوال على قبول هذا النظام الذي صار عبئًا على الجميع، على الطائفة العلوية وعلى جميع الطوائف التي استطاع استمالتها طوال السنوات الأربعين الماضية.

دولة حديثة

تتحدث عن تحول النظام إلى عبء، فهل يعني هذا إمكانية وقوع انقلاب عسكري في البلاد، أو حتى وقوع انقلاب قصر يزيح هذا النظام؟

نحن نرحب بأي انقلاب، سواء من داخل بعض أفراد النظام الناقمين على مجازره، أو من جانب الضباط الوطنيين الأحرار، أو حتى من الطائفة العلوية، فشعبنا سيدعم أي خيار يقاطع الماضي الدموي البغيض لهذا النظام، ويؤسس لدولة مدنية حرة، تحترم حقوق أبنائها، وتراعي حقوق الأقليات، وتتعامل مع أبنائها وفق معايير المواطنة.

فزاعات مرفوضة

يلوّح النظام بخيار الحرب الأهلية، والحديث عن تهديد وحدة البلاد، فما تعليقك؟

هذه مجرد فزاعات يستخدمها لإطالة أمد بقائه في السلطة، فحديثه عن الحرب الأهلية احتمال مستحيل، في ظل مخالفته للنهج الوطني الأصيل للشعب السوري، العازم على استبدال الهوية الطائفية، التي دأب نظام الأسد على تكريسها طوال العقود الأربعة، غير أن محاولته لإشعال هذه الحرب ستبوء بالفشل، ومعها أيضًا حديثه عن دولة الساحل المزعومة التي لا تتوفر لها أي معايير للبقاء، أو انتزاع أي اعتراف دولي، بل إن تساؤلًا مهمًا سيطرح نفسه عن مواطني هذه الدولة، وهل هم الطائفة العلوية أم فلول النظام، الذين هم عبء على الطرفين، بعد أن ارتهن النظام هذه الطوائف لمصالحه، فضلًا عن أن لعبة تقسيم سوريا قديمة، فقد سبق أن قسم الوطن لأربعة كيانات، غير أن هذا الخيار أثبت فشله.

لكن الأسد يلعب كثيرًا على وتر مخاوف الطوائف الموالية من مصيرها بعد سقوط النظام، بشكل يجعلها تراهن عليه وتستميت في الدفاع عنه..

مشكلتنا ليست مع الطائفة العلوية أو غيرها، بل مشكلتنا مع هذا النظام المجرم، الذي أذل أعناق الشعب السوري على مدار أربعين عامًا، والذي ارتهن السوريين جميعًا لضمان الاستمرار في السلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى