صفحات الناس

جبهة النصرة» هل هي حقاً سورية؟

معركة مستشفى الكندي شاركت فيها «النخبة العراقية»

عبد الله سليمان علي

«أبو تراب العراقي»، «خطاب العراقي»، «أبو محمد ديالى»، «أبو طلحة البغدادي»، هذه بعض أسماء «الجهاديين» العراقيين الذين سقطوا قتلى أثناء معركة مستشفى الكندي في حلب، الأسبوع الماضي، والتي تمكنت خلالها «جبهة النصرة» من السيطرة على المستشفى بعد حصار دام لحوالي خمسة أشهر متواصلة.

وأبو تراب وخطاب هما الانتحاريان اللذان فجرا نفسيهما في بداية الهجوم بعربتين مفخختين بأطنان من المتفجرات. والانتحاريان ينتميان إلى كتيبة «كوساري»، وهي كتيبة كردية تابعة لـ«جبهة النصرة». أما أبو محمد وأبو طلحة فهما من فرقة «الانغماسيين» (تعبير يطلق في أدبيات «الجهاديين» على المقاتل الانتحاري الذي يقتحم صفوف العدو لإيقاع أكبر قدر من الخسائر ويكون مصيره القتل غالباً)، التي شنت الموجة الأولى من الهجوم على المستشفى في أعقاب تفجير العربتين.

وتتقاطع مدلولات هذه الأسماء مع المعلومات التي حصلت عليها «السفير» من مصدر مقرب من «جبهة النصرة»، بأن معركة مستشفى الكندي كان لها أهمية كبيرة لدى «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» التي شاركت في الهجوم تحت مسمى «معركة القلب الواحد»، ولا سيما أن السيطرة على المستشفى تعني فتح الطريق بين مدينة حلب وريفها، بعد أن نجح الجيش السوري في إغلاقه وفرض حصار على الجماعات المسلحة ضمن المدينة. ومن جهة أخرى، فإن السيطرة على المستشفى تمهد الطريق لاقتحام سجن حلب المركزي، لأن القوات المتواجدة في المستشفى كانت تشكل إسناداً نارياً يساعد حامية السجن في صد أي هجوم يشن عليها.

ويشير المصدر إلى أن هذه الأهمية هي التي دفعت «جبهة النصرة» إلى الزج بنخبة مقاتليها من الجنسية العراقية في معركة السيطرة على مستشفى الكندي، وهو ما يفسر العدد الكبير من القتلى العراقيين فيها، لا سيما أن العديد من محاولات اقتحام المستشفى فشلت في الفترة الماضية، رغم أن عدد الجنود السوريين المتواجدين داخله لا يتعدى مئة جندي، كما أن الضغوط التي شكلها التقدم الأخير للجيش السوري في ريف حلب الجنوبي ونجاحه في فرض طوق على الأحياء القريبة التي تتواجد فيها المجموعات المسلحة، دفع بـ«جبهة النصرة» إلى حشد مجموعة من نخبة مقاتليها العراقيين من ذوي الخبرة السابقة في القتال في العراق، ليكوِّنوا فرقة «الانغماسيين» التي كانت مهمتها الأساسية زلزلة دفاعات حامية المستشفى وإرباك عناصرها، عبر إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الحامية، تمهيداً للموجة الثانية من الهجوم الذي قامت بها عناصر مختلطة، سورية وغير سورية، والتي ركبت موجة الهجمة الأولى بما أحدثته من صدمة وإرباك في صفوف حامية المستشفى، كي تتمكن من إتمام العملية والسيطرة على المبنى المتداعي.

وما يعزز صحة ما ذكره المصدر المقرب من «جبهة النصرة» في حديثه مع «السفير» هو أن القيادة الميدانية في «غزوة مستشفى الكندي»، كما يسميها «الجهاديون»، كانت لـ «أبي عبدالله العراقي» الذي يعتبر من أبرز القيادات العسكرية في «النصرة». فليست فرقة «الانغماسيين» التي شنت الهجمة الأساسية على المستشفى عراقية وحسب، وإنما كذلك قائد العملية عراقي أيضاً، وهو ما يجعل من معركة مستشفى الكندي هجوماً عراقياً بامتياز.

وتطرح هذه الحقائق التي كشفتها معركة مستشفى الكندي، الكثير من الشكوك حول الصورة التي تحاول «جبهة النصرة» تصديرها عن نفسها، بأنها تنظيم يغلب عليه الطابع السوري، حيث تؤكد مصادرها الإعلامية أن غالبية عناصر الجبهة هم من السوريين. فبينما تعطي هذه المصادر نسبة 80 في المئة من عناصرها للسوريين فإنها تعطي 20 في المئة فقط لـ«المهاجرين»، وذلك في محاولة واضحة للقول إن تنظيم «جبهة النصرة» ولد من رحم الشعب السوري، وإن «المهاجرين» جاؤوا في وقت لاحق بقصد النصرة والمساعدة على التخلص من «النظام الكافر» على حد قولهم.

وإضافة إلى ما كشفته معركة مستشفى الكندي من كثافة وجود العنصر العراقي، فإن المعلومات المتوفرة عن «جبهة النصرة» تشير إلى أن «المهاجرين» يمسكون بأهم المناصب في بنيتها الهيكلية، ويتحكمون بالقرارات الصادرة عنها، وبالتالي يغدو من الصعب القول إن الجبهة لها طابع سوري، أو ولدت من رحم الشعب السوري. فالمسؤول الشرعي العام «أبو ماريا القحطاني» عراقي الجنسية، والمسؤول العسكري العام «أبو سمير الأردني» أردني الجنسية، بينما أبرز قادتها الشرعيين هم: تركي الأشعري، وعبدالله الخالدي، وسلطان العطوي، وهم جميعاً سعوديون، وأبو حسن هو كويتي. ولا يكفي أن يقال إن زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني سوري الجنسية كي تصبح الجبهة سورية، كما لا يكفي أن يكون زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري مصرياً، ليصح القول إن تنظيم «القاعدة» مصري، فكيف إذا كانت هوية الجولاني غير معروفة وثمة شكوك حقيقية بانتمائه إلى الجنسية السورية، إذ هناك من يقول إنه عراقي وسمي بالجولاني نسبة إلى حي الجولان في الفلوجة الذي جاء منه كما يعتقد أصحاب هذا الرأي.

وكذلك فإن الرقم الذي تقدمه بعض الإحصائيات في التقارير الإعلامية عن عديد عناصر «جبهة النصرة» بأنه يبلغ ما بين ستة إلى سبعة آلاف مقاتل، يعتقد أنه رقم خاص بما يمكن تسميته «البنية الصلبة» للجبهة، والتي تتكون في معظمها من «مهاجرين» وسوريين لا يؤمنون بالجنسية السورية ولا بأي جنسية أخرى. أما العدد الحقيقي لكافة مقاتلي «جبهة النصرة»، أي مع إضافة كل من يقاتل إلى جانبها لسبب أو آخر قد يكون المصلحة وقد يكون الخوف، فإنه يبلغ أضعاف هذا الرقم بعدة مرات، ولا يمكن التكهن به على نحو دقيق، لأنه يتغير بين الحين والآخر بحسب تغير وتحوّل تطورات الميدان، لا سيما في ظل حالات الانشقاق وحالات «البيعة» التي تشهدها الجماعات المسلحة في سوريا.

وفي هذا السياق، يبرز الخبر الذي تناقلته المنتديات «الجهادية»، عن قيام كل من سيف الله الشيشاني، الذي يقود «جيش الخلافة» المؤلف من حوالي 200 مقاتل شيشاني، وأبو صهيب الليبي الذي يقود كتيبة «المهاجرين الليبيين» في ريف اللاذقية وتعدادها حوالي 350 مقاتلاً، بمبايعة زعيم الجولاني والانضمام إلى صفوف الجبهة بعد حلّ تشكيلاتهما. إذ يؤكد هذا الخبر أن «جبهة النصرة» ما زالت، حتى بعد خلافها مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) قادرة على استقطاب أعداد كبيرة من «المهاجرين» إلى صفوفها، ومن المتوقع أن يزداد هذا الاستقطاب في الفترة المقبلة نظراً للكتائب الكثيرة التي تميل إلى تنظيم «القاعدة» في سوريا.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى