صفحات الناس

جدران حلب.. حكاية البريد والساعي/ علا المصياتي

 

 

في البدء كانت الكلمة، الكلمة التي هزّت عرش الطغاة، وزيّنت جدارن المدن التي حان دورها لتقول ما لديها من أفكار أبقتها مهمشة زمنًا طويلًا، لتأخذ تلك الكلمة بعدها أشكالًا ومضامين مختلفة مع تتالي الأيام وتصاعد وتيرة الأحداث وتحولاتها.

بدأ الغرافيتي في سوريا من درعا، إلى أن وصل إلى جدران حلب المدمّرة

هذا لا يخص سوريا فقط، بل كان حال جميع بلدان الربيع العربي، وحركات التمرد والمظاهرات في السنوات الست الفائتة، والتي اتخذت من الغرافيتي شكلًا خاصًا لطريقة تعبيرها وثورتها. فإن بدأ الغرافيتي في سوريا من درعا، فقد وصل إلى حلب محمولًا بأقسى الحالات الإنسانية وجدانية وشوقًا للتعبير، وتحديدًا في أكثر لحظات المدينة وأهلها حاجةً للقول والكلمة.

بعد أن خمدت المعارك في حلب، بدأ المدنيون الذين أنهكهم الحصار بمغادرة المدينة مرغمين، ولم يبق في أحياء المدينة الخاوية إلا الجدران، التي تحولت معظمها بفعل القصف إلى أكوام حجارة، والبعض الآخر ما زال يقف كشاهد على كل هذا الخراب، لربما استطاعت هذه الجدارن حمل العبء الأكبر بعد أن خط أهل المدينة كلماتهم الأخيرة عليها، حين لم يبق أحد ليخبر حكاية هذا المكان. فقد كتب أهل حلب قبل خروجهم على ما تبقى من جدران أحيائهم عبارات تمجد حب الأرض والحبيبة التي صبرت رغم الحصار والمعارك كما الأرض، وعبارات أخرى تبشر بعودة قريبة للمكان وتؤرخ باليوم والساعة زمن الرحيل، مثل “راجعين ياهوا”، وبيت من قصيدة لنزار قباني، وعبارات أخرى تمجد المدينة في وداعها، لتكمل بهذا الشكل حلب ثورتها كما بدأتها بأكثر أشكالها السلمية، مثلما كُتبت عباراتها وكل ماتريد قوله على جدرانها في وقت مضى من سنوات ربيع المدينة.

أليس فن الغرافيتي شكلًا فنيًا انتقل من خلاله شكل التمرد والثورة من الشوارع والمظاهرات، واتخذ له مكانًا بالرسم على الجدران، كطريقة مبتكرة في الثورة على الأنظمة والحكومات، بكل مافي هذه الأسلوب من سلمية حملتها الجدران الصماء التي ربما يلتقي بها مارون من هناك، فيصادفون حكاية من هجروا ومن ثاروا ومن أحبّوا في المكان وأحبهم المكان؟

هو فن الغرافيتي السوري على مدار سنوات مضت وما تضمنته معانيه من ثقل الصراع، من خلال أقوال وجهت من خلالها رسائل كثيرة كتبها الشباب على امتداد الجغرافية السورية، وأرادوا بها التعبير عن مواقفهم وآرائهم، على اختلاف توجهاتهم، وعمّت طريقة التعبير هذه الكثير من المدن السورية، والتي بات أشهرها “حيطان سراقب” في إدلب، قبل أن تأخذ كتابات الراحلين في حلب شكلها العاطفي الذي شيع به أهل المكان مدينتهم بعبارات الحب والأمل.

هو غرافيتي الرحيل والثورة التي لا يوجد أصدق من الجدران لحملها وحفظها، فتكون بمثابة صرخة ثابتة بوجه من اعتقد أن الجدران لاتتكلم.

كاتبة من سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى