حسين عبد العزيزصفحات سورية

جذور الأزمة في هيئة التنسيق السورية/ حسين عبد العزيز

 

لم يكن مفاجئاً تقديم نحو أربعين شخصية استقالتهم من هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة. لا يتعلق الأمر بمجرد خلافات تنظيمية وقضية احتكار السلطة داخل الهيئة فحسب، بل يمتد الخلاف إلى المستوى السياسي والآلية المتبعة للصيغة النهائية للحل السياسي المرجو في سورية.

لقد ظل الموقف السياسي للهيئة من الأزمة السورية محور شد وجذب داخلها منذ تأسيسها في نهاية حزيران (يونيو) 2011 وحتى الآن، على رغم اتفاق جميع الأحزاب والقوى المشكلة للهيئة على قضايا عديدة.

ضمت الهيئة منذ البداية عدداً كبيراً من الأحزاب والقوى أهمها: حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي الذي يرأسه المنسق العام حسن عبد العظيم، حزب البعث الديموقراطي العربي الاشتراكي، حزب العمل الشيوعي وأبرز أعضائه عبد العزيز الخير المعتقل لدى النظام، الحزب الشيوعي- المكتب السياسي برئاسة رياض الترك، حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي برئاسة صالح مسلم، الحزب الديموقراطي الكردي ممثلاً بنصر الدين إبراهيم، حزب العمال الثوري برئاسة حازم نهار، حركة الاشتراكيين العرب ممثلة بمنير البيطار، الحزب الديموقراطي الاجتماعي، حزب الاتحاد السرياني، وبعض التنسيقيات، ثم حركة معاً.

بدت الهيئة منذ تأسيسها بمثابة القوة القادرة على تمثيل الحراك الجماهيري على المستوى السياسي، وجاء بيانها التأسيسي في لحظة التحول الاحتجاجي من السلم إلى العسكرة، حيث أعلن ثلاثة مبادئ: لا للتدخل العسكري الخارجي، لا للتجييش الطائفي، لا للعنف وعسكرة الثورة. وقد شكلت هذه اللاءات ارتياحاً كبيراً في الأوساط المعارضة آنذاك، لا سيما الداعية إلى النهج السلمي، ثم قدمت الهيئة تصوراً سياسياً للأزمة السورية يتماثل مع الحركة التاريخية لقوى الشارع آنذاك، إذ دعت إلى قيام حكومة انتقالية، وإجراء إصلاحات جذرية، وربما هذا هو السبب الذي دفع قوى وأحزاباً مهمة مثل «إعلان دمشق» وحزب الشعب الى عدم الانضواء فيها.

غير أن استمرار النظام في اعتماد الحل الأمني للقضاء على الحراك الشعبي، ترتب عليه انزياح المعارضة الشعبية نحو العسكرة، فيما ظل خطاب الهيئة يتبنى اللغة التأسيسية المتمثلة بالإصلاح السياسي من دون المطالبة بإسقاط النظام، تمشياً مع المعارضة الشعبية، ومع الوقت أصبحت الهيئة مجرد تشكيل سياسي لا أرضية شعبية له، وهنا بدأت أولى أزماتها، وسرعان ما شهدت عمليات انشقاق كثير من النشطاء لا سيما في حزب الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي ثم حزب «يكيتي» الكردي في آب (أغسطس) 2011، ثم انسحاب حزب العمال الثوري في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وانسحاب حزبين كرديين بداية 2012، فيما بقي حزب الاتحاد الديموقراطي بزعامة صالح مسلم في الهيئة، ثم تلا ذلك انسحاب حزب الاتحاد السرياني في نيسان (أبريل) 2012، ثم حركة معاً في أيلول (سبتمبر) 2012.

كشفت هذه الاستقالات حجم الأزمة داخل الهيئة، التي حولتها إلى محل شبهة من القوى المعارضة الأخرى، واختلطت رؤيتها للحل السياسي مع اللغة الدبلوماسية التي لا ترقى إلى مستوى الحدث، ثم كان للتصريحات المتضاربة لكثير من الأعضاء أن أضفت غموضاً على توجهاتها، لا سيما تصريحات هيثم مناع التي بدت في كثير من الأحيان غير مفهومة لكثير من أطياف المعارضة، وزاد من توجيه الاتهام للهيئة بقاء حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بزعامة مسلم فيها، وهو الحزب الذي شكل تحالفاً قوياً مع النظام في شمالي البلاد.

مع إعلان موسكو نيتها عقد منتدى للحوار بين المعارضة والنظام نهاية العام الماضي، وإعلان القاهرة عزمها عقد مؤتمر للمعارضة في الوقت نفسه، ظهرت عوامل التباعد بين أطياف هيئة التنسيق بين مرحب بدعوتي موسكو والقاهرة (حسن عبد العظيم وآخرون)، وبين من يرفض الذهاب إلى موسكو ويفضل القاهرة (هيثم مناع وآخرون)، وقد حلّ الخلاف باعتماد القاهرة وجهةً للهيئة، من دون أن تقطع نهائياً مع موسكو، حيث شارك أعضاء كثر في منتدى موسكو بصفتهم الشخصية.

وبعد فترة قصيرة، ظهر تيار ثالث في الهيئة بدا قريباً من مواقف «الائتلاف الوطني»، عبر عن نفسه في لقاء باريس نهاية شباط (فبراير) الماضي، جمع خلف الداهود وأحمد العسراوي وزكي الهويدي وصفوان عكاش من الهيئة مع أحمد رمضان وعبد الأحد أصطيفو وهادي البحرة وهشام مروة من «الائتلاف»، وتحديداً من «الإخوان المسلمين» و «إعلان دمشق»، وهما القوتان اللتان رفضت الحكومة المصرية مشاركتهما في اجتماع القاهرة.

فجر هذا اللقاء الأزمة داخل الهيئة واعتبر بمثابة طعن للجهود المبذولة لإنجاح مؤتمر القاهرة الثاني نهاية الشهر المقبل، لأن المجتمعين في باريس أعلنوا أن الأسد خارج أي مرحلة انتقالية، وهكذا انقسمت الهيئة بين فريق باريس وفريق القاهرة، بعدما كانت منقسمة بين فريق موسكو وفريق القاهرة.

بلغت الاتهامات بين الأطراف حداً كبيراً، وطالب فريق القاهرة أن تعلن الهيئة تبرؤَها من اجتماع باريس، في حين طالب فريق آخر بالمزاوجة بين الموقفين، بحيث يكون لقاء باريس دعماً للقاء القاهرة، وفعلاً أصدر المكتب التنفيذي بياناً قال فيه إن اجتماع باريس لا يتعارض مع مؤتمر القاهرة وإن كليهما يهدف إلى الحل السياسي.

غير أن هذا المخرج بدا مرفوضاً من قبل داعمي القاهرة (مناع) الذي شكل تياراً جديداً كان إيذاناً بأن الهيئة مقبلة على مرحلة صعبة، وجاءت الاستقالات الأخيرة تدعم الخط الذي ذهب فيه مناع، حيث أعلن المستقيلون أن استقالاتهم تعود لسببين: الأول -وهو الأهم- مرتبط بإقرار الهيئة اجتماع باريس، والثاني مرتبط بآلية الحكم داخل الهيئة التي تفتقد الشفافية والنزاهة، وتعتمد المحسوبية.

أمام الهيئة استحقاقان مهمان: الأول منتدى موسكو الثاني بداية الشهر المقبل، والثاني مؤتمر القاهرة نهاية الشهر نفسه، فإما أن يشكلا فرصة للهيئة لإعادة لملمة جراحها، أو يكونا المسمارين الأخيرين في نعشها وتتحول إلى هيئة فخرية تحت مسمى المعارضة.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى