صفحات سوريةنجاتي طيّارة

جرائم أخرى ضد الإنسانية في سورية/ نجاتي طيّارة

 

 

 

تُعقد في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، بين 15 و26 سبتمبر/أيلول الجاري، الدورة السابعة للجنة حقوق الإنسان المعنية بالاختفاء القسري أو غير الطوعي. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أقرت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في ديسمبر/كانون الأول 2006، والذي عرفته المادة الثانية منها بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من الحرمان من الحرية، يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص، أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة، أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته، أو إخفاء مصير الشخص المختفي، أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون.

وقد نص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي دخل حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2002، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، على أنه عندما يرتكب أي هجوم واسع النطاق، أو منهجي، موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وحالات “الاختفاء القسري”، فإنه يوصف جريمة ضد الإنسانية، فلا يخضع لقانون التقادم، بالإضافة إلى إنه يعطي لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة حقيقة اختفاء أحبائهم.

وبارتكاب جريمة الاختفاء القسري تكون سلطة الدولة، أو سلطات الواقع في حالات النزاع، قد خرقت (الشرعية الدولية) في أكثر من محور، وكذلك الحقوق الفردية والجماعية للإنسان، المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

وكانت الأمم المتحدة قد أولت اهتماماً مبكّراً بظاهرة الاختفاء القسري، وأصدرت في 1979 قراراً بعنوان “الأشخاص المختفون”. وفي 1980، أنشأت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الفريق العامل المعني بمتابعة حالات الاختفاء القسري، والذي من مهماته العمل قناة اتصال بين عوائل المفقودين والحكومات، وإصدار تقرير سنوي، يغطّي فيه حالات الاختفاء القسري منذ ذلك التاريخ.

لكن، من المستغرب أن برنامج أعمال الدورة الحالية المذكورة يخلو من أي تقرير لدولة عربية، أو لتقارير من منظمات غير حكومية عربية، على الرغم من تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري في دولٍ عديدة، وخصوصاً في سورية. حيث يكتفي البرنامج بدراسة تقارير الدول الأطراف المقدمة ﻣﻦ ﺑﻠﺠﻴﻜﺎ ﻭﺑﺎﺭﺍﻏﻮﺍﻱ، ومتابعات ﻣـﻦ ﺃﺭﻣﻴﻨﻴـﺎ والمكسيك ﻭﺻﺮﺑﻴﺎ. ومع أنه من المتوقع أن تقارير منظمات حقوقية ستشير إلى مظاهر للاختفاء القسري في سورية وبلدان عربية أخرى، إلا أن من الواضح أن تلك الإشارة ستبقى في حدود هامشية، ولن تلقى الاهتمام الذي تستحقه.

وليست ظاهرة الاختفاء القسري جديدة في معظم البلدان العربية، حيث تسود أنظمة ديكتاتورية، طالما جعلت من الاعتقال خارج القانون وسيلتها، لكبح المعارضين السياسيين. لكن، يجدر القول، اليوم، إن الاختفاء القسري للأشخاص في سورية تعاظم، وأصبح جريمة كارثية، لا تقل فظاعةً وحجماً عن جرائم القتل والاعتقال والتدمير والنزوح واللجوء، المستشرية في البلد، في إطار الحرب التي شنها النظام ضد الشعب، وحوّلت الثورة السلمية إلى فوضى عارمة، نمت في إطارها ميليشيات النظام ومنظمات الإرهاب.

ويشمل هذا الاختفاء القسري أشخاصاً كثيرين، اليوم، في سورية، وتشترك في جريمة ارتكابه جميع الأطراف، وقد تحول وسيلة لابتزاز الناس واستغلالهم مالياً. وكان قد تطور مع نهج الاعتقالات المفتوحة التي واجه بها النظام احتجاجات المتظاهرين، وهي اعتقالات لم تعد تخضع لمساءلة أو قانون، ثم أصبحت خطفاً بواسطة أجهزته الرسمية وغير الرسمية، ما دفع الباب واسعاً للرد على ذلك بمثيله، والكيل بمكياله لدى جماعات عديدة من بين الثوار، أو من بين من يدّعون الثورة.

ويبرز بين المختفين قسراً في سورية، أشخاص كانت لهم أدوار مشهودة، كالأب باولو دالوليو، القس الإيطالي الذي دافع عن مطالب السوريين السلمية، وذهب بنفسه إلى الرقة طالبا الحوار، فاختطف واختفى منذ أكثر من عام، والناشط الحقوقي، المحامي خليل معتوق، المختطف في دمشق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012، والناشط السياسي السلمي، عبد العزيز الخيّر، المختطف، مع زميليه إياس عياش وماهر طحان، على طريق مطار دمشق الدولي منذ سبتمبر/أيلول 2012، والمحامية والناشطة الحقوقية، رزان زيتونة، المختطفة منذ ديسمبر/كانون الأول 2013 مع زوجها وائل حمادي وزميليها سميرة الخليل وناظم حمادة.

أما الأعداد الكبيرة للمختفين السوريين، وتضمهم قوائم طويلة ومتنامية في ظل الحرب الحاصلة، فقد تحولوا إلى مجرد أرقام في ظل تعاظم أعدادهم، وانتفت خلف ذلك حياة كاملة لشخوصهم الإنسانية، حولها الاختفاء إلى غياب مفاجئ ومستمر، امتدت تأثيراته إلى عائلاتهم وأصدقائهم ومحيطهم، فجعلها جميعا موضعاً للابتزاز والقلق والرعب، لا تكاد تخلو منه أخبار السوريين في كل ساعة.

وإذا كانت الدورة الحالية للجنة الأمم المتحدة لن تدرس الاختفاء القسري في سورية، ولن تبذل جهدها المتوجب في توضيح مصير عشرات آلاف المختفين، وفي العمل الدؤوب على استعادة كل ما أمكن من أوضاعهم إلى العلن وحماية القانون، فالبديهي أن مصداقية شرعة حقوق الإنسان ستكون مستقبلاً، ومن جديد، على المحك، وخصوصا في المطالبة بإعادة الاعتبار إلى الشرعية الدولية التي كانت قد وصفت ذلك بالجريمة ضد الإنسانية، وهي جريمة لا تقتصر، اليوم، على اختفاء الناس في سورية، بل تساهم في اختفاء سورية نفسها أيضاً.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى