صفحات الناسوليد بركسية

جرائم المعلوماتية: النظام السوري يقمع.. بالقانون/ وليد بركسية

 

 

“سوريا هي دولة قانون وليست دولة عصابات والقانون يسود فيها على الجميع” هي واحدة من الجمل التي يمكن ان يكتبها أي مواطن سوري عبر حسابه في “فايسبوك”، ليصنفها “فرع مكافحة جرائم المعلوماتية” في الأمن العام الجنائي بدمشق، كجريمة يعاقب عليها “القانون”، مثلما حدث مع الممثل الموالي للنظام مصطفى الخاني الذي كتب جملة مماثلة ضمن منشور طويل هاجم فيها إساءة سفير النظام لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، صلاحياته واتهمه فيها بالفساد، ليتم اعتقال الخاني من قبل الفرع المذكور على ذمة التحقيق، بتهمة الإساءة لرموز الدولة!

وبات “فرع مكافحة جرائم المعلوماتية” في الأمن العام الجنائي التابع لوزارة الداخلية، ناشطاً بشكل واضح في الفترة الأخيرة، مع عدد من الإطلالات الإعلامية لرئيسه المقدم حيدر فوزي، في وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية، رغم أنه تأسس بالمرسوم 17 لعام 2012، من أجل “مكافحة الجريمة الإلكترونية كنوع جديد من الجرائم الخطيرة”، وتمثيل الدولة السورية من أجل ملاحقة “الحق العام” إلكترونياً عندما لا يكون هناك ادعاء شخصي بجريمة إلكترونية ما.

وبقدر ما يبدو ذلك الوصف العام براقاً ونبيلاً إلا أن قراءة متمعنة في صلاحيات الفرع الجديد وما ينص عليه المرسوم 17 لعام 2012 تظهر السبب الحقيقي وراء تأسيسه أصلاً، وهو إعطاء “غطاء قانوني” لممارسات “الدولة السورية” في خطاب النظام وإعلامه بعد العام 2011 تحديداً، من اعتقال للناشطين وتضييق على حرية التعبير، والتي كانت قبل القانون ممارسات قمعية لا يتم الحديث عنها كأنها أمر لا يحصل، لتصبح بعده مجرد ممارسات الدولة لصلاحياتها القانونية التي يجب أن يلتزم بها السوريون، علماً أن النظام اعتقل خلال عامي 2011 و2012 ما لا يقل عن 3500 ناشط إعلامي مع 600 آخرين مازالوا في عداد المفقودين أو الميبين قسراً حسب تقرير لـ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، وهي هيئة مستقلة معنية بتوثيق الانتهاكات المختلفة في البلاد.

وقد يكون أخطر ما يعطيه القانون للفرع، هو إجبار مزودي خدمات الإنترنت والاتصالات على حفظ نسخة من المحتوى المخزن لديهم في حال وجوده وتقديمه للسلطات عند الطلب، وحفظ بيانات الحركة التي تسمح بالتحقق من هوية الأشخاص الذين يسهمون في وضع المحتوى على الشبكة، وخاصة عند استخدام الأسماء المستعارة أو النشر عبر الصفحات مجهولة الهوية، وهو الحد الأقصى للرقابة المقوننة التي لا يمكن أن توجد في الدول المتقدمة التي تقدس حرية التعبير، كحالة الولايات المتحدة التي شهدت جدلاً واسعاً حول نفس الموضوع بعد رغبة الرئيس دونالد ترامب في أقرار قانون بهذا الخصوص.

وهنا ينصح الفرع في تصريحات رسمية للمسؤولين، المدنيين والصحافيين “الوطنيين” بضرورة التخلي عن وسائل الإعلام الاجتماعي “الرخيصة” وإنشاء مواقع إلكترونية تكون مخدماتها على الأراضي السورية، لأن “الحكومة” لا يمكنها الوصول إلى البيانات التي تخزنها مخدمات مواقع مثل “فايسبوك” أو “تويتر”، وهو أمر ضروري لفرض الرقابة وقمع حرية التعبير كهدف نهائي لا يتم الإفصاح عنه، بل يبرر ذلك الطلب بأنه لحماية الصحافيين من سرقة بياناتهم أو إغلاق صفحاتهم بشكل مفاجئ بسبب “التبليغات المغرضة”.

المخاوف على حرية التعبير فيما يخص انتقاد الحكومة في “الإعلام الوطني” و”الصفحات الوطنية” كان رائجاً في النقاشات التي طالت القانون نفسه في إعلام النظام الرسمي وشبه الرسمي خلال الصيف، مع تعدد حالات قمع النظام لنفسه ورغبة الرئيس بشار الأسد اليائسة في فرض نوع من الالتزام بالقانون الخاص به على المسؤولين النافذين وعائلاتهم وعلى الميليشيات التي لا تلتزم بأي قانون تقنياً، وذلك مع اقتراب الحرب من نهايتها وضمان الأسد بقاءه في السلطة.

وبغض النظر عن بنود القانون نفسه، إلا أن الحديث عن كون القانون موضوعاً لأغراض سياسية أمر بديهي، حيث تكمن كثير من مشاكل البلاد في النصوص القانونية نفسها، التي تستند في النهاية إلى جمل وتعابير فضفاضة في الدستور السوري يتم عكسها إلى أصغر التفصيلات القانونية، مثل “إهانة هيبة الدولة” و”إضعاف الشعور القومي” وغيرها من التهم التي يمكن تركيبها في أي لحظة من طرف السلطة لأغراض سياسية أو انتقامية من قبل الشخصيات الفاعلة في النظام من أجل غايات شخصية كحالة الخاني الذي دخل في حالة عداء مع الجعفري منذ طلاقه من ابنته يارا الجعفري قبل أشهر، فضلاً عن كون عقابه بهذه الطريقة العلنية يعتبر رادعاً لبقية الموالين العاديين، عطفاً على شهرته الفنية والتشبيحية في وقت واحد.

يتجلى ذلك بشكل خاص في اللقاءات الإعلامية لمدير فرع مكافحة المعلوماتية المقدم حيدر فوزي الذي يؤكد أن جرائم الإعلام هي جزء من اختصاص الفرع رغم اعترافه الحرفي بأنه “لا يفهم في الإعلام” إلا أنه يصر على فهمه العميق “للتقنية” التي يستخدمها حسبما اعترافه من أجل “إغلاق عدد كبير من الصفحات المغرضة والمحرضة التابعة لما يسمى الثورة”، قبل أن ينوه “مشكوراً” أنه لم يسبق أن قام الفرع بإغلاق أي صفحة أو موقع “وطني”، علماً ان نص القانون يمنع حجب أي موقع إلا “بأمر من السلطة القضائية” أو “في حال إخلال مقدم خدمات التواصل على الشبكة بوضع بيانات التعريف عن الموقع الإلكتروني الخاص به”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى