صفحات سورية

جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في سورية :حقيقة ما حدث في كفر عويد و بلدة كنصفرة وقرى جبل الزاوية


من قبل مجموعة من الخبراء الوطنيين السوري

في واحد من أعنف الأسابيع التي مرت على سوريا منذ انطلاق الثورة السورية التي بدأت في مارس 2011، استشهد ما بين 270 و300 شخص بين مدني وعسكري من الجنود المنشقين عن الجيش النظامي في قرى وبلدات جبل الزاوية الواقع في الإقليم الشمالي الغربي من سوريا الذي يبعد حوالي ثلاثين ميلاً عن الحدود التركية الشمالية، وهذه المنطقة جزء من المنطقة الجبلية الوعرة في جبل الزاوية، والتي كانت مسرحاً للاشتباكات بين القوات الحكومية والمنشقين عن الجيش، وتشهد احتجاجات مكثفة مناهضة للنظام منذ بداية الثورة.

بناء على شهادات من أبناء المنطقة، شهد محيط بلدة كنصفرة ولمدة يومين متتالين اشتباكات بين قوات الجيش النظامي والجنود المنشقين الذين كانوا يحاولون منعهم من اقتحام البلدة، وبعد أن نفذت ذخيرة المنشقين أمام الآلة العسكرية الضخمة المزود بها أفراد الجيش النظامي انسحب هؤلاء إلى أماكنهم البعيدة عن التجمعات السكانية، مما مكن الجيش السوري من اقتحام البلدة بعد ليلة شتائية باردة لفها الضباب. واستغل عدد من الجنود هذه الظروف في ساعات الصباح الأولى وانشقوا وهم في الطريق بين بلدتي “كفرعويد” و”كنصفرة “. كانوا حوالي 27 جندي لجأوا إلى منطقة مهجورة تدعى الخراب، ومع ملاحقة الجيش لهم التجأوا إلى بناء قديم يخص مدجنة، وهناك تمت محاصرتهم وقصف البناء الذي هم فيه فوق رؤوسهم مما أدى إلى استشهادهم جميعاً، وجمعت جثثهم في سيارات عسكرية وأخذت إلى جهة مجهولة، وفي ساعات الفجر الأولى دخل الجيش البلدة تحت وابل من الرصاص الكثيف والقصف المدفعي الذي طال البيوت الآمنة ومستشفى عدنان كيوان الخيري. وأفاد السكان بأن المشفى تعرض لأضرار بسبب القصف وتم الاعتداء على المرضى، إلا إن مالك المشفى والقائمين عليه أنكروا ذلك كما منع التصوير والحديث عن الموضوع وهذا ماتمّ سابقاً عندما حدثت مجزرة في قرية “المسطومة” ونقل جرحى وضحايا المجزرة إلى ذات المستشفى وحينها منع التصوير وشكك في رواية الأهالي وتمّ منعهم من الحديث عما جرى في المشفى. ويذكر أبناء كصفرة إن البلدة حين اقتحامها كانت شبه خالية من الرجال والشباب الناشطين الذين غادروا البلدة باتجاه سهل الغاب كما اعتادوا حيث يملك بعضهم هناك أراضي زراعية. وفي طريقهم إلى سهل الغاب اختبأوا في وادي “بداما” الواقع بين المنطقة وسهل الغاب وتفرقوا بين أشجار التين البري، وفي هذه الأثناء كانت حالة من الرعب تسود سكان البلدة من نساء وأطفال وشباب حاولوا الهروب عبر أكثر من مدخل من مداخل البلدة، ولكن الجيش لاحق الهاربين وحاصر وادي “بداما” الذي يضم عشرات من الناشطين والرجال الذين كانوا ينظمون المظاهرات في المنطقة وغيرهم من أبناء المنطقة المسالمين، وتمت تصفية عدد كبير منهم وخلال هذه الفترة وصل عدد من رجال قرية “كفر عويد” إلى حيث الجيش السوري يقصف الوادي ليتوسلوا إلى أفراد الجيش بأن يكفوا عن قصف الوادي، ويقنعوهم بأن من فيه هم من المدنيين ولا يوجد أي عسكري بينهم. كان أهالي “كفر عويد” وقرية “الموزرة “حوالي 200 شخص تم استهدافهم من قبل الجيش وقذفهم في وادي بداما فوق من هم فيه لترتكب مجزرة من أبشع المجازر التي شهدتها المناطق السورية منذ انطلاقها .

جاء الجيش بشاحناته ونقل غالبية الشهداء إلى جهة مجهولة وتم نقل عدد قليل منهم فقط إلى مساجد كنصفرة مع حراسة هذه المساجد، ولم تسلم أي جثة للأهالي إلا بشروط بأن يستلمها أربعة أشخاص فقط وتدفن بدون تشييع وبرفقة عنصر أمن، هؤلاء كانوا جميعهم من العمال والفلاحين وطلبة المدارس والجامعات، وما سلم من جثث هؤلاء لا يساوي شيئا من أعداد المفقودين في تلك المنطقة، وقد حاول الأهالي البحث في البراري والجبال عن جثث أبنائهم وعثر على بعضها، إلا أن استهدافهم من قبل الجيش منعهم من المواصلة، عاشت البلدة يومين رهيبين، عشرات الجرحى والمفزوعين من النساء والأطفال، عشرات بل مئات المشردين في البراري والجبال،  مئات المفقودين، مئات الشهداء، ولم تقدم لهم أية إغاثة في ظل ظروف مأسوية من نقص مواد التدفئة والمواد الغذائية والأدوية.

خرجت بعد المجزرة بعض الصور والفيديوهات التي وزعت على نطاق واسع في وسائل الإعلام والشبكة الإلكترونية، وتبين أنها الجثث تعود لعسكريين منشقين ورجال دين، مع التركيز على الملتحين في محاولة للإيحاء بأنهم من المتطرفين، في حين أّكّد الأهالي بأنّ الأمن والجيش منع التصوير والتشييع وفرض على الأهالي شروطاً صعبة جداً تقييداً لحركتهم، فمن أين وكيف خرجت تلك الصور والفيديوهات التي تذهب باتجاه تأكيد رواية النظام ؟ كما تدولت بعض وسائل الإعلام المواقع الإلكترونية  و- منها موقع “الحقيقة” الذي طالما شوّه الحقائق سابقاً وتراجع هو نفسه عن بعض ما نشر-  رواية تقول إن كل من قتلوا هم من العسكريين المنشقين الذين كانوا يخططوا لإنشاء منطقة عازلة في تلك المنطقة، ليلقى باللوم على الجيش السوري الحر الذي زج بهذا العدد من جنوده إلى التهلكة بتغطية سياسية من المجلس الوطني، وذلك بهدف إثارة البلبلة والتغطية على جرائم النظام وتبريرها، ولتأكيد رؤية النظام بأن الثورة نقودها أساساً جماعات إرهابية متطرفة، وما يحدث هو مجرد نوع من التناحر الديني وأعمال انتقامية، مقابل حملة إعلامية في وسائل الإعلام السورية تركز على أساليب افتعال الأخبار، وذلك باستخدام الاستفزاز المسلحة بالطائفية، مع استخدام قوات النظام الأمنية والقوات المسلحة والدعاية الإعلامية، وتوفير كامل الموارد اللازمة لسحق انتفاضة شعبية سلمية بالقوة.

ما جرى في قرى جبل الزاوية لم يكن حالة خاصة، وإن كانت المجزرة الأكبر من حيث عدد الضحايا، ليس سوى بعض مما يقوم به النظام السوري الذي لا يزال متمسكاً بالأكاذيب وبتلفيق القصص عن العصابات المسلحة غير المنضبطة بتوظيف من القوى الأجنبية، بحسب ادعائه، و لطالما عرض التلفزيون السوري صوراً للقتلى بلحى طويلة، مدعيا أنّهم جماعة ارهابية، فقد ارتكب النظام  قبل هذه المجزرة ، مجازر في عدة محافظات مختلفة (درعا، حماه، ريف دمشق، دير الزور، حمص وريفها وريف دمشق  وغيرها). ومنذ بداية الثورة بدأ النظام الممارسات الاستفزازية بحق المواطنين من قتل واعتقال، قصف البيوت والاعتداء على النساء والأطفال والمسنين. وقد اجتاحت قوات النظام السوري في المدن والقرى وأطلقت النار على الصغار والكبار في الشوارع، وحتى على أولئك الذين لجأوا الى المساجد وقتلوا جميعاً.

وشهدت غالبية المناطق الثائرة عمليات عسكرية وتعرضت لعمليات الإبادة الجماعية وتدمير مناطق ومواقع أخرى واسعة النطاق، ونهبت الممتلكات الخاصة، ومحتويات المنازل، والمحلات التجارية والمرافق العامة،  حتى أعضاء المخابرات وقوات الأمن الجيش قتل العديد من أسرهم وقتل بعضهم وطعن بعضهم، وبعضهم مات تحت ما تبقى من منازلهم بعد القصف، كما تمّ استخدام الجنود المدججين بالسلاح لدخول المنازل وخطف النساء والفتيات والناشطين الذين لم يعرف عنهم شيئاً لاحقاً.

ان خرق مبادء حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام السوري خلال الثورة السورية، أمر يفوق الخيال والوصف، فقد اعتقلت سلطات النظام عشرات الآلاف من المواطنين بشكل عشوائي، ووجهت التهم الى المواطنين من دون أية أدلة، وفي بعض الأحيان يتعرضون للقتل المتعمد. وهكذا قتل العديد من المواطنين وهم رهن الاعتقال، وحتى هذا اليوم يوجد الآلاف من المعتقلين في عداد المفقودين، ولا أحد يعرف عنهم شيئا، والسلطات السورية لم تقدم أية معلومات عن قضاياهم. من بين الذين اعتقلوا العلماء ورجال الدين، والأطباء والصيادلة بسبب علاجهم الجرحى، والمهندسين والفنيين والمدرسين، والتجار والحرفيين، والمزارعين، وجميع فئات المجتمع بما في ذلك النساء والأطفال. ويخضع هؤلاء للتعذيب والموت خلال فترة وجودهم في السجن، وقد قتل عدد من النساء في بيوتهن جرّاء القصف أو إطلاق النار، وقتل بعضهم تحت التعذيب، وقتل آخرون اثناء مساعدتهم الجرحى الذين أصيبوا خلال القصف والتدمير. وقد تحول العديد من الأماكن العامة مثل الملاعب، والمسارح، إلى مراكز احتجاز شهدت التعذيب الوحشي المنظم، مما أدى الى حالات كثيرة من الوفاة، بالإضافة إلى ذلك، كان هناك العديد من حالات الاختفاء القسري للمواطنين الذين تم اختطافهم لعدة شهور، واختفوا تماماً بعد ذلك، وهناك العديد من الحالات الموثقة حول المستشفيات التي تمت مهاجمتها لمنع معالجة الجرحى، وفي بعض الحالات اعتقل الجرحى أو تم قتلهم.

استخدم النظام القمعي في سوريا جميع قواته العسكرية وقوات الأمن ضد شعبه الأعزل و شن حربا مفتوحة على حشود من المتظاهرين السلميين، وتوجد الكثير من الحالات الموثقة.  وتستخدم قوات النظام معدات عسكرية مثل المروحيات والسفن البحرية المدرعة والدبابات العسكرية لقصف الأحياء السكنية في العديد من المدن، هذا بالإضافة إلى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل الغازات السامة والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين السلميين.

في الواقع، أصبح في ذمة السلطات المعنية مجموعة واسعة من مخالفات وممارسات وحشية وقتل،  تعتبر “جرائم إبادة جماعية”، لم تشهد سورية مثيلاً لها بعد مأساة حماه وسجن تدمر.

استنادا إلى المعلومات المتاحة، يمكن أن نعتبر أن حجم وخطورة الانتهاكات تشير إلى أن جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت، وما زالت ترتكب في سوريا، وذكرت التقارير ان الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان كانت قد حدثت في سياق منهجي لمثل هذه الهجمات على المدنيين.

حدث كل ما سبق خلال الشهور العشرة الماضية، في حين أن العالم يراقب بدون الاقدام على بأية إجراءات حقيقية. وحتى مجلس حقوق الإنسان الذي أعدّ تقريراً مهماً وموثقاً عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، لم يدل حتى هذا التاريخ الا ببيانات فقط، ولم تصدر أية عقوبات تردع النظام سوى العقوبات الاقتصادية الخجولة. ان هذا التردد وعدم اتخاذ موقف حاسم وإجراءات حقيقية، يرسل إشارات سلبية للغاية للشعب السوري الذين بدأ ينظر جدياً الى كل ما سبق كمشاركة غير مباشرة في الهجوم المستمر ضد الإنسانية وضد الشعب السوري، ويحمّل جميع الأطراف العربية والإقليمية والدولية المسؤولية عما يتعرض له من جرائم ابادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى