صفحات سورية

جردة حساب على هامش الانتفاضة السورية

 


صلاح بدرالدين

الانتفاضة الوطنية السلمية السورية أتمت شهرهاالثاني بعد أن قوبلت منذ اليوم الأول بأقصى درجات القمع الوحشي وبمختلف أنواع الأسلحة التي دفع ثمنها الشعب السوري من أجل تحرير الجولان والدفاع عن استقلال البلاد وسيادتها من الدبابة الى المدفعية انتهاء بالأسلحة الفردية والقنابل من جانب الأجهزة والأدوات المسخرة لحماية رأس النظام الحاكم – الفرقة الرابعة وقطعات الحرس الجمهوري وعناصر خمسة عشر جهاز أمني وميليشيا الحزب القائد –.

وقد كانت حصيلة – انتصارات – السلطة على الشعب المسالم المحكوم بالحديد والنار وفي النتيجة غير النهائية ( أكثر من ثمانمائة شهيد أي بمعدل سبعة عشر شهيد في اليوم الواحد منذ أواسط آذار وحتى الآن وبينهم عدد من الضباط والجنود من الذين رفضوا أوامر اطلاق النيران على المواطنين بخلاف مزاعم السلطات حول استهدافهم من المحتجين الذين لايملكون سوى اللسان ولافتة القماش ماعدا المفقودين والمخطوفين مجهولي محل التواجد ويعدون بالآلاف وأكثر من ستة آلاف معتقل وعشرات الملاحقين من جميع المناطق السورية ) .التحالف الحاكم الذي يشكل ويقود النظام السياسي ( العائلة – الأمن – أصحاب الأموال ) يتباهى بما ألحقه بأهلنا ومواطنينا في درعا وبانياس وحمص وريف دمشق على وجه التحديد ويوجه رسائل التهديد والوعيد الى كل من يقف بوجهه الكالح من المناطق والمدن والبلدات الأخرى فالناطقة باسم الطغمة الحاكمة السيدة بثينة شعبان تقول ” في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز آمل أن نكون نشاهد نهاية القصة وأعتقد أننا تجاوزنا اللحظة الأخطر آمل ذلك وأعتقد ذلك معتبرة أن سورية تشهد حركة تمرد مسلح, من جانب خليط من المتشددين والأصوليين والمهربين والسجناء السابقين ..” أما رامي مخلوف فبعد أن أعلن ” أنه لن يكون هناك استقرار في اسرائيل اذا لم تكن سوريا مستقرة، مؤكدا أن النظام في بلاده قرر مواجهة الاحتجاجات ‘حتى النهاية’ وحذر مخلوف من أن البديل عن النظام الحالي بقيادة من وصفهم ‘بالسلفيين سيعني الحرب في سوريا وربما في خارجها أيضاً’. وقال مخلوف إن النخبة الحاكمة في سوريا تكاتفت أكثر بعد الأزمة ” وعلى المنوال ذاته نسمع كل يوم تصريحات ومقابلات معتمدي أجهزة الأمن السوري .

وبالتزامن مع بث المزاعم والشائعات المشوبة بالوعيد وقلب الحقائق والتجني الفاضح على طبيعة وسلمية وأهداف الانتفاضة الشعبية والتشكيك بصدق ووطنية الغالبية الساحقة من السوريين الذين يدعمون الانتفاضة وتوجيه الاتهامات الباطلة الى الشباب وهم أنجب وأنبل وأجمل مافي الوطن نلمس جنوح البعض من مدعي معارضة النظام وهم بقايا الذين اعتاشوا في كنف أنظمة الاستبداد وخاصة البعثية منها نحو موقع النيل من الانتفاضة وبلغة تختلف شكلا مع خطاب تحالف النظام الحاكم ولكن تصب في مجراه بالترويج لروايته حول اعترافات – مدروسة – أوتحت الاكراه من قبيل مازعم به أحد الصحافيين السوريين في صحيفة الشرق الأوسط السعودية – اللندنية ” باعتقال مفاتيح الحركة السلفية التي تمكنت من تحقيق اختراقات للانتفاضة هنا وهناك لاسيما في الجنوب – محافظة درعا – حوران وفي ريف دمشق ثم في الشمال الشرقي حيث استورد الأكراد السورييون من اقليم كردستان العراقي المجاور شبح الحركات السلفية الكردية التي باتت تنافس حزبي طالباني وبارزاني التقليديين ” وهكذا وبكل سهولة يتبنى الكاتب رواية النظام ويشاركه في ادانة انتفاضة شعبه ومما أريد قوله أن سوريا مثل أي بلد في العالم فيها كل الأطياف والتيارات والعقائد بمافي ذلك السلفية التي لم تكن سلطات البعث بعيدة عن احيائها ورعايتها في عهود كثيرة وحتى الآن لاستخدامها في الداخل والجواروهناك مصلحة شعبية مشتركة في اللحظة الراهنة للخلاص من نظام الاستبداد واذا اردنا التعرف على حقيقة الانتفاضة وأهدافها علينا قراءة الشعارات والهتافات التي تعبر غالبيتها الساحقة عن المفاهيم اليسارية والديموقراطية والليبرالية فأين السلفييون من ذلك ؟ لقد اتهم الكاتب – السلفيين – بارتكاب تجاوزات من دون أي دليل فلماذا لم يأخذ برواية أن أجهزة النظام بحكم الخبرة المتراكمة ودروس ايران وحزب الله عمدت الى افتعال الأحداث وبث الاشاعات لأغراض مذهبية وتكتيكات مدروسة بهدف تخويف الطائفة العلوية الكريمة ودفعها للتمسك بالنظام كمنقذ ؟ وحتى لو صوب أحد ما السلاح المصادر من القتلة أو من ما حمله العسكرييون المنضمون الى صفوف الانتفاضة باتجاه من يريد قتله فلا شأن لشباب الانتفاضة بذلك ولم يتم ذلك بقرار أما الجانب الكردي من الانتفاضة ووصمه بالسلفية الآتية من كردستان العراق من جانب الكاتب فأمر مضحك حيث الشباب الكردي الذي يدير الانتفاضة ميدانيا كلهم وبالاجماع علمانييون ويسارييون وليس هناك بالأساس أي تنظيم ديني أو تيار اسلامي سياسي ضمن الحركة الكردية السورية وفي هذا الجانب نأخذ على الكاتب جهله لواقع طيف واسع من مواطنيه وشركائه في المصير وأقصد الشعب الكردي في سوريا ونعتبر مجرد اشارته الى كردستان العراق في اطار الفتة العنصرية والنية المبيتة .

أما بخصوص ما يطالعنا البعض الآخر من عناصر – التصقت – تسللا وبسرعة البرق بالحراك الشعبي الانتفاضي وفي غفلة عن الزمن بخطاب تراجعي تائب يتجسد هذه الأيام بمقالات تحت يافطات آيديولوجيا الممانعة واستحضار مواقف متزلفة من طعن بالقوى الديموقراطية اللبنانية وتشكيك بحقيقة تحرير العراق من الدكتاتورية ومزايدة على السلطة الوطنية الفلسطينية حول غزة كل ذلك من أجل التمهيد للارتماء مجددا في حضن النظام والعودة الى قاعدته وقد يكتشف هذا البعض قريبا أن الانتفاضة الوطنية لم تكن سوى حركة سلفية ارهابية .

مع هذا وذاك تمارس السلطة لعبتها وتنفذ خططها وقد تلجأ قريبا جدا الى الانتقال الى الخطوة التالية باستحضار وتلميع – معارضة – طيعة على مقاسها بعد استنزاف قدرات وطاقات وصدقية – معارضتها – المدجنة السابقة وأقصد الجبهة الوطنية التقدمية الراحلة فوجود معارضة شكلية بات أمرا ضروريا ومصلحة ملحة للالتفاف حول الانتفاضة ومواصلة الحرب عليها وايهام الرأي العام بتحقيق المصالحة وتنفيذ الاصلاح وفي هذا السياق نرى أن الذين يهرولون تحت دعوات الحوارالوطني ومؤتمر مصالحة برعاية رأس النظام من مجموعات حزبية أو أفرادا والبعض منهم كشفت السيدة شعبان عن علاقات تمت معهم في نفس توقيت وقوع الجرائم في درعا وبانياس ولا نبرؤ هنا بعض أكرادنا .

نعم ” معارضتنا ” في الخارج أيضا لاتخلو من مندسين يتزاحمون على الظهور واستثمار تضحيات شباب الانتفاضة والثقة معدومة بين الجميع وأكثر ما أثار اشمئزازي هو الاعلان عن فتح باب الانتساب على صفحات الفيسبوك لاقامة مجلس أو قيادة انتقالية بديلة عن النظام أو تراكض البعض نحو العواصم وخاصة العاصمة التركية بداعي الحصول على المساعدات وذلك من وراء ظهور الشباب لقد قلتها مرارا وأكرر الآن أن مايسمى بالمعارضة السورية التقليدية المتشددة منها شعاراتيا والمعتدلة بتنظيماتها وجماعاتها ورموزها وأفرادها في الداخل والخارج من العرب والكرد فات أوانها وخسرت صدقيتها وانعزلت عن الشعب وأصبحت خارج ثقة الجماهير تماما كما هو حال حزب البعث والنظام الحاكم ولاأستبعد أن تتوافق مصالح الطرفين في المرحلة القادمة ويتكاتفا في خندق واحد مواجه لخندق الشعب الذي يتصدره شباب الانتفاضة ومن حولهم الجمهور الواسع من سائر الوطنيين .

أعود الى مسألة – السلفية – وما يثار حولها من روايات اختراق الانتفاضة والتسلح واطلاق النار على أفراد الجيش وما الى ذلك من مبالغات بعيدة عن الواقع والمنطق لأعيد الى الأذهان طبيعة نظم الاستبداد ومنظوماتها المخابراتية المشيدة على ثقافة قمع الشعب وحبك الخطط ضد الحركات الشعبية الديموقراطية والمثل الأقرب هو النظام التركي الذي تقوده الآن الطغمة العسكرية زائدا الحزب الاسلامي وكيف انفضحت علاقته مع المنظمة العسكرية الأمنية السرية – أرغنكون – التي كانت تؤسس الأحزاب والمنظمات وتزرع الفتن وتختلق المعارك الجانبية بين قوى المجتمع المدني عبر عمليات الاغتيالات التي كانت تطال اليمين واليسار وجماعات السلطة ومن كبار ضباطها والمناوئون لها ألا يمكن أن يقوم نظامنا الأمني المستبد الحاكم بمثل هذه الأعمال ؟ أليس بمقدوره خلق السلفيين وهم صنو النظام الطائفي ودفعهم للواجهة أو اغتيال من يشاء لاثارة الفتن المذهبية وتوجيه الاتهام للانتفاضة ألم تقم منظمة سرية مفترضة بقتل أكثر من خمسين عسكري كردي وهم في واجب خدمة العلم ؟

في الساحة الكردية نعتبر يوم الثالث والعشرين من نيسان الفائت الذي انبثق فيه ” ائتلاف الشباب ” حدثا تاريخيا مشهودا تحققت فيه ارادة الشعب الكردي في الحراك الفاعل بالانتفاضة السلمية المجيدة الى جانب شركائه من العرب والمكونات الأخرى ومهما حصلت من تطورات ومهما تبدلت التكتيكات ومهما ظهرت من معوقات فالانتفاضة مستمرة بكل الأشكال السلمية المتوفرة حتى تحقيق الهدف الأولي وهو اسقاط نظام الاستبداد .

كاتب سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى