صبر درويشصفحات الناس

جرمانا … ألوان الطيف السوري/ صبر درويش

المدينة خسرت الكثير من الشبان إما اعتقالاً أو استشهاداً

 غالباً ما يطلق المعارضون السوريون اسم الخاصرة الرخوة للغوطة الشرقية، للاشارة إلى مدينة جرمانا، الواقعة شرقي العاصمة دمشق وإلى الجنوب من الغوطة الشرقية، والتي تعد إحدى البوابات الرئيسية لدخول الغوطة من الجهة الجنوبية منها.

ومنذ قيام  قوات المعارضة بالسيطرة على حاجز التاميكو المحاذي للمدينة من جهة الشرق أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بدأت تتردد أنباء عن نية قوات المعارضة التقدم باتجاه جرمانا ومحاولة السيطرة عليها. يستبعد الكثيرون من المحلليين إمكان حدوث ذلك، بحكم كونها مدينة موالية للنظام، كما يتهمها الكثيرون من المعارضين من جهة، ولموقعها الاستراتيجي حيث من المستبعد أن يتخلى عنها النظام من جهة اخرى.

 المدينة لم يعرف عنها مشاركتها الفعالة في الثورة، إذ لم تغير بضع تظاهرات قناعة غالبية أهل المدينة في البقاء على الحياد.

 في الحقيقة، تعد مدينة جرمانا المدينة الوحيدة من بين مدن الغوطة الشرقية التي لا تزال متهمة في كونها موالية للنظام السوري، لكن ذلك الاتهام لم يمنع تحولها إلى ساحة للعبوات والسيارات المفخخة ضمن فرضيتين، الأولى تتهم الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه بالتفجيرات لإبقاء المدينة تحت قبضته كحامٍ لها والثانية تتهم الجيش الحر أو فصائل متشددة.

 إلا أن ما تقدم لا يعدو كونه نصف الحقيقة؛ فخلف الوجه الموالي، الظاهر للمدينة، يكمن دور مهم لعبه الناشطون فيها، إن كان على صعيد تأمين المواد الطبية والإغاثية لسكان الغوطة أو على صعيد استقبال النازحين القادمين إليها وتأمين ما أمكن من متطلبات السكن والإغاثة وغيرها.

تقول  سلام، إحدى ناشطات المدينة، لـ”المدن” إنه “منذ بداية الثورة كان هناك نشاط واضح للشباب المعارض في جرمانا للانخراط في الثورة وللتعبير عن تأييدهم لها، وكانت هناك محاولات لتظاهرات واعتصامات، اضافة الى بعض النشاطات الشبابية من رفع اعلام الثورة والرسم على الحيطان بشعارات الثورة والتظاهرات الطيارة”.

ورغم تواضع هذا الحراك الثوري إلا أنه جوبه بقمع أمني شديد كحال أغلب المدن السورية الثائرة، وما أضعفه أكثر هو افتقاده للحاضنة الشعبية.

اختار الناشطون مجال العمل الاغاثي كسبيل التعبير عن موقفهم حيال الثورة، وظهرت أهمية هذا النشاط بشكل خاص بعد تسلح الثورة وبدء العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية.  ففي الوقت الذي كان عدد النازحين في جرمانا حوالي 300 نازح، تضاعف هذا الرقم في ما بعد.

 تقول سلام: “عندما بدأ القصف على دوما شهدت جرمانا حركة نزوح كبيرة من دوما ومن حمص وادلب، ومن هنا كان العمل الاغاثي للناشطين الشبان هو التعبير الوحيد عن انضمامهم للثورة ومشاركتهم بها، بالاضافة الى العمل الاغاثي الطبي في تهريب المواد الطبية والاغاثية الى الغوطة وفي معالجة شباب الجيش الحر”.

 وتؤكد سلام أن المدينة خسرت الكثير من الشبان إما اعتقالاً أو استشهاداً “حيث خسرت جرمانا أحد أهم أطبائها وهو الدكتور أسامة بركة، الذي اعتقل بتهمة الانضمام الى تنسيقية الاطباء، واستشهد اثر هذا الاعتقال في 30/9/2012، بالاضافة الى عدد كبير من المعتقلين منهم مأمون نوفل، الذي استشهد أيضاً في المعتقل ورمزي حمدان وعبير رافع وغيرهم كثيرين”.

 إلا أنه وعلى الرغم من ذلك يبقى السؤال قائماً: لماذا كان موقف مدينة جرمانا بخلاف مواقف مدن وبلدات الغوطة الشرقية عموماً حيال الثورة السورية؟  هل يعود السبب إلى كون المدينة تقطنها أقليات دينية لم تشعر بالانتماء إلى أهداف ثورة السوريين؟

ربما. يقول أبو عرب وهو واحد من اهم الناشطين في المدينة: “حال جرمانا كحال الاقليات التي تعرضت لهجوم اعلامي وارهاب وقمع كما باقي المدن، في بداية الثورة كان التعامل مع الناشطين اقل قسوة لتمييزهم عن الناشطين من باقي المدن والبلدات الاخرى. فالاحتجاجات والتظاهرات (وإن كانت ضعيفة وقليلة) لم تتعرض لاطلاق الرصاص”.

ويتابع أبو عرب حديثه لـ”المدن” قائلاً: “بدأ لاحقاً التجييش الطائفي وتخويف الناس من القمع وامكانية دخول الجيش الى مدينتهم واستباحتها وبنفس الوقت تم تجنيد عناصر من الهامشيين في المجتمع ومن اصحاب السوابق للعمل في صفوف الشبيحة وما يدعى باللجان الشعبية”.

إعلام النظام كذلك لعب منذ بداية الحراك الثوري على وتر الأقليات مستغلاً مخاوفها التاريخية، وعزز من ذلك من خلال توظيف بعض أخطاء المعارضة لخدمة اجندته الاعلامية والسياسية، إضافة إلى أنه تولى تغذية مجموعات اللجان الشعبية بالسلاح والمال والسلطة.

 لكن هذا لم يمنع العديد من الشبان المعارضين من الالتحاق بصفوف الثوار في الغوطة الشرقية كما يخبرنا أبو عرب: “ذهب بعضهم الى الغوطة يقاتل في صفوف كتيبة يوسف العظمة، والاكثرية الذين بقوا في المدينة يقومون باعمال الاغاثة وتأمين العائلات المهجرة وهناك محامون يقومون بالدفاع مجاناً عن المعتقلين”. ويختم حديثه قائلاً “أعتقد ان صلات ناشطي جرمانا مع الغوطة الشرقية اكثر من اي منطقة اخرى. حتى لجنة العمل الاهلي التي شكلتها العائلات الكبرى في جرمانا لم تكن بوقاً للنظام وبياناتها كانت هادئة وتدعو الى السلم الاهلي والعيش المشترك مع اهلنا في الغوطة، وتنقل ايضا بيانات الهيئة الروحية في المدينة”.

 لم يكف الصراع في مدينة جيرمانا منذ انطلاقة الثورة عن الاحتدام بين معارضين لنظام الأسد وموالين له، ولم تكف الاقلام عن ظلم المدينة وسكانها، الذين يسمون موالين تارة ومعارضين في أحيان أخرى، بينما قذائف الهاون  تسقط يومياً على المدينة والتي وصل عددها حتى 64 قذيفة الشهر الماضي ولا تميز بين موالين ومعارضين، بل تشيع موتاً تسببه اطرافٌ متشابهة على مستوى العمق وإن اختلفت شعاراتها.

 بيد أن الكلمة الفصل تبقى للسكان الذين نزحوا إليها وبقوا شهوداً حياديين حيال المدينة. أما المراقب الضيف فيتمكن بكل سهولة من مشاهدة التلون الجديد في المدينة، الذي يعكس قدرة السوريين على العيش المشترك رغم اختلافهم ورغم خلافهم، ربما.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى