صفحات العالم

جسر الشغور: تغيُر الرياح؟/ حسام عيتاني

 

 

خسارة النظام السوري مدينة جسر الشغور وفشله قبل ذلك في هجومه على بلدة بصر الحرير، يسلطان الضوء على جملة حقائق تتعلق بالتطورات الميدانية واستطراداً بمستقبل النظام وإمكان التسوية السياسية.

حدث تحرير جسر الشغور ينبغي أن يُقرأ من اللاذقية، «عاصمة» الساحل السوري وليس من إدلب أو المناطق التي تسيطر المعارضة المسلحة عليها. ما ينقله الناشطون ووسائل الإعلام عن الوضع في الساحل السوري يشير إلى انهيار كبير في المعنويات وإلى خروج الجيش السوري من تصورات أهل المنطقة للمعارك المقبلة التي سيضطرون إلى خوضها بالاعتماد على قواهم الذاتية وليس على الجيش الذي تلاحقه الهزائم في جولات القتال المختلفة منذ فشله في هجومه المزدوج على ريف درعا وحلب قبل شهرين والذي جرى بقيادة إيرانية علنية.

أي أن المعركة يتعين فهمها، من وجهة نظر تقول بنضوب الخزان البشري الذي كان يغذي الجيش وقوات الدفاع الوطني الموالين للنظام إضافة إلى تعرض القاعدة الاجتماعية المؤيدة لبشار الأسد إلى رضة خطيرة قد لا تشفى منها في المستقبل المنظور، مقابل قدرة المعارضة، مهما كان اسم التشكيل المقاتل الذي يتصدرها، على تعويض خسائرها بالاستناد إلى كتلة بشرية ضخمة استوعبت مجازر النظام وبادرت إلى التحرك العسكري برؤية استراتيجية جديدة.

تفسير النظام وأتباعه للأحداث الممتدة من خساراته في درعا وحلب ومعبر نصيب (ذي الدلالة الرمزية) ووصولاً إلى إدلب وجسر الشغور والمعسكرات والحواجز المحيطة بهم، يقوم على وصول إمدادت كبيرة من تركيا والسعودية وقطر لإضعاف موقف حكومة الأسد في أي مفاوضات سياسية مقبلة. في الوسع البناء على مجريات لقاء «موسكو – 2» التشاوري وعلى كلمة ممثل النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري المليئة بالتهديد للاستنتاج بالإضافة إلى مقابلة الأسد الأخيرة مع القناة الفرنسية الثانية والبيانات العسكرية الشبيهة بالهذيان حول سقوط جسر الشغور، للقول أن النظام لم يغير، في العلن على الأقل، سيرته الأولى في إنكار الواقع واعتبار أنه ما زال ممسكاً بالمبادرة الاستراتيجية التي بدا أثناء العامين 2013 و2014 أنها قد انتقلت إليه وأنه يسير نحو حسم الصراع عسكرياً.

عند النظر إلى المسألة من زاوية ثانية، كاستعراض صور الأسرى الذين وقعوا في يد المعارضة في معركة بصر الحرير وتأمل ما كانوا يحملون أو يرتدون من زي غير موحد (قسم من الأسرى يرتدي معطفاً عسكرياً فوق ثياب مدنية). والحال أن مقاتلي المعارضة لم يتمكنوا من اكتشاف هوية أسراهم ومن أين جاءوا لعدم إتقان هؤلاء اللغة العربية ولعدم وجود ما يدل على «بلد المنشأ» إلى أن تبين لاحقاً أنهم من افغانستان والأرجح أنهم من أقلية الهزارا.

تقود هذه الحقيقة إلى استنتاج آخر خلاصته أن الراعي الإيراني يعاني هو أيضاً من شح في الموارد البشرية بعد انسحاب المسلحين العراقيين للمشاركة في «الحشد الشعبي» والتصدي لـ «داعش» وعدم رغبة الايرانيين في زج مواطنيهم مباشرة في أتون القتال والاكتفاء «باللحم الرخيص» الذي توفره مخيمات اللاجئين الافغان في إيران والهزارا المعدمين. هذا ناهيك عن المتاعب الكبيرة التي يواجهها «حزب الله» اللبناني على أكثر من جبهة.

ستلي معركة جسر الشغور معارك مقبلة أشد خطراً على النظام وأتباعه. ولا يبدو أن إمكاناته كافية لتغيير اتجاه الرياح هذه المرة.

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى