صفحات العالم

جمعة الحفاظ على الثورة


حسام عيتاني

التظاهرة التي دعا شباب الثورة المصرية إلى أن تكون مليونية اليوم، في عدد من ميادين مصر وساحاتها، خطوة ضرورية لإعادة الثورة الى صراطها المستقيم.

بعد خمسة أشهر من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، بات الجمود الحالي يهدد بخسارة الكثير من مكتسبات الثورة، ويمهد لإعادة بناء آليات الاستبداد والطغيان المتهاوية. ليس هذا كلاماً في الهواء، فعدد من الحوادث والتطورات التي وقعت أخيراً في مصر، تنبئ بوجود قوى تعمل جاهدة على إعادة عقارب الساعة الى الوراء.

غياب أي تصور لمستقبل البلاد، وأداء القضاء المرتبك (الذي يلغي في يومٍ المجالس المحلية ويخلي في آخر سبيل المتهمين بقتل المتظاهرين، قبل ان يتراجع مضطراً عن خطوته هذه)، وتهافُت الإدارة العامة، والغموض الشديد للموقف الأمني وحقيقة ما تفعله الأجهزة، والشهادات المقلقة عن استمرار الممارسات السابقة، تبقى مجرد عينات صغيرة عن حالة القلق التي تهيمن على مصر في هذه الفترة الانتقالية.

ومن ميزات المراحل الانتقالية كلها، ارتفاع مستوى الاستقطاب بين التيارات الفاعلة في البلاد. والجهتان الأكثر تنظيماً في مصر اليوم، الجيش و «الاخوان المسلمون»، تبدوان وكأنهما لا ترغبان في نهاية هذه المرحلة، بعدما استمرأتا طعم السلطة الواسعة، والتي مازالت، والحق يقال، بعيدة عن الرقابة التشريعية والقانونية. وبعدما شهدت علاقات الجيش و «الاخوان» صعوداً وهبوطاً في ملفات معينة، كمستقبل الأجهزة الأمنية، يمكن القول ان الجانبين يقفان في خندق واحد منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية في آذار (مارس) الماضي.

هنا مصدر واحد من الأخطار الكبيرة التي تواجهها الثورة المصرية: التحالف غير المعلن بين الجانبين، واستعداد الجيش و «الاخوان» لعقد صفقة كبرى تضمن للأول الحق في تحريك الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد بعد انتهاء الفترة الانتقالية، من وراء الستار، مقابل التنازل للجماعة في ميادين السياسات الاجتماعية والثقافية والتربوية. هذا التحالف يهدد فعلاً بظهور حكم يتخذ من الدين غطاء له، لكنه يسلم أعنّته الى المجموعة العسكرية الحاكمة اليوم. ويعج التاريخ العربي الحديث بنماذج من التحالفات التي تقاسمت فيها الحكم مجموعات كان ديدنها الحفاظ على مصالحها على حساب مصلحة الأكثرية الساحقة من المواطنين.

في المقابل، تتحرك القوى التي تشعر بخيبة أمل عميقة من المجلس العسكري ومن الحكومة التي يترأسها عصام شرف (المخيب لآمال شباب الثورة هو الآخر)، لدفع الأحداث صوب ما تراه استكمالاً لأهداف سقط من أجلها أكثر من ثمانمائة مصري برصاص قوات أمن النظام في أيام الثورة. والحال ان العسكريين وشرف وحكومته، لم ينجزوا الكثير من الملفات، التي كان يتعين ان تقفل قبل بدء المرحلة الجديدة بعد الانتخابات المقررة في أيلول (سبتمبر) المقبل، فلا صيغة «الدستور أولاً او الانتخابات أولاً» أفضت الى أي مكان، ولا محاكمات رموز العهد السابق (الفاسدين والمجرمين منهم) تقدمت كثيراً، رغم صدور بعض الأحكام في مسائل لا تعتبر في صلب مطالب الثوار (الحكم على وزير المال السابق يوسف بطرس غالي، والحكم الآخر على نظيره في الداخلية حبيب العادلي في قضية فرعية).

وليس من يشكِّك في صعوبة الموقف الحالي وفي أن الأسئلة حول مستقبل مصر أكثر بكثير من الإجابات، وأن القوى الساعية الى تثبيت مواقع لها على الساحة السياسية تخوض في ما بينها صراعات ظاهرة ومستترة شديدة التعقيد والتشعب، لكن كل هذا لا ينبغي ان يلغي حقيقة ساطعة، وهي ان الحفاظ على الثورة مهمة لم تُنجز بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى