صفحات العالم

جمعة الغضب في سورية

 


رأي القدس

أصبح يوم الجمعة يشكل كابوسا لمعظم الحكومات العربية، والسورية منها على وجه الخصوص، لأنه بات يشكل علامة فارقة ومحورية في مسيرة الثورات الشعبية المطالبة بالحريات والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحكم الرشيد.

بالأمس شهدت مدن سورية عديدة مظاهرات صاخبة انطلقت من المساجد بعد صلاة الجمعة، استجابة لدعوات على الشبكة الاجتماعية (فيس بوك) من جهات معارضة بالنزول الى الشوارع تحديا للسلطات وقواتها الأمنية التي انتشرت بكثافة في معظم الشوارع والميادين الرئيسية.

اعداد الشهداء متضاربة، هناك من يقدرها بحوالي اربعة وعشرين شخصا، وهناك من يقول انها ضعف هذا الرقم، لكن الأمر المؤكد ان الشعب يواصل تحديه للاجهزة الامنية القمعية بكل جرأة وشجاعة، وفي المقابل تواصل هذه الاجهزة اطلاق النار بهدف القتل على المحتجين دون رحمة أو شفقة.

نزول الجيش السوري بدباباته ومدرعاته جنبا الى جنب مع قوات الامن لم ينجح في بث الذعر في قلوب المحتجين، ولم يقلل من اصرارهم على مواصلة التحدي والتعبير عن مطالبهم في الاصلاح والتغيير، مما يؤشر الى أن المواجهات ستستمر في الاسابيع المقبلة، وسيستمر معها سقوط الشهداء.

من الواضح ان السلطات السورية عاقدة العزم على الاستمرار في تبني الحلول الامنية، واتباع النهج نفسه الذي اتبعه الرئيس الراحل حافظ الأسد في قمع احتجاجات مماثلة في مدينة حماة السورية عام 1982، مما أدى الى سقوط أكثر من عشرين ألف شخص واصابة عشرات الآلاف.

أصدقاء النظام سواء في تركيا أو روسيا قدموا له النصائح بوقف حمامات الدم واللجوء الى اسلوب الحوار مع المعارضة، وتسريع وتيرة الاصلاحات، ولكن يبدو ان جميع هذه النصائح ذهبت هباء منثورا، لأن المدرسة التي تتبنى سياسة العصا الغليظة، والاستخدام المفرط للقوة في مواجهة المحتجين هي التي باتت صاحبة الكلمة الاخيرة.

التغول في سفك الدماء لم ينجح في وقف الثورة في كل من مصر وتونس، ومن المؤكد انه لن ينجح في وقف المسيرات الاحتجاجية الضخمة في سورية، بل يزيدها اشتعالا، ويوسع نطاقها الجغرافي والبشري مثلما نرى اسبوعا بعد آخر.

الانتفاضة الشعبية السلمية السورية التي انطلقت من مدينة درعا وامتدت ألسنة لهبها الى جميع المناطق الاخرى تضع النظام السوري امام اختبار صعب للغاية، لأن المزيد من القتل يقصر من عمره، ويزيد من عزلته، ويعرضه لاخطار الحصار والعقوبات الدولية.

الولايات المتحدة الامريكية التي لا تكن وداً للسلطات السورية قررت بالأمس تجميد ارصدة خمسة مسؤولين سوريين كبار، بينما اتخذ الاتحاد الاوروبي قراراً بالاجماع بفرض عقوبات على سورية. وتبنى مجلس حقوق الانسان الدولي ومقره جنيف قرارا بارسال بعثة تحقيق في حقيقة الاوضاع على الارض، واستشهاد حوالى 500 شخص برصاص قوات الأمن، وتقديم تقرير الى مجلس الامن الدولي.

العقوبات الدولية ستؤدي الى زيادة معاناة الشعب السوري حتماً، تماماً مثلما حدث للشعب العراقي، لأن الابرياء هم المتضررون دائماً. والشعب السوري يواجه نقصاً في الطعام والأدوية والمواد الاساسية في الوقت الراهن، سواء بسبب تدهور الاوضاع الامنية، او بفرض الاجهزة الامنية حصاراً على بعض المدن المتمردة مثل درعا وبانياس.

من المؤلم ان السلطات السورية لا تفكر الا بالقتل كأسلوب حوار مع المحتجين من أبناء الشعب، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف الى تدخلات خارجية تزيد الوضع تعقيداً. فاذا كانت هناك مؤامرة تستهدف سورية، ونحن لا نشك في ذلك، فان الطريق الاسرع لانجاحها هو مواصلة سفك الدماء، وعدم التجاوب وبالسرعة الممكنة مع المطالب المشروعة بالاصلاح.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى