صفحات الثقافة

جنود الله لفواز حداد لم يعد ابني نقيضي بل عدوّي

 


هل يحتاج الله الى جنود؟ هل هو قائد عسكري يحتاج الى جنود؟ هل يحتاج الى أيٍّ كان؟ هل يحتاج الى الانسان أصلاً؟ هل احتاج يوماً الى جنود؟ هل هو أرسل الحملات الصليبية الى بلادنا؟ وهل هو يرسل اليوم الحملات الاسلامية الى الغرب؟ يرجّح أن تكون الاجابة عن هذه الاسئلة، بالطبع، لا.

ملخص فكرة هذه الرواية ان الانسان يقوّل الله ما يريد، ويؤول ما أوحى به الله، بما يرغب هو، ويقدم مصالحه على مصلحة الدين – وقد يسأل سائل وهل للدين مصلحة؟ – وينسب افعاله الى الارادة الإلهية. والله براء من ذلك كله، لأنه فوق كل ذلك، وفوق كل ما يمكن أن يفكر فيه الانسان أو أن يفعله. كانت التقوى والرحمة الطريق الى الجنة، فصار القتل والارهاب هما الطريق! فهل يجوز أن يكونا من دعوات الله؟ بالتأكيد، لا.

يقول أحد هؤلاء مفتئتاً على الله: “نحن نخوض معارك الله على الارض، معارك الحق والايمان، وإذا كنا نضحّي بأرواحنا، فلأن أمرها يعود اليه، هو خلقها واليه مرجعها وعليه حسابها، نحن جنود الله، وموعدنا الجنة ان شاء الله”. ينسى هؤلاء أن الله رفض القتل والانتحار، وإن من أجله، وهو لم يطلبهما من أحد قط. فالقرآن لا يحض على القتال ولا يشرّع القتل ويمنع من ارتكاب الكبيرتين “قتل الغير وقتل النفس”.

رواية فواز حداد “جنود الله” تعالج العلاقة الملتبسة دوماً بين الدين، بما هو تعاليم سموية، بمعنى توحيدية، وبين رجاله أو الناطقين باسمه. شكّل هذا الالتباس اختلافاً فخلافاً، فتكوّن أكثر من 70 فرقة، وكل فرقة تخوّن الأُخرى، ولا حل لهذا الامر إلاّ بوقف تأويل كلام الله، كلّ بحسب مصالحه ورغباته، والامتناع عن الافعال بإسمه.

كان الأب السوري بعيداً من هواجس السياسة بعدما تخلى عن الفكر الماركسي الذي اعتنقه في شبابه، يعيش حياته الرتيبة بعدما طلّق زوجته الاولى، وارتبط بأخرى، وخصوصاً انه كان يشعر بخفة وطأة الحياة عليه، بعدما كبر ولده. لكن ابتعاده عن السياسة لم يبعده عن الفكر فقد رأى من خلال مناقشاته خصوصاً مع صديقه الصحافي، ان اتباع الاسلام الذين يصوّرونه على أنه الحل، فيما يراه هو انه المشكلة، يستخدمون القاموس الماركسي القديم مع بعض التحوير: “أصبحت الامبريالية هي الطاغوت والانظمة الرجعية العميلة، أنظمة ملحدة ومرتدة، والحزب الثوري، الجيل القرآني الشاب، والكفاح المسلح هو الجهاد، أما العنف الثوري فهو الاستشهاد!”. لقد تغيرت التوجهات، لكن ثمة تشابه في الاشخاص والهيئات والقاموس اللغوي. لكنه يدرك انه لا يمكنه أن يحاور هؤلاء أو يناقشهم. ولكل مرحلة موضتها، كانت الماركسية في جيلنا، والآن الاسلام في الجيل الطالع. ذهب الى العراق بحثاً عن ابنه الذي التحق بـ”القاعدة”، لكنه عاد خالي الوفاض مشلّعاً في صندوق “بيك اب”، بعدما عانى الأمرّين، ووصف اوضاع العراق في ظل الاحتلال الاميركي، حيث لا تجتمع الشعوب العراقية موحدة ديناً ومذهباً وحزبية وإتنية الا في المشرحة. وقد أظهرت حوادث العراق قصصاً متحركة دموية حيث القتل أكبر من القتال، كاشفاً عن الحملة الاميركية التي يقودها قس انجيلي متصهين يستغل صفته الدينية لاهداف سياسية مشبوهة. وفي ذلك اجابة عن سؤال ورد في المقدمة. تخطو الرواية في خطين ربطهما الراوي بعمل مخابراتي محبوك: البطل الرئيسي يفتش عن ابنه الذي انضوى في صفوف “القاعدة” في العراق. والثاني ميجر اميركي يبحث في حادثة تصفية أحد المشايخ مع عائلته في الضلوعية في العراق.

يفترض بالميجر أن يساعد الرجل السوري في مهمته، ما يفيده في اختراق صفوف “القاعدة” بعدما ورّطه في مهمة البحث عن ابنه، لكنه ما لبث أن تورط هو في القضية الثانية التي شغلت وقته. وبين المهمتين تكرّ المشاهد من وقائع الحرب العراقية ويومياتها.

اتخذت الرواية منحاها الدرامي، حين انعقدت حبكتها بتسليم الأب نفسه رهينة لعصابة من عصابات الخطف والمبادلة والقتل، بهدف تسليمه الى “القاعدة” بغية لقاء ابنه، وفيما انحبكت مع السوري انحلّت مع الأميركي عقدة قضيته، فبان لديه الحل، بمساعدة صديقه الصحافي جيمي، الذي كان عوناً له منذ البداية، ويكمن في ما سمّاه “حمى الزرقاوي” وهي 25 مليون دولار مكافأة اميركية على رأسه، اطاحت كل الرؤوس رغبة في امتلاكها، فالاسطورة ثمينة ومكلفة في آن واحد. ماذا كانت نتيجة تحقيق الميجر ميلر مع المجموعة الاميركية الخاصة التي امتهنت القتل بكل اشكاله، بعدما اعترف القس بركلي المرشد الروحي للقتلة بفعلته؟ تلعب المخابرات لعبتها، وغالباً ما يركّز الكاتب على التنسيق الاستخباري بين سوريا والولايات المتحدة، فيكون الأب السوري طعماً يرسل الى العراق بالاتفاق بين الطرفين، والمخابرات هي هاجس الناس في سوريا، “مجرد انني في مركز تابع للمخابرات جعلني اتيقن انني لن اشعر بالارتياح”. لفتني ان الاستجواب الذي جرى معه عن ابنه وتحركاته وتفاصيل مراقبة المخابرات له قبل ان يختفي، يشبه ما نشرته إحدى الجرائد اللبنانية عن استجواب “مجموعة العشرة الارهابية” في بيروت.

يبث حداد افكاره في ثنايا السرد، فتأتي في السياق منسجمة معه غير نافرة. تفترض الواقعية في الرواية ان تواكب الافراح والاتراح الشخصية، تلك الجماعية. فالانسان فرد ضمن مجموعة ينفصل عنها ويتصل بها كحبة رمل على شاطئ او نجمة في السماء. البعض يذوب في الجماعة والبعض الآخر يستقل عنها، لكن الاثنين لا يستطيعان فكاكاً من تأثيرها ودورها، وبالتالي علاقته المروية بها. هذه هي حال العلاقات في المنظمات الاصولية.

ارى ان الجملة التي قالها الأب في نهايات الرواية تعكس حقيقة شعوره وتلخص مضمونها: “كنت انا الخاسر الاكبر والمهزوم الأوحد، لم يعد ابني نقيضاً لي، بل عدوّي”.

هل استشرف المؤلف ما آلت اليه الامور في سوريا حالياً، وخصوصاً ان السلطة توجّه الاتهام الى الاسلاميين؟

جوزف باسيل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى