صفحات سوريةميشيل كيلو

جنيف ولا شيء غيره!/ ميشال كيلو

 

 

لم تكن وثيقة جنيف نتاجاً لسخاء عالم يريد انصاف الشعب السوري المظلوم وتحقيق رغباته، بل املتها تضحيات وطنية سورية لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ عهود طويلة، وانتجها تعلّق سوري بالحرية يضاهي تعلّق اعظم الثائرين الذين عرفهم التاريخ الاوروبي والأميركي بها.

وليست الوثيقة هبة منحت للسوريين يمكن استردادها منهم، بل هي صك يقر بحقهم في الانعتاق والحرية، ويرسم لهم خارطة طريق واضحة الى ما بعد نظامهم الراهن، اداتها «هيئة حاكمة انتقالية»، وآليتها تعاون الطرفين في اطار الهيئة من أجل هدف مشترك هو «الانتقال بسوريا إلى الديموقراطية» عبر مراحل محددة ستشهد عقد مؤتمر وطني تتمخض عنه جمعية تأسيسية تصدر دستوراً يوافق عليه الشعب في استفتاء حر تليه انتخابات برلمانية تشكل بعدها حكومة أغلبية تتولى إدارة البلاد ديموقراطياً. هذا المسار يتمتع بضمانة دولية من مجلس الامن، تجعل تحقيقه ملزماً للأطراف المنخرطة في الصراع السوري، وبخاصة منها المعارضة والموالاة؟ والآن: هل هناك سوري عاقل واحد يمكن ان يتخلى عن وثيقة تحقق سلمياً ما يريده شعبه: بموافقة دولية وضمانات قانونية زجرية وعقابية، صادرة عن اعلى مؤسسات الشرعية الدولية.

لا يعني ما تقدم ان تنفيذ ما قررته الوثيقة امر سهل أو يمكن فصله عن علاقات القوى الدولية والاقليمية والعربية والداخلية القائمة في سوريا كساحة صراعات لا علاقة لها بالثورة، تجعل من الصعب تحقيق اهدافها. ولا يعني كذلك ان اي مدخل الى تطبيقها يفضي حكماً الى النتائج التي حددتها كوثيقة حل سياسي شامل، جعلت بلوغه هدفها. من هنا، تمس الحاجة الى مداخل تتفق مع مقصدها وتفضي اليه، والا عطلت الوصول الى تفاهم دولي وسوري حول تطبيقها، علماً بان تفاهماً كهذا تراجع لان روسيا تعتقد بضرورة ان يعكس الحل الواقع العسكري، الذي يرون انه مال لصالح النظام بعد توقيعهم وثيقة جنيف مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن. بقول آخر: المدخل الى الحل هو جزء من كل، فإن كان لا يؤدي إليه، أو من غير جنسه، قوضه بدل أن يسهم في تحقيقه. بدل رؤية الكل من زاوية الجزء من الحل باعين المدخل، يجب ان نرى المدخل في ضوء الحل وأن نجعله جزءاً منه، فلا نحذف أحد مكوناته لاعتقادنا أن حذفه يفتح أمامه الابواب، كأن نضع مثلاً تنحي بشار الاسد خارج المدخل الذي يفضي إليه، مع ان خروجه من السلطة سيحل ثمانين في المئة من المشكلة السورية، ان لم يكن اكثر من ذلك، وان بقاءه فيها يعني الذهاب الى طاولة التفاوض من موقع ضعف، لن يفيد منه احد غيره، بل ويرجح ان يكون بلوغ الحل المطلوب ضرباً من المحال في وجوده، ليس فقط بسبب رفض بقائه رئيساً من معظم قطاعات الشعب، بل كذلك لان بقاءه سيعزز مواقف المتطرفين وقدرتهم على افشال الحل، وسيقوي متشددي النظام ويدفعهم الى استخدام العنف لإحباط المصالحة بين طرفي الصراع، وسيعطي الانطباع بان الثورة لم تحقق اهدافها.

لدينا وثيقة جنيف، التي يريد الروس الغاءها باي ثمن لان تطبيقها يحقق مطالبنا، فلا اقل من ان نتمسك بها وندافع عنها، ونتماسك حولها عبر التفاهم على مداخل الحل الذي قررته، وعلى قراءة موحدة لنصها، فلا نتساهل بعدئذ في ما تقره لنا من حقوق، لأي سبب كان. بغير ذلك، لن يعيش شعبنا غير مزيد من القتل والدمار.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى