صفحات سوريةكمال اللبواني

جنيف 2 حرب 3

د. كمال اللبواني

تجري التحضيرات لعقد مؤتمر دولي حول سوريا للبحث عن حل سياسي وفق تفاهم جنيف الثاني المعدل والغير واضح حتى الآن ، والذي يهدف كما يدعي لتشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة . وكل طرف يحضر أوراقه و يحسن شروطه ويحاول كسب المزيد من عناصر القوة ، وأهمها الحالة العسكرية على الأرض ، والبعض يتوهم أن مجرد انعقاد المؤتمر يعني توقف القتال ، لكن الذي يظهر لنا هو العكس فالنظام وحلفاءه  قد سعروا  هجومهم السافر في كل مكان وهم يستميتون لإيجاد وصلة جغرافية بين دويلة حزب الله والدويلة الطائفية التي يخطط الأسد لإيجادها في الساحل ، خوفا من فرض وقف اطلاق نار على الجبهات الحالية التي تعزل النظام في بقع جغرافية غير متواصلة كأي جيش احتلال ، فهو يفاقم دك المدن والقرى ،و يسرع إعدام السجناء ، ويرتكب المجازر المتتالية …  كل ذلك في سياق التحضير للحل السياسي ، فما الذي سيحدث أثناء العمل عليه ، أو يا ترى في حال فشله ؟؟؟.

حتى الآن الظاهر لنا أن هذا المسار السياسي هو مسار تصعيدي عسكري  بامتياز  ، وقراءته تقول أنه لن يقدم إلا المزيد والمزيد من العنف والدمار بعكس اسمه ، وما لمسناه من اتصالاتنا مع الديبلوماسيين   أن المسار العسكري سيستمر  وبقوة أثناء التفاوض ، و أن النظام يرفض وقف النار وسحب الجيش واطلاق المعتقلين قبل البدء في التفاوض على نقل السلطة ، وهي شروط أول مبادرة للجامعة العربية ، كما يرفض فكرة استقالة رأس النظام المسؤول عن قتل وجرح مئات الألوف من أبناء الشعب .

كما أننا نسأل من هي الجهة من طرف المعارضة القادرة على وقف القتال ، من دون اجراءات جذرية يقوم بها النظام تقنع المجتمع بأن مطالبه وحقوقه ستحترم ، وبالتالي لا حاجة في استمراره في القتال . هناك من يفكر بقطع الدعم كوسيلة ضغط على الثورة ، لكن ذلك برأيينا  سيحول أيديولوجيا الثورة نحو المزيد من التطرف والعنف والانتقام ( أي ما يسمونه الإرهاب ) ، ناهيك عن عدم حصول توافق دولي على ذلك . فالحديث عن أن الغرب قد باع الثورة لروسيا ليس واقعيا ، بالنظر للخلافات الكبيرة في المصالح بينهما ، ولصراعهما المستمر على الهيمنة على المنطقة ، وما تمسك روسيا بالنظام إلا لأنه يُعرّف نفسه كعدو للغرب ، فروسيا لم تبن  مصالحها مع الدولة والشعب ، بل فقط تعلن عن مصالحها مع نظام الممانعة الحليف لها . وبالتالي لا أرى أن هذا التصور التشاؤمي منطقيا ، خاصة بعد أن أكدت الجهات الداعمة أن دعمها سيكون أقوى لو حضرت المعارضة طاولة التفاوض . فزيادة الضغط العسكري هي الآلية الوحيدة لتحقيق تقدم سياسي نحو التغيير واعادة بناء الدولة من دون نظام الأسد وهو ما عبر عنه البيان الختامي في عمان .

وعليه يجب أن نفكر  بالاحتمال الثاني وهو توافق ضمني مع روسيا على رحيل الأسد ، الذي لا يتوقع تقدم السلام مع بقائه ، وهو ما  يعلمه الجميع ، وربما سيتم  هذا الرحيل بسيناريو يحفظ ماء الوجه للسياسة الروسية ، وهو ما يستتبع تقلص النفوذ الإيراني في سوريا ، وهو ما لن ترضى عنه ايران وحزبها وميليشياتها وبالتالي ما سيفجر الخلاف الروسي الإيراني ، وهو على ما يبدو الهدف الغربي من وراء قبولهم باتفاق جنيف المبهم ، والذي يردد الجميع أنه لا يتوقع أن يؤدي لحل سياسي .

ليبقى الاحتمال الثالث ، وهو حاجة الغرب لفتح المسار السياسي لإقناع شعوبهم وبرلماناتهم بالمزيد من الدعم العسكري للمعارضة التي فتحت باب الحل السياسي وهي تنتظر تراجع النظام العسكري كشرط ضروري لكي يقبل بالحل ، وهذا هو  المعلن من كلامهم . لكن العارف بما يجري يرى أن هذا مبرر غير كاف ،فالدول التي تريد ارسال السلاح تستطيع فعل ذلك عبر وسطاء معروفين في المنطقة ، وهي تفعل منذ زمن ، من دون أن تعلن أنها ترسل السلاح ، أي أن المطلوب أكبر .. ربما هو تبرير تدخل مباشر أصبح أكثر من ضروري ، بعد تنامي التهديد باستخدام الكيماوي أو انتشاره في المنطقة ، وتنامي نفوذ الجهاديين في قوى الثورة ، وانتشار الصراع خارج الحدود وتورط دول اقليمية ، أهمها تدخل ايران المباشر ورفضها أي توافق على برنامجها النووي ،

فكل المؤشرات تدل على توجه المنطقة نحو الحرب التي يحاول الغرب جاهدا الهروب منها ، حالما باختراق ما يحدث في جنيف ، لكن على ما يبدوا لا أمل في حصوله .

وكما حذر الوزير الأمريكي من العواقب الوخيمة لفشل جنيف 2 على النظام ، يبدو أن هذا ما سيحصل ، لكن تلك الوخامة لا ندري هل تكون ضربات عسكرية ، أم مزيج من التدخل الجوي والأرضي ؟؟ ، ذلك يخضع لقدرة الجيش الحر على أداء مهماته على الأرض ، وهو ما يجب أن يتطور خلال شهور التفاوض المتبقية والتي قد لا تطول .

من جهة المعارضة فإن اتفاق جنيف بحد ذاته هو اجحاف بحق الشعب السوري حيث يوصف الحالة كصراع بين طرفين ، وليس كنظام يقتل شعبه الثائر عليه ، وبدل أن يقارب القضية عن طريق المحاكم الدولية و حق تقرير المصير وحماية المدنيين ، خرج بالموضوع عن سياقه وصوره كصراع بين دولتين . وهو مبشر سيء يوحي بالنية بتقسيم سوريا ، حيث من المتوقع فشل التفاوض وبالتالي تحول النقاش من البحث عن حل ، للبحث عن سلام ، وما يتبعه ذلك من تثبيت حدود وتبريدها .

فالذهاب إلى جنيف هو بالتالي اعتراف بتوصيفها للأزمة ،  و فيه خسارة مبدئية وأخلاقية ، لكن هذه الخسارة تحققت فعلا ، والمجتمع الدولي ذاهب لمؤتمر  على هذا الأساس ، وما قيمة موقف بعض أطياف المعارضة في ظل تهافت أغلبها ، أيضا هناك خسارة ثانية لمن يذهب هو تدهور شعبيته وتزايد لومه ، خاصة من قبل ذوي الضحايا ، فكيف  إذا لم يحقق هذا المؤتمر أي انجاز كما هو متوقع جدا .

أما عدم الحضور فهو انتصار للنظام الذي سيظهر كحمامة سلام ، أي  خسارة سياسية جديدة ، وضعف في موقف الثورة ، و في موقف الراغبين في دعمها كما أعلنوها صراحة . لكن الذهاب بسقف مطالب  الثورة الثابتة المتمثلة بإسقاط النظام وتفكيكه ومحاكمته ،  والاصرار عليها ، واستمرار المسار العسكري دون توقف قبل ضمان تحقيقها ..  سوف يعوض جزئيا بعض الخسائر ،  التي يخفف منها أيضا الأداء الجيد والعلني في التفاوض ، الذي يجب أن يتحول لمحاكمة علنية للنظام على جرائمه . فالقبول بسرية الاجتماعات خطأ لا يجب الوقوع فيه . كما هو خطأ القفز فوق العدالة . والصمود عند هاتين النقطتين سوف يجعل من رحيل النظام بوابة إلزامية للبحث عن أي حل سياسي .

أما ذهاب المعارضة بوفود متعددة ، فهو ما سيحدث غالبا ،لأن المعارضة منقسمة فعلا لتيار  إسلامي يقوده المجلس والإتلاف ومن خلفهم الإخوان ، وتيار ديمقراطي يقوده اتحاد الديمقراطيين السوريين  ، ومعارضة منسجمة مع سقف النظام تقودها هيئة التنسيق ، وعليه يجب  عند عقد الجلسة الأولى الطلب من هيئة التنسيق الجلوس إلى جانب النظام كشريك له ، وعدم الاعتراف بها كطرف من المعارضة أصلا . وضرورة ذلك كي نقطع الطريق على تنازلات وألغام محضرة مسبقا بالاتفاق مع الروس تحت حجة التطرف والارهاب لإضعاف موقفنا التفاوضي . فالخطير فعلا أن يضم وفد يمثل المعارضة من هو مستعد لبيع الثورة والدماء والنزول أدنى من سقف مطالبها الثابتة ، التي يجب أن تبقى هدفا لأي مسار سياسي ، وإلا فالحرب مستمرة بكل الظروف . و القبول المبكر بوقف اطلاق النار تحت ذريعة الدماء ، وتحت ضغط تعب الناس الشديد  ، و من دون ضمان رحيل النظام ، سيكون بوابة عريضة للتقسيم ولصراع يدوم عشرات السنين ، فالسلام الناقص أو القائم على اعفاء المجرمين ، سيكون ثمنه أكبر بكثير من الحرب . واللعب على عواطف الناس بوعود خادعة نتائجه ستكون مدمرة .

المسعى اليوم لتوحيد الجناحين الاسلامي والديمقراطي سوف يهيئ لموقف واضح ثم لوفد موحد ومنسجم باسم الإتلاف ، يضعف دور حصان طروادة الذي ستلعبه هيئة التنسيق ، وافشال هذا المسعى ( الهادف لشراكة حقيقية متوازنة ) إذا تم،  فسيكون بسبب أنانيات من جاؤوا لزعامة المعارضة من خارج السياسة وخارج الثورة ، ويتعاملون معها كبزنس ، وهم يخدمون مصالحهم الخاصة ويقبلون بدور الوكلاء لجهات ودول ، وهم السبب الرئيس في ضعف أداء المعارضة وبعدها عن نبض الشارع وفشلها شبه التام  ومنهم من يغطي نفسه بأحزاب لم تعد موجودة على الأرض أو افتراضية لا وجود لها أصلا . فالمطلوب ليس توسعة بل توازن وشراكة ، وليس التسابق على تقديم التنازلات بل  الثبات على المبادئ ومقاومة الضغوط ، فإرادة الشعب هي التي يجب أن تتمثل ورغبته التي دفع من أجلها أغلى ما عنده ،يجب أن تتحقق . وهو واجبنا كسياسيين أوكلت إلينا مهمة تمثيل هذا الشعب بظروف صعبة جدا ، ومن دون آليات تفويض ديمقراطية شرعية ، وهذا يجب أن يجعلنا أقل حرية في تحديد مطالبنا ، ويلزمنا بحرفية مطالب الشارع منذ اندلاع الثورة أي  اسقاط النظام  المجرم ومحاكمته وتفكيك مؤسساته واقامة الدولة المدنية الديمقراطية العادلة .

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى