صفحات الناس

جوائز إعادة اعمار سوريا/ مهند الحاج علي

 

 

سياسي لبناني ممانع تلقى اتصالاً طال انتظاره. مسؤول سوري رفيع المستوى أبلغه بالنبأ السعيد: عقد بناء مصنع بلاط تحتاجه عملية اعادة الإعمار.

بعد سنوات الحرب السورية، ينتظر سياسيون لبنانيون كُثُر مثل هذا الاتصال. لا بل حولت حالة الانتظار هذه إلى هوس بدأ بالتسرب إلى أوساط دولية. وربما بات بإمكاننا القول إن إعادة اعمار سوريا باتت أهم في الحسابات المستقبلية والاقتصادية اللبنانية، من قطاع الغاز الموعود. الشهر الماضي، قدر المسؤول الأممي عبدالله الدردري كلفة إعادة الإعمار بـ350 مليار دولار أميركي، من دون الإشارة الى من سيُسدد الفاتورة.

وهنا السؤال الجوهري: من سيمول اعادة بناء سوريا؟ ويبدو أن الروس لا يملكون اجابة سوى على سؤال واحد، يرتبط باحتمال مشاركتهم العالم كلفة اعادة الإعمار بعد تحمّلهم التكاليف البشرية والمادية للحرب.

والحسم الروسي بعدم المشاركة في تسديد التكاليف، طفا الى السطح هذا الأسبوع. ميخائيل بوغدانوف نائب وزير مكلف شؤون الشرق الأوسط، أبلغ مجموعة من الديبلوماسيين الأوروبيين الأعضاء في الاتحاد الأسبوع الماضي، بأن ملف اعادة اعمار سوريا قد يصعد بسرعة إلى أعلى الأجندة السياسية في المرحلة المقبلة. لكنه حذر في تصريحات نشرتها صحيفة ”ذي فاينانشال تايمز“ البريطانية من أن عليهم (الأوروبيين) ألا يتوقعوا شيئاً من روسيا، في اشارة الى عدم قدرتها على المشاركة في كلفة اعادة الإعمار. لم تفت مفارقات هذا الكلام الروسي، ديبلوماسياً أوروبياً قال للصحيفة عينها إن الروس يُريدون التدخل عسكرياً وتدمير كل شيء، ومن ثم يطلبون من الآخرين تسديد الفاتورة. أوروبا اذن، وعلى الأغلب الولايات المتحدة، وأيضاً روسيا لن تدفع جميعاً كلفة اعادة الإعمار. من سيُسددها اذن؟

يبقى الصين التي رغم أن احتمالات مشاركتها في عملية اعادة الإعمار قائمة، إلا أنها ستُحاول تحصيل أثمان عالية مقابل ذلك. لا مصالح استراتيجية للصين في سوريا غير مكافحة الارهاب، سيما أولئك المتحدرين من اقليمها الشرقي حيث تقطن غالبية مسلمة. عدا ذلك، تبقى المصالح الاقتصادية الأساس لأي قرار صيني، سيما أن التجربة المصرية أخيراً أثبتت أن فوائد القروض أعلى من غيرها حتى في جنوب شرقي آسيا.

والصين إن شاركت ستفعل ذلك بشركاتها وموظفيها، وهو نموذجها المعتمد للاستثمار في افريقيا. ولا حاجة لبكين لأن تتخذ من لبنان قاعدة لمشاريع اعادة الإعمار، إذ أن سوريا مُجهزة لوجستياً بشكل كاف للاستغناء عن لبنان، سيما في مجالات المقاولات والصناعة وغير ذلك.

إلا أن كل ما سبق لا يحد من توقعات قوى الممانعة اللبنانية الحليفة للنظام السوري، بحصة أساسية في كعكة مشاريع اعادة الاعمار. بيد أن هذا الممانع ضحى كثيراً في سبيل بقاء النظام السوري، وكان وفياً له حتى في أقسى اللحظات السياسية، عندما كان الانشقاق سيد المرحلة. ألا يستحق هذه العقود المنتظرة منذ بدء القتال نهاية عام 2011؟

بعض الممانعين بدأ بالفعل يُعد العدة للدخول الى السوق السورية حتى في هذه المرحلة المُبكرة. سيما في مجال الصناعة. مثلاً، حصل أحد الوجوه الإعلامية والسياسية للنظام السوري، على عقد لإنشاء مصنع لبعض مواد البناء. لكنه تفاجأ، تماماً كالسياسي المستثمر في المثل أعلاه، بأن السلطات السورية اشترطت انشاء المعمل داخل الأراضي السورية باسخدام عمالة سورية فقط. كان يأمل بتحصيل بعض الحيثية الشعبية عبر توظيف محسوبين عليه، لكنه عاد خائباً.

في المُحصلة، عملية اعادة الاعمار غير موجودة سوى في التداول العام. وقد تكون ورقة ترغيب تُلوح بها قوى الممانعة في وجه خصومها. لكن حتى تكتمل عملية ”النصب“ الوهمية على الطريقة اللبنانية، على الدولة انشاء مؤسسة لاعادة الاعمار في سوريا، كي تنضم الى باقة المؤسسات الريعية اللبنانية مثل هيئة التنقيب عن النفط غير المنقب ومصلحة سكك الحديد لقطارات خارجة عن الخدمة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى