صبر درويشصفحات سورية

جوبر بوابة الغوطة


صبر درويش

يتفاخر سكان جوبر، المدينة المتاخمة للعاصمة دمشق من جهة الشرق، وإحدى البوابات الرئيسية للغوطة الشرقية، في أن مدينتهم لم تكف عن المشاركة في ثورة الشعب السوري، منذ منتصف مارس – آذار من العام الماضي، وذلك رغم كل المآسي التي عاشتها المنطقة، من اقتحامات لقوى الأمن والشبيحة الموالية لنظام الأسد، والقصف المستمر على المدينة والذي لم يتوقف للحظة.

قدمت المدينة حصتها من الموت السائد، فزفت أكثر من مئتين وثمانين شهيداً، ومئات المعتقلين، ومثلهم من المفقودين، ورغم كل هذا، لا تزال المدينة مستمرة في صمودها، ومشاركتها الفعالة في ثورة شعبها.

محمود،الشاب الذي صادف أن التقيناه في إحدى المظاهرات، والذي كان خارجاً لتوه من المعتقل، كان واضحاً عليه الإنهاك والتعب، بيد أن روحه المقاتلة، كانت بادية للعيان، بالنسبة له كانت المسألة واضحة ولا تحتاج إلى كثير من الفقه اللغوي، يقول: هم اعتقلوني، وأخضعوني لكل أشكال التعذيب المتوفرة لديهم، وكل ذلك في سبيل إجباري على التراجع عن ثورتنا، بينما موقفي هو أن خسئتم! بدليل وجودي الآن في التظاهرة، المسألة بالنسبة لي باتت شخصية، إما أن يكسروني وإما أن أستمر في المقاومة، وما زلنا في بداية الطريق، يختم ضاحكاً.

لم يوفر نظام الأسد، وسيلة إلا واستخدمها من أجل كسر روح المقاومة في المدينة، وإعادة إحكام سيطرته عليها، قصف المدينة بالمدفعية وبالطيران الحربي، وعندما لم يجدِ ذلك نفعاً، اقتحم أحياءها الآمنة، وشن حملة اعتقالات عشوائية، وارتكب المجازر الجماعية، التي لم تستثنِ أحداً؛ عندما وصلنا رأينا جثثاً من الصعب وصف مشهدها، كانت بمجملها متفسخة بالكامل والكثير منها محروق حتى لم يبقَ شيء من ملامحها، إحدى النساء تعرفت على جثة زوجها، من قطعة قماش كانت متبقية على جثته، وعائلة من سبعة أفراد لم يبقَ منهم سوى أشلاء جمعت على عجل في كيس ووضعت في أحد القبور. كل شيء يثير السخط في هذه المعادلة، فحجم الجريمة وتفاصيلها، أكبر من ان تحيطه اللغة السائدة. ابو لؤي، وهو واحد من أبرز الناشطين في المدينة، قابلناه مصادفة في مقبرة المدينة، كان يقرأ الفاتحة على قبر أخيه الذي استشهد قبل فترة قصيرة، سألنا مبتسماً: تريدون أن تسمعوا حكايا شهدائنا؟ اتبعوني إذاً.

كان لدى أبو لؤي أرشيفاً مرعباً لصور الشهداء، وأسمائهم وتفاصيل مقتلهم، وفي المكان الذي يكرم فيه الشهيد قبل أن يدفن، روى لنا تفاصيل كل تلك الأحداث، غادرته ابتسامته، وبدا متوتراً، كانت رائحة الموت تعبق بالمكان، فقبل ساعات كان قد كفن إحدى الطفلات التي سقطت برصاصة قناص، كان حزيناً، فما رآه، وهو الحرفي الذي لم يكفن جثة من قبل، من الصعب نسيانه.

هل نبالغ فيما نروي؟ في الحقيقة نحن لا نسوق سوى القليل القليل مما حدث ويحدث في مدينة جوبر، المدينة الواقعة على تخوم الغوطة، والتي تضم العديد من فئات المجتمع السوري. وهو شيء سعى نظام الأسد للعب عليه، عبر إثارة فتن طائفية تحرف الثورة عن مسارها. ما توصلنا إليه عبر تحقيقنا، هو أن قوات الأمن قامت ببعث رسائل تهديد لكثير من الأسر المنتمية لطوائف أخرى تقطن في المدينة، وتطلب منها الخروج من المدينة، وهو الشيء الذي أثار لغطاً كثيراً، بينما أهل المدينة براء من هذا السلوك ونفاه أغلب الذين التقيناهم، حيث أكدوا على استمرار الكثير من العوائل في العيش داخل المدينة بسلام ومن دون أن يعترض سبيلهم أحداً.

وأياً يكن من امر تلك الادعاءات، فإن التظاهرات الحاشدة التي تخرجها المدينة بتنوعها السكاني، تثبت بما لا يدعو إلى الشك، أن ثوار جوبر لم تنطلِ عليهم ألاعيب النظام وأبواقه. وهو فشل إضافي يضاف إلى فشل النظام في قدرته على احتواء ثورة الشعب السوري.

فعلى الرغم من كل الدمار المحيط بالمدينة، ورائحة الموت المنتشرة في كل أنحائها، إلا أن ثوار جوبر لا يبدون تهاوناً أو تراجعاً في حراكهم.

يخرجون في تظاهرات حاشدة، يهتفون للحرية وللوحدة الوطنية، ينشدون أغاني الفرح، ويؤكدون حتمية انتصارهم، ويكتبون على لافتاتهم الشهادة أو النصر، في إشارة واضحة إلى صمودهم الذي لا يلين، وفي خيارهم الذي حسم أمره.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى