صفحات الناس

جوناثان ألبيري: 81 يوماً في الأسر

خاف من سجون النظام السوري واختطفه «الثوار»!

جوزف الحاج

خُطف في التاسع والعشرين من نيسان وأطلق في أواخر تموز الماضي. 81 يوماً قضاها جوناثان ألبيري(Jonathan Alpeyrie) مصور وكالة «بولاريس» في الأسر مع معارِضين سوريين.

باضطراب، يروى قصة خطفه. مر كل شيء بسلام، لا معاناة جسدية، بل حالة نفسية تركت أثرها عليه: «البداية من يبرود السورية التي وصلت إليها قبل 15 يوماً. قمت بتغطياتي الصحافية من دون مشاكل. كنت مع الثوار، وتحديداً مع «الجيش الحر» الذي تربطني علاقات بالكثير منهم. كنت وحيداً مثل عادتي، فأنا أرغب العمل وحيداً. المنطقة خطرة، لم يهتم مصوّر أو صحافي بتغطية ما يجري فيها، وقريبة من العاصمة دمشق».

كانت رحلته الثالثة إلى سوريا، خطط لها كي لا تستمر لأكثر من عشرة أيام «لكنني كنت ضحية خدعة من الدليل. في 29 من نيسان الماضي، قال لي بعض الثوار بأننا سنقابل فصيلاً آخر على خطوط التماس الجنوبية القريبة من العاصمة. هناك نصب لي الكمين. صعدنا في سيارة رباعية الدفع، أنا ودليلي وجنديين. سلكنا طريقاً أوصلتنا إلى نقطة تفتيش حيث أنزلني مقنّعون، طلبوا مني أن أركع وأوحوا لي بأنهم يريدون تصفيتي، عصبوا عيني وأطلقوا النار قربي. أفرغوا جيوبي، أخذوا مني كل ما كنت أحمله. لم يعاملوني بقسوة بعد ذلك، لكنني كنت مقيداً. أرادوا فقط إخافتي كي لا أهرب، ثم وضعوني بمعزل عن الآخرين».

بقي لثلاثة أسابيع في منزل يقع في منطقة تتعرض لغارات جوية لا تتوقف. «في يوم أطلق أحدهم النار عليّ لأنني لم أستأذن أحداً للذهاب إلى المرحاض. حضر الآخرون وأبعدوه».

بعد فترة، حضر أفراد أمنيّون للتحقيق معي بتهمة التعامل مع المخابرات الأميركية. بعد ثلاث جلسات من التحقيق هددوني بالإعدام. كانت العديد من المجموعات المعارضة تعبر المكان دون أن تعلم بوجودي إذا كان الخاطفون يحجبونني عن الأنظار».

بعد ثلاثة أسابيع إنتقل الجميع إلى مكان آخر، إلى منزل فسيح. سُمح له بالتنقل ضمن الأسوار، لكن الأوضاع ساءت، وازداد التوتر: «تمتعت بحرية أكبر. المنزل يطل على منظر بديع لجهة وادٍ متصل بحدود لبنان غرباً. تقربت من بعض العناصر، إعتدت على مساعدتهم في المطبخ. طلبوا منّي تعليمهم كيفية إستعمال جهاز الكشف عن المعادن، لأن في المنطقة آثار قديمة كانوا ينقبون فيها ويستخرجون عملات قديمة يبيعونها في أسواق قريبة. رافقتهم في إحدى المرّات إلى أطلال تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام حيث عثرنا على قطع نقدية قيّمة. مرة أخرى طلبوا منّي أن أقرأ بعض التعليمات المدونة على معدات حربية روسية، فقلت لهم إنني لست ملماً بهذه اللغة».

كان دائم الخوف من نهاية مأسوية، كلما طالت مدة خطفه «كم من الوقت سأبقى هنا؟ كلما فكرت بالهرب ونسجت خططاً في رأسي، أصاب بالإعياء وأغط في نوم عميق».

وسط كل ذلك مرّت لحظات مضحكة: «عندما أخبرتهم بأنني سبّاح جيّد، طلبوا منّي أن أعلّم قائدهم السباحة، فسارعوا إلى ملء المسبح بمياه باردة. بعد لحظات وجدت نفسي أمسك بالقائد خشية أن يغرق. في أحيان كثيرة كانوا يمزحون معي ويسددون السلاح نحوي».

إمتدت الإقامة في هذا المنزل شهرين، علماً أنه تعرّض لهجمات متواصلة من جانب حزب الله الذي كانت مواقعه تبعد أقل من كيلومتر واحد. تعقد الوضع كثيراً، لا لكونه مخطوفاً يجهل موعد إطلاقه، بل لخشيته من إحتمال إصابته من جرّاء القصف بالصواريخ التي تقترب أكثر: «أحسست بإنهيار شديد. فكّرت بالهرب أو بالإنتحار. تذكّرت أنني واجهت مخاطر القصف في صراعات وحروب صورتها سابقاً، أفغانستان، الشيشان، جيورجيا… هنا يختلف الأمر. أنا معتقل، إذاً أنا هدف».

لا يرغب ألبيري الخوض في تفاصيل إطلاقه عبر دمشق «لا يفضّل الأميركيون والفرنسيون ذلك. كل ما أستطيع قوله إن علاقاتي الجيدة في لبنان أثمرت في سوريا. عرفوا مكان وجودي وهوية الخاطفين. طمأنوا عائلتي، لذلك إستمر أبي ثلاثة أشهر ينكر إختطافي. كانت هنالك قلة تعرف أنني مخطوف».

عن بعض التفاصيل التي رافقت عملية إطلاقه، يبوح: «أحد السوريين المقريبن من النظام، وهو برلماني ورجل أعمال، علم بوجودي صدفة. إعترف الخاطفون بوجود مصور فرنسي لديهم، صوروني، ثم أطلقوني بعد 48 ساعة. أعتقد أن مقايضة مع النظام أبرمت بشأن الإفراج عنّي».

مكان إطلاق ألبير حصل في منطقة «محايدة» حسب تعبيره، حيث يوجد العديد من الجواسيس من الجهتين «كنت أرتجف خوفاً من أن أنتهي في سجون النظام. لكن مرافقيّ طمأنوني بأنني حر وفي الطريق إلى دمشق. لم أثق بكلامهم».

على طريق دمشق- حمص الواقعة تحت سيطرة النظام، أُجبر على تبديل ملابسه وأعطيَ هوية مزورة، وطلب منّه الصمت عند نقاط التفتيش. يصل ألبيري العاصمة تحت القصف، وتحديداً إلى فيلا في حي سكني لم تصله الحرب بعد، يملكها رجل الأعمال الذي ذكره. كان هناك لبناني لم أذكر إسمه. جلس مع بعض المرافقين الذين كانوا يشاهدون التلفزيون. قدموا له ملابس جديدة وهاتفاً محمولاً. خابر صديقاً لإبلاغ وطمأنة عائلته. تجول في دمشق، ولدى عودته أكّد له رجل الأعمال بأنه دبّر إنتقاله إلى لبنان.

عند الحدود اللبنانية، وضعه مرافقوه في صندوق السيارة. في بيروت اقتيد إلى شقة، غادرها في غفلة عن مرافقيه: «خابرت السفارة الفرنسية وانتهى كل شيء». ختم ألبيري.

ألبيري من مواليد باريس 1979. إنتقل إلى الولايات المتحدة في 1993. درس تاريخ القرون الوسطى في جامعة شيكاغو، وعمل في الصحافة المحلية. في العام 2001 حقق أول مواضيعه الفوتوغرافية عن جنوب القوقاز. في 2003 صوّر في الكونغو تحقيقات موّلتها وكالة «غيتي إيماج». تنقل في وظائف عديدة منها مسؤول إعداد الصحفات في الـ»فيغارو»، «أميركان فوتو» وصحف ومجلات أميركية أخرى.

اليوم، يعمل مع «بولاريس إيماجز»، ويصوّر الموضة لحساب «إيل» الفرنسية، وبعض المصممين. يحضّر كتاباً عن المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية. نُشرت أعماله في الصحافة العالمية.

يقول ألبيري: «لقراراتي علاقة بالتاريخ». بعد نجاته من القصف في جيورجيا، ومن كمين في النيبال شهد فيه مقتل كل من كان معه، بقي وفياً لعمله. بعد شهر واحد رافق الفرقة الأجنبية الفرنسية إلى افغانستان. بعد كل مهمة يقول لنفسه: «إنها الأخيرة». وهكذا!

هو مصور حروب وموضة. عن الموضة يقول: «عالم سطحي، 70 في تالمئة مما يُنشر عنه مشاهد متكررة يعاد تدويرها، لكنها أعمال شاقة ومربحة. عملي في تصوير الموضة ساعدني على التعريف بمواضيعي الأخرى».

يستعجل ألبيري عودته لمتابعة عمله، حتى في ظل الحروب: «صوّرت خمسة عشر صراعاً وحرباً منذ 2004. الحرب ننساها بعد لحظات. عودتي إلى سوريا ليست واردة. لن أحظى بهذه النعمة مرتين. أرغب في تنفيذ مواضيع بدأت تحقيق أحدها وهو عن النساء المسلمات في الولايات المتحدة».

البيري الهادئ، مقتنع بأن الحديث عن الرهائن خطأ جسيم. إلى رغبته مواصلة عمله، يتمنى لو يعيد له خاطفوه حاسوبه وهاتفه المحمول، أما كاميراته فلا يهتم باستعادتها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى