صفحات العالم

جوهر الصراع في الأزمة السورية

سالم سالمين النعيمي

سنتان من المعاناة والإبادة الجماعية والتهجير واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، ووسائل الإعلام تبث الصور والتقارير اليومية عن مأساة الوضع الإنساني في سوريا. لكن الأمور كما هي، وحوالي 1.4 مليون لاجئ سوري ينتشرون في لبنان والأردن وتركيا، وتغيير محتمل للديموغرافية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، مما أدخل الكثير من المراقبين في حيرة.

وبالنظر إلى العلاقات السياسية المنفعية الديناميكية بين الدول والتحالفات الدولية والمصالح الاقتصادية السياسية الاستراتيجية المشتركة، لا توجد غرابة في عدم التدخل العسكري المباشر لحل الأزمة السورية.

فهناك مصالح ولاعبون فاعلون متعددون، إقليميون ودوليون تتشابك مصالحهم، فالمتنازعون كُثر، فهناك إيران وطموح ضم أراضٍ جديدة لدولة الإمامية الشيعية، واستمرار حكم الشيعة العلويين لسوريا من جانب وتطويق إسرائيل من جانب آخر، وبالتالي تدريب وإرسال عناصر متعددة لسوريا، والترويج لخطورة السقوط في أيدي «القاعدة» والإسلام المتطرف في حالة سقوط الأسد.

وتدير إيران ميدانياً تدخل «حزب الله» في الصراع السوري، وخطر التهديد السُني في حالة سقوط الأسد، وانهيار منظومة القوة الشيعية المشتركة ضد إسرائيل، وخسارة مواقع استراتيجية مهمة لصالح المعارضة، قد تقلب موازين القوى في التمركز الإستراتيجي لـ«حزب الله» وإيران، والمد العلوي ضد إسرائيل، والمد «الإخواني» وطموح دولة الخلافة السُنية وأستاذية العالم من جانب التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين» والمراهنة على زيادة نفوذ جماعات التطرف المسلّحة في سوريا واحتمال انتشارها إلى دول مجاورة، فكلّما زاد التصعيد العسكري، كلّما زادت فرص التحالف السرية مع تلك الجماعات واستخدامهم كفزاعة لرسم مستقبل الأحداث في المنطقة.

كما أن تركيا من ناحية أخرى تريد الاستقرار، وأن تكون تنميتها مستدامة، وخاصة أن 15 مليون علوي تركي يقطنون على الثغور، وإن حل استخدام تركيا في واجهة الصدام العسكري مع القوات الحكومية السورية، كاستكمال لدور تركيا السياسي الحاضن لبعض قوى المعارضة السورية، ولعناصر عسكرية متمرّدة على النظام السوري هو خطأ سياسي لن تقع فيه تركيا.

إنها حكاية دموية، وليس هناك خطة إنقاذ قريبة تلوح في الأفق، وفي أفضل الأحوال سيتنازل الأسد عن كرسيه، ولكن لن يتنازل الحزب عن سيادته المطلقة للدولة. وسوريا مستمرة في التسليح المتقدم مما يفاقم الأزمة، فقد أرسلت روسيا صواريخ مضادة للسفن ussia متقدمة لسوريا في ما وصفه مسؤولون أميركيون على أنه «استعراض للقوة» من قبل موسكو، وهذه الأخيرة بدروها تُصر على أنها أرسلت فقط أنظمة دفاعية متطورة، ورادارات حديثة، مما يُعطي الأسد القدرة على ارتكاب جرائم أكبر، إذا كانت الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الأجنبية تفكر في التدخل لصالح المعارضة ونصرة الشعب السوري.

ترسانة الأسد من شأنها أن تجعل الأمر أكثر خطورة بالنسبة للتدخل العسكري المباشر، ولن يجدي فرض الحصار والعقوبات الاقتصادية والحظر الجوي على سوريا من قبل منظمة حلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة وحلفائها، فهي خيارات غير واقعية في ظل الدعم الروسي الصيني لشرعية النظام وعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي.

وقريباً سنجد السفن الحربية الروسية في الموانئ السورية بحجة إخلاء الرعايا الروس الذين يقدرون بالآلف في سوريا في حالة تأزم الأمور بصورة أكبر، وذلك بجانب دعم باقي حلفاء النظام السوري له، وتحذير الغرب وإسرائيل بعدم التدخل في ما يجري في سوريا، فهي تصور بأنها حرب أهلية دامية سيقرر مصيرها الشعب السوري.

وحتى في الصحافة الأوروبية والأميركية، يستخدم مصطلح حرب أهلية سورية، وكأنها رسالة صريحة موجهة بأن التدخل العسكري هو خيار غير مطروح في هذه الأزمة، ويرددون بين الحين والآخر خطر المناطق التي يسيطر عليها وتفعيلهم لمنظومة محاكم إسلامية، بجانب أن «الجيش السوري الحر»، يعمل بصورة منفصلة بنظام الميليشيات العنقودية من دون قيادة مركزية.

التسوية السياسية هي الحل الوحيد باتفاق روسيا وأميركا والصين على السيناريو المناسب لحل الأزمة، إن كان الجميع يراها أزمة.

وضمن هذا الإطار، فإن تدخل «الناتو» عسكرياً، أمر لا ترغب به ولا تقدر عليه الآن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، ناهيك عن الارتباط الوثيق بين المنافسة العالمية على الطاقة والشرق الأوسط قلب احتياطي الغاز الضخم في العالم وسيناريوهات حروب الغاز المستقبلية، وعدم وجود موطئ قدم مؤثر لروسيا والصين في مناطق إنتاج النفط لعدة عقود، وتحولهما إلى استراتيجية السيطرة على مناطق إنتاج الغاز في العالم وأنابيب الإنتاج العابرات للدول والقارات، وبالتالي سيطرة التحالف الصيني- الروسي على الساحة الدولية، والتأثير على مسار الاقتصاد العالمي، لأنها ستعتمد لعقود قادمة على الغاز كبديل أو مكمل للنفط، ولكن مع أولوية واضحة للغاز، مراهنين أنه سيكون المصدر الرئيسي للطاقة في القرن الـ21 في ظل تراجع احتياطيات النفط العالمية.

والسيطرة على المناطق الغنية بالغاز في العالم هي أساس الصراع الدولي وتداعياته الإقليمية، لذلك تجد أهمية مصر وإيران ومنطقة الخليج العربي للقوى العظمى الجديدة.

فدعم «الإخوان» في مصر على سبيل المثال، ليس إلا لعبة سياسية مرنة وذكية في آن واحد يفهمها «الأخوان» تماماً لتحقيق مصالح مشتركة، ولذلك وضعت روسيا بالشراكة مع الصين خطط مشاريع أنابيب «ساوث ستريم» و«نورد ستريم»، وواجهتهم أميركا بمشروع «نابوكو» الذي سيمر بالحدود التركية والمدعوم من الاتحاد الأوروبي، والوصول إلى الغاز من البحر الأسود وأذربيجان، وأن هاتين المبادرتين مثال بسيط على سباق الإستراتيجية للسيطرة على موارد أوروبا والغاز.

وإلى تركيا سيتحول الغاز من الشرق المتوسط من دول مثل سوريا ولبنان وإسرائيل ومنها إلى أوروبا وأميركا. وفي سنة 2011 قامت إيران بتوقيع الاتفاقات المختلفة بشأن نقل الغاز عبر العراق وسوريا، ولذلك هذه الأخيرة هي مركز رئيسي للتخزين والإنتاج، وعليه فإن رسم خريطة أوروبا الجديدة والعالم ليس بمؤامرة بقدر ما هو ضرورة.

وما يحرك القوى المختلفة أو يمنعها من وضع حلول حقيقية للأزمة السورية ليس بالتأكيد المذهب أو الحرب المقدسة ضد أو مع أي عدو كان، فالأمر أبعد من ذلك بكثير. وهناك تغيير جوهري في العلاقات بين الشرق والغرب في المدى القصير والمتوسط والطويل.

الأزمة مفتعلة، والنضال مستثمر من أجل الغاز على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في منطقة الشرق الأوسط. والتعاون بين الصين وروسيا في قطاع الطاقة هو المحرك للشراكة الإستراتيجية بين العملاقين وتنسيق استراتيجيات الطاقة والتنبؤ والبحث والتنقيب، وتطوير السوق، وكفاءة الطاقة، ومصادر الطاقة البديلة.

ويعتقد الخبراء بوجود كمية غاز كبيرة في سوريا غير مكتشفة، ومن يسيطر على سوريا يمكنه السيطرة على الشرق الأوسط.

سوريا هي البوابة إلى آسيا، ولا بد من وضع حكومة على دمشق تسمح بمرور الغاز عبر إيران والعراق، والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وخلق مساحة جغرافية سياسية جديدة، وقطع شريان الحياة للمشروع الأميركي الأوروبي «نابوكو».

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى