صفحات العالم

جيوش تثابر على الانتشار/ دلال البزري

ينتشر الجيش، لم ينتشر، يعيد إنتشاره، يستكمل إنتشاره… تمهيداً لخطة أمنية، تثبيتاً للأمن: كلمات تمتد من ليبيا الى مصر ولبنان وسوريا واليمن والسودان.

 في ليبيا ينتشر الجيش بعد إنفلات المسلحين الثوار على غاربهم، في العاصمة، في بنغازي، وفي واحات الصحراء، واشتباكاتهم المتواصلة، وخطفهم لرئيس الوزراء علي زيدان، بتهمة الفساد.  الجيش ينتشر الآن، وانتشر بالأمس، في ليبيا، تمهيداً لإستعادة هيبة “الدولة”.

في مصر، ينتشر الجيش في شبه جزيرة سيناء، وفي نقاط ساخنة من العاصمة. في سيناء يواجه تمرداً مسلحاً، تزداد وتيرته كلما إشتدت المعركة مع الإخوان المسلمين في العاصمة التي يرفدها الجيش بما توّفر، وكله “حفاظا على هيبة دولة”، هي سلطة العسكر.

في اليمن الشمالي، ينتشر الجيش اليمني لمواجهة حركة تمرّد الحوثيين، في صعدة، في المكلا. يحاول الفصل بينهم وبين السلفيين، من دون جدوى كذلك؛ وقد ينشر قواته أيضاً في في عدن، في حال تصاعدت مطالب أهل الجنوب بكيان خاص بهم، كما كان الحال قبل وحدتهم مع اليمن الشمالي عام 2000. كل ذلك حفاظاً على هيئة دولة تشكلت مؤخراً، بعد الثورة.

في تونس، ذات الوضع الإستثنائي، ها هو جيشها ينتشر في جنوب البلاد، لوقف الإحتجاجات الشعبية؛ وضد تحركات الجهاديين على الحدود مع ليبيا والجزائر، في النقاط التي يتدفّقون منها الى تونس، وإلى غيرها… و”الهيبة” هنا أيضاً على المحكّ…

في السودان، نشر الجيش قواته في منطقة دارفور، حيث إرتكبت ميليشياته (الجنجاويد) الفظائع عام 2004، في حملة عسكرية، إسمها إعادة إنتشار، “لإنهاء التمرد” ضد هذا الإقليم المنكوب، ودعماً لهيبة “دولة” البشير…

في لبنان، الجيش ضرب أرقاماً قياسية في الإنتشار وإعادة الانتشار؛ تحت الوصاية السورية، لا تعدّ الخطط الأمنية التي إستوجبت هذين الإنتشار وإعادته. وعندما خرج الجيش السوري من لبنان، تولى هذه المهمة، دائمة التجدّد، الجيش اللبناني. فكانت خططه الأبدية في الإنتشار وإعادته، ضمن تراقص منتظم، بين الحاجة الى الدولة وبين عدمها، في ظل شعار “الشعب، الجيش، المقاومة”.

في سوريا بعد الثورة، يخوض الجيش السوري النظامي حرباً على شعبه بخطط أمنية وبمحاولات حثيثة لإعادة إنتشاره على البقع السورية التي خسرها. أصلاً تلك هي حربه ضد شعبه، الإنتشار: إما تنتشرون، في تظاهراتكم، أو ننتشر؛ إما تضيعون “هيبة دولتنا” أو نثبتها. خطط إنتشار الجيش السوري وإعادتها قد تتأخر خاتمتها، لكنها حتى الآن، باقية.

مثابرة الجيوش على الإنتشار وإعادة الإنتشار تلغي وظيفته الأصلية، أي الدفاع عن حدود الوطن. هذه ليست أولى المؤسسات أو الأجهزة التي لا تقوم بدورها المفترض؛ مثلها أمثال… لكن المشكلة أيضاً ان هذه الدأب بالذات، هذا التكرار بالذات، ليس إلا دليلاً على الفشل: فشل هذه الجيوش في إقامة الدولة، فشلها في استعارة دور غيرها، قوات الأمن الداخلي، الشرطة، البوليس. فالأمن لم يستتب في أي واحدة من هذه الربوع.

بعد ذلك، لماذا؟ هل هو ضعف صميمي في هذه الجيوش؟ هل هو قرار بالتعايش مع هذا الضعف؟ ثم، الضعف ضد من؟ ضد مجموعات مسلحة متمردة على سلطة، ازدادت اشكاليتها وقوتها بعد الثورات العربية؟ فيما هذا المطلوب ضائع الآن، بين مراحل “إنتقالية” وأخرى لم تنتقل بعد. هل الفشل يعود الى طبيعة هذه المجموعات المتمرّدة؟ الأقوى بقدرتها على إفشال خطط الإنتشار، والأضعف من أن تكون بديلاً كافياً تنشىء سلطة جديدة جامعة، ذات شرعية قوية؟ قوية بغير المعنى الذي نعطيه للقوة، الغاشمة دائماً وأبداً. تضعْضع فكرة الدولة الشرعية يسير بخطى حثيثة، والجيش ينتشر من أجل الحفاظ على الذين تمكنوا، حتى اللحظة، من الإمساك بقرارها. وهذه اللحظة ليس مكتوباً لها الدوام. فتنتشر الجيوش…

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى