صفحات سوريةفلورنس غزلان

حاء الحرية وحاء الحريق!


فلورنس غزلان

قلنا سابقاً أن ” الحرية ” هي بطاقة نعوتنا..هي بطاقة مرورنا إما نحو الحياة أو نحو الفناء..وأقول كذلك أن للحجر دوره اللغوي ..فقد كان لغة انتصار الفلسطيني بانتفاضته الأولى عالمياً وفتح أمامه أبواب الاعتراف بالوجود…فهل لأحجار وطني دور ما في حكاية الحرية؟أم أنها لاتحسن سوى الانهيار أمام جنازير الدبابات وانهمار الصواريخ، أمام حرائق الحجاج وعسكره؟ أي لغة يمكنها أن تجيد صناعة الفعل أمام لغة القتل والموت..لغة الكراهية والحقد…لغة الاختلاف على تفسير الجمل والنصوص حسب مقاييس خلاصتها شوفينية وغاياتها تحصيل مكاسب ومواقع على حساب الوطن..على حساب وحدته وثرائه المُلَّون..من خلال عمىً تاريخي وقراءة ثقافية خاطئة أو محاصصة أيديولوجية..تُستثار قبل أوان النضج لعمل سياسي على أرض الواقع.

مَن يستخدم وسائل قطاع الطرق في السياسة؟، مَن يحاول إعادة روح الخوف ورعايتها كي يغزو من خلالها ويتسَيَد مُتصيداً الوقت ومنتهزاً الصمت والتكبيل لأيدي اعتقدنا أن أصحابها عمالقة السياسة وحقوق الانسان ، فأنكشفت عوراتها اليوم أمام..طفل يُقتل بدم بارد..أمام غدرٍ يَعتنق الوحشية عقيدة وديدناً لشيزوفرينيا مسلكية وخلقية..فبدت اليوم بكامل علاتها وهشاشتها أقزاماً لاتصلح لبناء أكواخ الفقراء ولا لخلق عالم يسوده السلام والمحبة؟!!، فقد عاث الحجاج ويعيث بأرواح شعب ــ يُفترض أنه حارس حيواته ـ ونشر خرافة البقاء والميراث كأيقونات مقدسة ماعلى الرعية سوى عبادتها…فكيف يمكن لأصوات الاستغاثة وخجل الريح من رائحة الدم أن تستنفر ضمائر كونٍ غارق في موازينه الجيوبوليتيكية؟

حتى عصافير وطني راحت تهجر أعشاشها..تهاجر من كنف معاطف حمتها قر الزمان وحره، جوعه وعطشه، فلم يعد فضاؤها آمناً وجفت ضروع حقولها من أي عطاء يجعلها تثق بأن في تربة الأرض خيراً يمكنه أن يغير من موازين الحقد والتصحر، فقد مضى عام على صبرها وعلى تحليقها في سماء الدخان وضباب الأفق، حتى فراشات كروم العنب والتين..اختفت من ربيع نعتوه بالعربي..وهايسفر بعد انتظار عما يحيلنا إلى نقاط البداية..

أهربُ من وجعي وأشحذ سكيناً رافقتني عمري كله..لا كي أمارس بها طقوس التقشير أو الذبح..بل هي سكين الحلم والثقة والإرادة..سكين وطن حملتُه غصة منذ ثلاثة عقود…كلما صديء ..جَلَّته دمائي وكلماتي وغسلت عنه مايعلق به من شظف الزمن وترديه…من غدر الصديق واستطالة أظافر العدو..استخدمته في كَيِ جراحي بنار الصبر وأمل انتظاري بشغفٍ للحظة نورٍ يسقط من كوة خندقنا الغارق في ظلمته وظلم ذوي القربى ، وذوي الياقة..ذوي أصحاب النفوذ والفصل في ترتيب الكون..

لم يبق لنا سوى جدار واحد يحمينا..جدار التاريخ والوطنية…جدار نصلي أمامه ولانبكي..فلسنا من الندامى ولا من الغافلين ..، جدار نستظل به من تواطؤ جنود الكراهية وأسراب الطلقات، التي تطاردنا في كل الاتجاهات… جدار يمكنه أن يُعيد لحمة النسيج المهتريء بمأساة اختلاف الطرق واختلاف التفسير والشرح لدرس أتقنه أطفالنا، ولم يستوعبه أساتذة السياسة ،قالوا هذه الأبواب مشرعة فاطرقوها..منها مايقع خلف البحر ومنها مايقع في جزيرة العرب..، منها مايكبل اليد ويجفف الحناجر دون أن يقدم مايسقي العطاشى في أحياء حمص وادلب ودرعا..وغيرها، منها مايدعي التآخي معنا، ومايدعي الصداقة بعد أن عدَّدَ الجراح في جسدنا ، أعلينا أن نصدق أن المسافة بين حاء الحرية وحاء الحريق قريبة إلى جَّسْرِ هوةٍ فصلت الانسان عن ضميره، فاستيقظ بعد عام من غفوته ليتطوع مؤمناً بأن لنا حق في كتاب السيرة الكونية؟!.

اصهلي إذن ياخيول الشهباء والفيحاء، فربما تبعث الريح الغربية والمشرقية المؤتلفة خطوطها لاقلوبها، في بوتقة استانبول اليوم بمناديل بيضاء تفصل بيننا وبين الموت…وتهشم توابيت أعدت لسحب عافية سوريا..ربما يعود لثنايا وبنود الكتب المذهبة في أدراج قانون العهد الدولي ألقه فيفتح باسمك ياسوريا صفحة جديدة لتنهضي من رمادك كما الفينيق..

ــ باريس 1/4/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى