صفحات الحوار

حازم العظمة: ابتداء من تغيير اللغة تتبدل المفاهيم


هناك «شعرية» في «الحدث» أكثر مما يستطيع أن يتمثله أو يكتبه

محمد الحموي

يصلح هذا الحوار لأن يكون مع كل شعراء سوريا اليوم من دون استثناء وهم مكبون على صون أصواتهم وقصائدهم التي يؤمنون أنها تفلُّ آلة القمع والعنف. لكنه في الوقت ذاته لا يصلح إلا مع حازم العظمة صاحب النظرة النافذة إلى الشعر وما يحدث حوله، هو الواقف بقامة فارعة كصوت ضمير حي ضد المعارك الجانبية مبقياً عينيه على أسباب الأزمة الأصلية. بهذا المعنى لا يدعي هذا الحوار طرح أسئلة إنما يجاهد أن يثبّت أجوبة وآراء يراد لها أن توثق هذا الموقف من الحدث السوري الذي يعصف بالكل في هذه اللحظة بالضبط وسوريا على أبواب رياح عاتية قد ندفع أرواحنا لنبقيها موصدة أبداً في وجه الهاوية. الشعر اليوم ليس أكثر من لوحة نعلقها في نفق معتم لنقول إننا مررنا من هنا وهكذا كانت أحوالنا وهذه هي مواقفنا، هو بالضبط الأداة الأكثر صلابة إنما الأقل لمعاناُ، المعنى الذي ربما لا نستطيع أن نعيه الآن لكنه الأجدر بحفظ ذواكرنا المكلومة لسنوات قادمة، لسنوات نريدها، بفضل الشعر، أن تكون أفضل. صاحب «قصائد أندرو ميدا» 2004 و «طريق قصيرة إلى عراس» 2006، و«عربة أولها آخر الليل» (يصدر قريباً عن دار رياض الريس)، الطبيب الدمشقي الذي يصر على أنه يعيش في الضواحي (إصرار أراه شعرياً أكثر منه حياتياً) وقد أصبح يشبه «المفكر في تمثال رودان» الذي يكفيه أن يضع يداً على خدٍ ليقول «ذُهلتُ من الغسق السريع… ذُهلتُ من النباتاتِ السريعةِ» يجيبني هنا عن بعض تساؤلاتي.

^ ما هو برأيك دور الشاعر والشعر اليوم حيال الحدث السوري؟

ـ سأقول هذا مباشرة هكذا وبدون مقدمات: لا بد للشاعر أن ينحاز هذا طبيعي تماماً، لكن الصمت لا أجده ممكناً أو مقبولاً، ولا الانحياز المضاد… من جهة ثانية أشك بأن للشعر دوراً مباشراً في الثورة، أعتقد أن للشعر والأدب عموماً دورةً أبطأ من أحداث كهذه، سيمر وقت ما قبل أن نجد انعكاساً لهذا في الأدب عموماً… لكن الشعراء يكتبون، وليس بالضرورة قصائد… في التاريخ كان ثمة الشعر ما لعب دورا أكثر التصاقا بالحدث، أتذكر ماياكوفسكي مثلاً… ربما الشعر الشعبي والشعر بالمحكية له دور كبير.

زمن الشعر

^ ما هي تأثيرات وتداعيات الحدث السوري على النص الشعري الذي نكتبه اليوم ماذا عن الوعي الذي يسهم الشعر/ كما في نظرية الأدب الاجتماعي مثلاً، في خلقه لتوضيح الصواب عن الخطأ؟

ـ أعني أنه أين يتموضع الشعر والثورة قد فرضت علينا إما أن نكون على صواب أو على خطأ؟

الشعر بالأساس، كما أرى، وثيق الصلة من الأصل بنزعة تبديل العالم، تبديل اللغة، رفض الاستبداد، قلب المفاهيم، انتزاع الإنسان من البؤس، انتزاع الإنسان من براثن وحش ما، أو كابوس ما… كثير من الأشياء التي صنعت الشعر، إن كان ثمة ما صنع الشعر، صنعت أيضاً التطور الإنساني نفسه… حتى القصائد التي تتحدث عن الحب فيها لوثة من الثورة أيضاً… الشعر إذ يبدل اللغة فإنه يتابع هذا التغيير الذي لا يتوقف، ابتداء من تغيير اللغة تتبدل المفاهيم…

^ هل تصح مقولة إن الوقت اليوم وقت ثورة لكن الزمن دائماً هو زمن الشعر؟

ـ الشعر ربما بدأ منذ نطق الإنسان لأول مرة… هو هكذا كائن معمّر…

^ ألا تخاف في خضم الثورة من إنشائية الشعر وأن ينجرف نحو الوعظ على الأقل حالياً؟

ـ هذا إن كنا نتحدث عن الشعر حقاً… لكن إذا عدنا إلى كتابات عديدة لشعراء عديدين لوجدنا أنه كان ثمة ما يمكن أن يقال «مباشرة» وبوضوحٍ تام، ومع ذلك لم يقع في الإنشائية ولا في الشعارات أو الوعظ أو المقال السياسي أو الخطاب، وبقي شعراً… قد يكون «غينسبرغ» و«ماياكوفسكي» ومحمود درويش أمثلة في هذا.

تنوع نبرات

^ ما هي تأثيرات وتداعيات الحدث السوري على النص الشعري الذي يكُتَب اليوم؟

ـ لا أعــرف… كتبــت أشياء قد لا تعجبـــني غداً أو بعـــد سنة مثلاً… هناك من «الشــعرية» في الحــدث أكثر ممـا أستطــيع أن أتمثله أو أكتبه…

^ هل تستطيع أن تتخيل نفسك تقرأ شعرية اليوم بعد عشر سنوات مثلاً؟ كيف ستبدو؟

ـ لا بد أن أحداً ما سينظر فيما حدث بعد سنين عديدة… لا بد أن أحداً سيعيد قراءة المرحلة سياسياً وإنسانياً وشعريا.ً.. بعد نصف قرن ربما، ستتبدل أشياء كثيرة، ستتبدل الذائقة هذا أكيد، من الآن نرى كيف أن ما وجدناه رائعاً منذ بضعة سنين أصبح، في بعض الحالات على الأقل، لا يعنينا في كثيرٍ، سوى في تاريخ الشعر ربما… بما أن من طبيعتي التفاؤل سأقول أن ما سيأتي من الشعر، أيضاً، سيكون أجمل وأعلى وأبعد…

^ كم صديقاً خسرت بسبب الثورة، كم صديقاً ربحت بسبب الشعر؟

ـ لم أخسر أحداً… هم الذين خسروا… مؤسف أن يكون ثمة من لا يرى…أو أنه يرى ولكن من وراء نظّاراتٍ سوداء.

^ كيف تمضي يوماً «عادياً»؟

ـ بصورة عادية… أنشغل بالورد… ليس هذا مجازا.ً.. أنشغل بالصنوبر أيضاً… كل ما يحدث يشغلني بالتأكيد.

^إلى أين تذهب هذه الأيام وما الذي يدفعك إلى الكتابة؟

ـ «يحـــدث» الشـــعر عـــادة حين أنسى كل شـيء عن الشعر

…حقيقة الأمر أن لا شيء محدداً يدفعني للكتابة… أكتب هكذا أحياناً بلا سبب… وأحياناً لأن شيئاً ما أحببته، أو أن شيئاً ما حرضني أو شغلني… أتحرك قليلاً… لابد من سبب ملحّ حتى أقتنع بضرورة أن أغادر مكاني هنا…

^ سؤال تقليدي لكن ضروري… كيف ترى القصيدة السورية اليوم وما الذي/ومن الذي يلفت انتباهكَ ولماذا؟

ـ آخر ما يستحوذ علي الكسل… من يعرفني ربما يقول إني شخص لا يهدأ… أو إني مسكون بقلق لا يهدأ، لا أفضل أن يقال «قصيدة سورية»… أجد أن الحديث أجدى عن «قصيدة عربية» باعتبار اللغة… مع ذلك لا بد أن تكون ثمة ملامح ما مشتركة في ما يكتب في سوريا مثلاً…أو في مصر… إلى آخر ذلك، لكنك تجد أحياناً أن اتجاهاتٍ أو أنماطاً من الكتابة الشعرية العربية تنتشر في بلدان عديدة… وتتشابه حد التطابق أحياناً، القصيدة في سوريا أيضاًً تتطور، كما أرى، وهناك تنوع في النبرات… وليس كما قال منذر مصري مرةً إنهم جميعاً، الشعراء السوريون، خرجوا من معطف الماغوط… الكتابات الأشد شباباً هي التي تلفتني، مع أن ثمة الكثير مما يكتب لا تصلني «شعريته».

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى