صفحات الناسوليد بركسية

حافظ الصغير يستعد…/ وليد بركسية

 

 

لم تترافق المقابلة الإعلامية الأولى لحافظ، الابن الأكبر للرئيس السوري بشار الأسد، بعبارة “الرئيس المقبل” التي يستخدمها الموالون للنظام على نطاق واسع في كل ظهور نادر “للشاب الصغير”، لكن المقابلة التي انفردت بها مجموعة “غلوبو” الإخبارية البرازيلية، تشكل بحد ذاتها ضخاً دعائياً في سياق بروباغندا “الأسد للأبد”.

وخلال المقابلة التي أتت على هامش مشاركته في الأولمبياد الدولي للرياضيات بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، يتبنى حافظ بشار الأسد (16 عاماً) خطاب والده السياسي بحذافيره، فيتمسك بكونه شاباً مثل أي مدني سوري آخر، ويحاول الإيحاء بأنه ينتمي للطبقات الفقيرة التي تجاهد وتكافح للوصول إلى أهدافها، مدعياً أن لا شيء يقدم له بسهولة بناء على منصب والده، ويكرر بأنه “شاب عادي” و”طفل عادل” و”عادي مثل الآخرين”.

ويتخطى حافظ هنا الرغبة في ادعاء التواضع الضروري لبناء صورة محببة أمام الرأي العام المحلي من حشود الموالين، نحو تلميع صورة والده أيضاً. وبالتحديد ادعاؤه بأن البلاد تحت سيطرة والده تتمتع بدرجة عالية من العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص، بحديثه عن أنه “ليس الأفضل في الفريق السوري المشارك في الأولمبياد” وأنه “خاض المسابقات المحلية ليفوز بحق الانضمام للفريق”، وتبدو تلك الدعاية متناقضة مع حديث والده المتكرر في الفترة الأخيرة عن محاربة مظاهر الفساد والمحسوبيات في أوساط النظام والمسؤولين، ويتحول بها حافظ الصغير إلى “موديل” يجب الاحتذاء به، في الخطاب الرسمي على الأقل.

الصفات السابقة لا تنفرد بها البروباغندا المحيطة بحافظ وحده، بل تكررها دعاية أبيه أيضاً، كما يمكن دحضها بسهولة لأي شخص عاش في سوريا، المليئة بالفساد والمحسوبيات، لفترة قصيرة من حياته، مع حقيقة أن سوريا صنفت العام 2016 من أكثر الدول فساداً ضمن “مؤشر مدركات الفساد” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية” غير الحكومية بشكل سنوي.

وخلال الإطلالات السابقة، الصامتة، لحافظ، كان الضخ الدعائي يأتي بشكل مباشر ليحيط بصوره أو اسمه من دون تدخل مباشر منه، ما خلق جدلاً دائماً حول استغلال الدعاية الأسدية لحافظ الطفل الذي قد لا يكون مدركاً حتى لما يدور حوله من لعبة سياسية تهيئه لخلافة والده بعد سنوات، وبالتالي تحويله لملايين السوريين على خلفية جرائم والده. لكنه في المقابلة الجديدة، مهما كانت الإجابات فيها معدة بشكل مسبق من قبل فريق النظام الإعلامي، انتقل نحو موقف جديد يقدم فيه البروباغندا ويصنعها، بشكل مشابه للدور الذي تلعبه والدته أسماء في مقاطعها الدعائية الخاصة.

في ضوء ذلك، يصبح الحديث عن تقسيم للأدوار الدعائية الناعمة ضمن أسرة الأسد من أجل تلميع صورة بعضهم البعض من جهة، وتوجيه الخطاب نفسه إلى فئات متنوعة من الجمهور من جهة ثانية، مشروعاً وضرورياً في وقت واحد، وهو تكامل في الأدوار الدعائية لصالح الشعار الأكبر: “الأسد للأبد” الذي يبدو حافزاً للاستمرار في صراع وحشي من أجل البقاء. ويتجلى ذلك في المقابلة في الأجزاء التي دافع فيها حافظ عن والده وقال أن منتقدي والده “عميان وليست أقوالهم صحيحة” وفي حديثه عن السلام والحرب والعنف وضرورة “فرض السيطرة على الوضع”.

وقد لا تكون عبارة “التاريخ يكرر نفسه” صحيحة تماماً، لكنها تصبح في سوريا واقعاً لا مفر منه، مع فكرة الأبدية التي بني عليها النظام الأسدي، خصوصاً أن التاريخ يبقى في إطار الحاضر لا الماضي طالما أنه مستمر من دون أي تغيير أو انتقال للسلطة فعلياً، ولهذا السبب تتماثل طرق الدعاية الأسدية في السبعينيات عند انقلاب حافظ الأسد على السلطة، والتي تُقرأ في الكتب المدرسية الرسمية، مع التمهيد لتوريث الحكم للابن الثاني بشار بعد وفاة الابن الأكبر باسل في ظروف غامضة، ويتكرر الأمر نفسه في العامين الأخيرين مع الدفع بحافظ الصغير تدريجياً نحو الواجهة الإعلامية، تمهيداً لليوم الذي يصل فيه إلى السلطة بدوره.

وعليه تركز الدعاية المرافقة لحافظ الصغير، على إنجازاته العلمية وتحصيله الدراسي، وقيمة التعليم التي يحرص عليها، تماماً كما كانت الدعاية المحلية ترسم صورة بشار قبل وصوله للرئاسة على أنه الطبيب المنفتح الذي سيقود البلاد نحو مزيد من التقدم بعد عودته من الغرب.

وكان آخر ظهور لحافظ، في الزيارة العائلية التي قام بها الأسد مع زوجته وأطفاله لجرحى جيشه في بعض قرى ريف حماة وسط البلاد خلال عيد الفطر الماضي، علماً أن معظم إطلالات حافظ تنحصر بمشاركاته العلمية، مثل صورة السيلفي الجدلية التي التقطها في شهر تموز/يوليو العام الماضي عندما تم إيفاده ضمن الأولمبياد العلمي للرياضيات أيضاً في هونغ كونغ من دون أن يتحصل على أي ميدالية مكتفياً بشهادة تقدير، كما أجرت قناة “الإخبارية” الرسمية لقاء مقتضباً معه مطلع العام 2016 في فعالية متعلقة بالأولمبياد العلمي السوري

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى