بشير البكرصفحات سورية

حالة طوارئ/  بشير البكر

 

دخلنا المرحلة الجديدة في نهاية 2010 بلا بوصلة. لم يكن أحد يملك تصوراً متكاملاً لما يمكن أن يكون عليه اليوم التالي للثورات الشعبية ضد الأنظمة الديكتاتورية القائمة منذ قرابة نصف قرن. وعلى الرغم من الأخطار والمخاطر التي برزت في بدايات الهبات الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، لم يكن أحد يظن أننا سنصل إلى المأزق الذي نحن فيه اليوم، بل كان الاعتقاد أن ما سيأتي سوف يكون أقل سوءاً في جميع الأحوال، ولكن، بعد أربع سنوات نجد أنفسنا نقف على عتبة انهياراتٍ تنذر بتدمير ما جهدت أجيال متعاقبة في العمل على بنائه.

الكل قلق مما يحمله المستقبل، ولا ينبع القلق والمخاوف، هنا، من خشية التغيير أو تفضيل الماضي المثقل بالخراب واليأس والتهميش والفوضى وانسداد الآفاق، بل هو قلق من صعود العنف والطائفية والخوف والحروب الأهلية والفساد الشامل وانحطاط المؤسسات وتفكك النسيج الاجتماعي. قلق لا يقبل التسليم بما وصلنا إليه أو السكوت أمام الدمار الذي يتربص بمستقبل بلداننا التي باتت اليوم في مهب العاصفة.

مشكلاتنا اليوم لا تحصى، لكن الأخطر منها هو استشراء الطائفية على نحو مخيف، وفي صور لم تعرفها هذه المنطقة عبر تاريخها. برزت الهويات الطائفية على نحو فتاك، بدافع من الجهل والإحباط وانسداد الآفاق والخطاب الإعلامي ذي الأفق الضيق، وراح الناس يشهرون انتماءاتهم الطائفية، ويتصرفون كما لو أن البلدان التي عاشوا فيها أرض عدوة. إن ماكينة التعايش التي كانت ناجعة فيما مضى، على الرغم من بعض البطء، باتت متعثرة، ويجري تخريبها عمدا في العراق وسورية ولبنان واليمن وبعض بلدان الخليج. وللأسف، دخلنا في مرحلة من الحروب الأهلية التي ستجر الويلات والخراب والدمار على الجميع.

تتطلب المرحلة الراهنة ابتكار حلول لمشكلاتنا في العالم العربي، واستنباط تسويات تاريخية للمآسي والأمراض الطائفية، وإذا لم نسارع إلى إيجادها قريباً، وعلى نحو سريع، لن يكون ممكناً المحافظة على شيء، والحال أنه لا توجد حتى اليوم سوى مؤشرات قليلة تسمح بالأمل، ولذا، فإن ما نحتاج إليه حقا هو صحوة وحالة طوارئ، كما يحصل قبل أن يشرف المركب على الغرق، أي أن يتّحد كل الناس، ويعبّئوا جهودهم لمواجهة هذا المصير الكارثي الذي تسير نحوه المنطقة معصوبة العينين. إن التشبث بالبحث عن سبل للخروج من المأزق أمر لا بد منه، على الرغم من أن الأفق يبدو مكفهرا.

ومن المؤشرات الهامة في هذا المفترق أن لا أحد يستطيع، وبالأحرى لا أحد يريد، مدّ يد العون لنا من الخارج، حتى لا نقول إنه ليس من مصلحة أحد مساعدتنا. فالجار القريب يجد في انهيارات بلداننا فرصة تاريخية، يستفيد منها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وأما الخارج، فهو ينسحب من المنطقة، وتستولي عليه حالة من العجز، كما هو حال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالرئيس باراك أوباما منهمك في إنجاز اتفاق مع إيران يسجل له إنجازاً فريداً في ولايتيه الرئاسيتين، وزعماء أوروبا مشغولون بحل مشكلتي اليونان، وتدفق المهاجرين الأجانب عبر البحر المتوسط.

قد يتبادر إلى ذهن بعضهم أن المواجهات الدائرة اليوم بقوة السلاح في أكثر من مكان على الخارطة العربية سوف تنتهي بخاسرين ورابحين. وعلى هذا الأساس، يتصرف من يظنون أنهم الرابحون بمصير المنطقة، ولكن معركة الكفاح الطويل من أجل استقلال هذه المنطقة تركت لنا دروساً عظيمة كثيرة، منها أن هذا التوجه لم يجرّ سوى الكوارث، ففي النتيجة لم تحصل المنطقة لا على تحرر ولا على ديمقراطية ولا على حداثة اجتماعية، وجل ما حصلت عليه ديكتاتوريات مشوهة وتابعة للغرب الاستعماري، بشكل أو بآخر.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى