صفحات الناس

حال السوري في تركيا.. جنس مقابل جنسية/ بيسان أبو حمدان

 

 

يعيش السوريون اليوم ضروب التشتت واللجوء في أصقاع الأرض، يهربون من مسارات حياتهم التي عطلتها الحرب، وينتظرون الحلول الفردية. يتواطأون على أنفسهم حيناً، ويخدعونها أحياناً. يطيلون النظر إلى الهاوية، يتردد بعضهم، لكن الكثير منهم يفضل القفز في المجهول، على البقاء في حيز الإنتظار.

في اسطنبول يحظى العازف السوري لؤي بإعجاب فتاة تركية، تلاحقه نظراتها عبر ساحة تقسيم، ويتطور بهما الأمر إلى علاقة قد تكلل بالزواج. يقول لؤي: “أتردد منذ مدة إلى هذه الساحة الشهيرة، لأقدم عزفي مقابل مبالغ صغيرة من المال تأتيني من المارة والسيّاح. ولفتني حضور الفتاة اليومي لمتابعتي. ثم تعرفت عليها وتطورت الأمور بيننا، وبعد فترة وجيزة سنتزوج، مع أنني لا أحبها ولا أطيق أي ملمح فيها، والأهم أنني لا استطيع التواصل معها بسبب اللغة. ولكنني سأتزوجها لأحصل على الجنسية التركية بعد ثلاث سنوات. نعم أكرهها ولا تعني لي شيئاً، ولكنني مشرد منبوذ أحمل جواز سفر لا ينفع لشئ. سأحرق قلبي لثلاث سنوات.. ربما استطعت التأقلم مع هذا الأمر”.

مرام خريجة المعهد العالي للموسيقا بدمشق، تقول: “جئت إلى اسطنبول بعد أن ضيقت علي الخناق مخابرات الأسد في سورية ولبنان. أنا الآن مع شاب تركي في طريقنا إلى إتمام مشروع الزواج بعد أن عرفني إلى أهله ومجتمعه. إنه يحبني حباً قل مثيله في العالم، وأنا مدينة له بذلك، لكنني لا أشعر بشئ تجاهه، ولا أدري إن كنت سأحتمل نبرة صوته في حياة مشتركة، أكسب منها الجنسية آخر المطاف. إلى الآن أحاول العمل بجهد، كي أجمع مبلغاً من المال لأتمكن من السفر تهريباً، وهرباً من هذا الخيار كونه الورقة الرابحة الوحيدة في حياتي هذه الأيام”.

مهندس سوري يدعى شاكر، انفصل عن خطيبته، وقارب الموت جوعاً في تركيا بحسب تعبيره. لكنه وجد حلاً بطريقته، يقول: “أهداني القدر فرصة ذهبية ولكنها قاتلة لي بكل المقاييس، ولكنني قبلتها. قبلت عرض زواج من شاب سويسري تركي الأصل. سأتزوجه في سويسرا كونها تجيز زواج المثليين. لست شاذاً، إنني شاب طبيعي بجانبي النفسي والجسدي، لكنني أريد حلاً لبقائي دون أي إثبات أو هوية. أريد جنسية تحميني لا أكثر”.

وفي هذا السياق، يسرد شاب عشريني منشق عن النظام الأحداث التي يعيشها، منذ التقى صدفة برجل صاحب نفوذ في الخطوط الجوية التركية، يتقن العربية ويتحدثها بطلاقة على الرغم من أنه إسرائيلي يحمل الجنسية الأميركية. يقول الشاب: “لم أعرف في البداية كيف استطعت أن أهرب منه لخوفي من كونه إسرائيلي الهوية. إلا أنه لم يتوقف عن ملاحقتي بالرسائل والأغاني والشعر، مقترحاً علاقة تنتهي بوثيقة زواج، بهدف إغرائي للحصول على الجنسية الأميركية، والتخلص من عفن الجنسية السورية”. يضيف الشاب: “أرى أن المستقبل سيحمل سحقاً وتدميراً لبنية الإنسان السوري، لكثرة ما تعرض له من ابتزاز. في هذا الواقع العصيب، ومع غياب الحلول وتعقيد جوانب المشكلة، سنكون عرضة لأهوال لم نختبرها بعد”.

مراسل سوري شاب لإحدى القنوات التلفزيونية في أنقرة، يعبر عن استغرابه لمظهر السوريين في العاصمة التركية، فيقول: “لم أعد أستطيع التفريق بين السوري أو التركي، فأصبح الشاب السوري يضع أقراطاً في أذنيه وحاجبيه، ويرتدي أنماطاً غربية من الملابس. كذلك هو الحال بالنسبة للفتيات السوريات، فقد تغيرت هيئاتهن كثيراً”. ويضيف “ربما هو نوع من تغيير الجلد والتمويه والرفض الداخلي لهويتنا، وعلى الأغلب الخجل منها. أو شئ من محاباة الآخرين للتقرب منهم”. فالسوريون يواكبون اليوم “الموضة” كباقي شعوب الأرض، ويستطيعون جذب الآخرين، والحصول على إعجابهم. وبالتالي فإن “خيارات الزواج المبني على تفكير الآخرين بإمكانية استغلال السوري لعدم امتلاكه أوراقاً ثبوتية، فتحت الباب أمام من يملك مشاكل نفسية أو جنسية ليجد ضالته لدينا”.

بعض السوريين أصبحوا كرهاً أو طواعية، لقمة سائغة سهلة المنال، حين أجازوا لأنفسهم التخلي عما نشأوا عليه، بقصد النجاة. والأخطر أنهم يجدون مبررات كافية، كي لا يصابوا بالجنون.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى