صفحات الناس

حتى السجاد أصبح نادرا.. في سوريا/ مروان أبو خالد

 

جاءت الأمطار الغزيرة التي تساقطت في مختلف المناطق السورية أمس الأحد، لتعلن عن البدء الفعلي لفصل الشتاء، وذلك في ظل عجز غالبية السوريين، وخصوصا النازحين، عن تلبية متطلبات التدفئة لمواجهة البرد القارس. إذ تقطن غالبية النازحين في شقق غير مكسية (غير مقفلة بأبواب ونوافذ)، لم تكن تؤجر سابقاً في سوريا، لكنّها باتت تؤجر بسعر وسطي يتراوح ما بين 10 و15 ألف ليرة شهرياً (بين 52.9 و79.3 دولار)، وتبقى الإقامة فيها خياراً لا مفر منه في ظل ارتفاع إيجار الشقق المكسية إلى 30 ألف وسطياً (158.7 دولار)، بينما تحلق الشقق المفروشة فوق الـ50 ألف ليرة شهرياً (264.5 دولار).

وإذا كان النازحون قد استبدلوا الأبواب والشبابيك بأغطية النايلون التي تقي قليلاً من الرياح ومياه الأمطار، فلا بديل أمامهم عن النوم على الأرضية الإسمنتية بسبب عدم القدرة على شراء سجادة تقيهم برودة الأرض، في ظل ارتفاع أسعار السجاد وتراجع معدلات إنتاجه بشكل كبير بسبب الحرب. فمعمل حلب متوقف كلياً منذ العام 2012، ومعمل دمشق لم يعد ينتج سوى 5% فقط من إنتاجه قبل الحرب، وذلك بعد توقفه العام الماضي كليا، قبل أن يعاود الإنتاج بست أنوال، فيما تبقى عشر أنوال خارج الخدمة. كما أن معمل سجاد حماة متوقف تماماً بسبب عدم وجود مخزون من الخيوط الصوفية وعجز المعمل عن تحمل تكاليف المواد الأولية المرتفعة. وبالرغم من أن معمل السويداء لم يتأثر بشكل مباشر بدمار الحرب إلا أن إنتاجيته منخفضة كثيراً في ظل نقص قطع التبديل وغير ذلك من المعوقات الإنتاجية، فيما تواجه صناعة السجاد اليدوي، الذي كانت السويداء تنتج 25 في المئة من مجمل إنتاجه في سوريا، خطر الانقراض الحقيقي بسبب ارتفاع التكاليف، وهذا ما يهدد معيشة آلاف العاملات في تصنيع السجاد اليدوي.

وأمام نقص المعروض من السجاد، ارتفعت أسعار المتر المربع بشكل كبير إذ بلغ سعره 5 ألاف ليرة (26.4 دولار)، ويصل سعر المتر المربع لبعض الأنواع تبعاً لجودة الخيوط والنقشة إلى 10 آلاف (52.8 دولار)، مما يعني أن سعر سجادة منزلية صغيرة يتراوح ما بين 60 و100 ألف ليرة (317.4 و529.1 دولار). وبالرغم من إعلان مؤسسة سندس الاستهلاكية أمس الأحد، أنها ستفتح باب البيع بالتقسيط قريباً بسعر 3500 ليرة للمتر المربع (18.5 دولار)، وبدفعة أولى يبلغ سقفها 5 آلاف ليرة (26.4 دولار)، فإن هذا الأمر لن يحمل أي أثر إيجابي ولن يسهم بتوفير السجاد لمحتاجيه الحقيقيين من المهجرين المفقرين. فالشركة اشترطت أن يكون المشتري من موظفي الدولة حصراً، وأن لا يكون مدينا لأي جهة حكومية، إضافة لحاجته لكفالة من قبل شخص يعمل في المؤسسة أو الدائرة التي يعمل فيها. وحتى لو سلمنا جدلاً بوجود شخص تتوفر لديه هذه الشروط، فإن راتب الموظف بات لا يكفي لتلبية متطلبات معيشة أسرة مكونة من 4 أشخاص لأكثر من 8 أيام فحسب، فما بالك باقتطاع مبلغ شهري من راتبه لسداد قسط السجادة.

وفي سياق متصل تبدو “سوق المسروقات” منتعشة، وتكاد عمليات بيع السجاد فيها تكون أكثر نشاطا من عمليات البيع في الأسواق والمحال النظامية، فسعر السجادة المسروقة يبلغ نحو 20 ألف ليرة (105.8 دولار)، وتقل الأسعار أكثر إن كانت السجادة تعاني من حروق أو ثقوب. وفيما يمتنع السوريون، عموما، عن شراء السجاد المسروق، فإن بعضهم يرضخ للأمر الواقع إذ لا بديل لديه عن ذلك، ولا سيما أن أعدادا كبيرة من النازحين لم يحصلوا على البطانيات القطنية والصوفية التي يمكنهم افتراشها أرضاً بدلاً من السجاد، بعدما نهبت مخصصاتهم من قِبل أقنية الفساد، في حين أن قلة منهم قد باعوها بأبخس الأثمان، لتجار عديمي الضمير، وذلك لتأمين الطعام.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى