سلامة كيلةصفحات سورية

حراك ثوريّ تغييريّ لا جنون دمويّ


سلامة كيلة

رد على مقال ابراهيم الأمين “جنون دمويّ لا حراك ثورة تغييري”

خاص بالموقع | لا يكفي أن توضع فقرة «علماً بأن هذا الكلام لا يعني مطلقاً منح الشرعية، لا السياسية ولا الأخلاقية، لارتكابات قوى النظام ومسلحيه ضد الخصوم» لكي تغطّي على عنوان كبير يقول «جنون دمويّ لا حراك ثورة تغييري». لكن الصديق إبراهيم الأمين يفعل ذلك (الأخبار 4/11/2011). والصديق يعتمد على رواية أحداث طائفية وقعت في حمص، يعمّمها ليشير إلى ما هو أفظع «إن لم يُتدارك الأمر». ويغرق في السرد كأن الأمور سائرة إلى «الفوضى الدموية»، «التي يُراد لسوريا أن تغرق فيها». حيث إن «في قلب المشهد اليومي من لديه جدول أعمال آخر». وهذه فئة «لم يعد بالإمكان اعتبارها مجرد مجموعات صغيرة».

ويكمل السرد عن التطهير «الطوعي أو القسري» لعدد من الأحياء، وحتى في المعارضة والمدارس. ولا أودّ تكرار ما قاله، والذي يصبّ في خلق «حالة رعب» من حرب طائفية وفوضى، وبالتالي انتقال الانتفاضة إلى حرب تدمير لسوريا.

لا أودّ القول إن رواية السلطة كانت هذه منذ البداية، وظهر تهافتها. لكن أن تعود جريدة «الأخبار» إلى هذا السرد فهو ما يستحق التوقف عنده. وإذا كان الصديق إبراهيم قد أقنع ذاته بأن الأغلبية الشعبية هي مع الإصلاح وليست مع الثورة (كما أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليبرّر دعمه للسلطة) كما أشار في مقال الخميس (3/11/2011)، وها هو ينتقل خطوة بالتوضيح أن ما بات يسيطر (أو يمكن أن يسيطر) على الانتفاضة قد «لامس الحرب الأهلية والمذهبية»، فهو هنا يعيد صياغة تلك الرواية بعد أن كلحت، اعتماداً على شائعات، أو ممارسات «هامشية»، أو محاولات ثبت أن السلطة تمارسها.

ليس غريباً ألا يكون ممكناً تلمّس واقع الشعب، ومشكلاته، وحراكه، فكل النخب تحلّق في «السياسة» و«الاستراتيجية»، والدول والتصريحات، وقال هذا المسؤول أو قيل عنه. ولهذا تصبح «التسريبات» والشائعات هي الحقائق. وهذا ما يُلمس ممّا كتبه الصديق إبراهيم. هل هناك «فوضى»؟ سأقول يمكن، لكن ما هو الطابع العام للحراك الذي يتوصل إبراهيم إلى أنه أصبح جنوناً دموياً.

أتمنى أن يأتي الصديق إبراهيم ليشاهد كثافة الانتشار العسكري والأمني والشبّيحي في كل المدن والبلدات ليعرف أن الخروج إلى التظاهر ليس نزهة، وبالتالي ليس العدد هو المقياس هنا، لأنه حينما يكون القتل هو ما يقابل التظاهر يكون من يخرج بطلاً بكل معنى الكلمة، وأن عدم خروج ملايين لا يعني عدم دعم الإصلاح ولا التأييد، بل يعني أنها لا تخرج نتيجة العنف الهائل. فالمسألة باتت حرباً من السلطة على الشعب. وفي هذا الجو من يخرج مع السلطة يخرج تحت التهديد الذي نعرفه جميعاً. لهذا لا يجوز التقليل من مسألة المشاركة لتغليب صورة أن المسألة تتحوّل إلى حرب أهلية ومذهبية، وتسير نحو الفرز الطائفي، وأن المتآمرين هم الذين باتوا (أو يوشكون على أن) يتحكمون في الحراك ليصبح جنوناً دموياً بدل أن يكون ثورة تغييرية. ولا شك في أن استخدام السلطة كل هذا العنف يوضح بدقة أنها تعرف ماذا يعني تراجع القمع. وهي المسألة التي فرضت أن يكون القرار من أول لحظة هو استخدام الرصاص وليس العصيّ.

المشكلة التي تحكم «الممانعين» هي تحكّم هاجس المؤامرة واستثارة الصراعات الطائفية والتقسيم. ولهذا يجري التقاط الإشارات وتصديقها من أجل تأكيد الفكرة المسبقة التي تحكمه. وهو أمر مفهوم لدى هؤلاء، لكن لماذا يلجأ الصديق إبراهيم إلى المنطق ذاته؟

فهو يعرف الوضع الاقتصادي المزري، وبالتالي الأسباب التي دفعت إلى الانتفاض، وهو وضع ليس من الممكن حرفه إذا كانت لديه شكوك في ذلك، لأن ما جرى ليس من فعل منظم، بل كان عفوياً إلى أبعد الحدود، وبالتالي لا يمكن أحداً أن يتحكم فيه. وكل ما يمكن من قبل قوى سياسية هو إما مساعدته أو التشويش عليه، دون أن تستطيع أكثر من ذلك. ولهذا سقطت كل محاولات السلطة افتعال صراع طائفي في حمص خصوصاً، بمجهود الشباب المنتفض ذاته، وستسقط كل محاولة في هذا المجال، لأن الصراع هو مع السلطة، وهذا في غاية الوضوح لدى المنتفضين.

من ينتفض هو «الكتلة المهمشة والمفقرة»، ومن يتحكم في الحراك هؤلاء، بغض النظر عمّا يعكسه الإعلام أو تحاوله بعض أطراف المعارضة. وكنت آمل أن تلتزم السلطة باتفاقها مع الجامعة العربية لكي يتوضح الوضع دون إيهامات أو التباسات، حتى بالنسبة إلى حجم المعارضة. لكن، لأن السلطة تعرف نتيجة ذلك، لم تلتزم، ولن تلتزم به. فهي تعرف أن وقف العنف الذي تمارسه، وسحب الجيش والشبيحة والأمن، يعنيان ملايين تملأ الشوارع.

سوريا لا تسير نحو الفوضى، ولا نحو الحرب الأهلية أو المذهبية، رغم كل المحاولات، لكنها تسير نحو التغيير. وما كان يفعله التخويف من الحرب الطائفية والفوضى هو زيادة تردّد المترددين في المشاركة، ولقد أصبحت الأمور أكثر وضوحاً بما لا يقود إلى النتيجة ذاتها.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى